المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. عبد العليم محمد
د. عبد العليم محمد

مشروع القناة وإحياء القيم

السبت 08/أغسطس/2015 - 11:12 ص

عندما ينشر هذا المقال يكون قد مضى يوم واحد على افتتاح الخط الملاحى المزدوج أو قناة السويس الجديدة رسميا، هذا العمل الرائع الذى شارك فيه عشرات الألوف من العمال والمهندسين والفنيين المصريين مدنيين وعسكريين، يعلن بداية فتح صفحة جديدة لمصر والمصريين، مع نفسها وأنفسهم أولا ومع العالم من حولنا، هذه الصفحة الجديدة بحاجة لقراءة متأنية ومتعمقة لما تقوله كلماتها، وما لم تقله صراحة تستهدف هذه القراءة إبراز الدروس والعبر التى ينطوى عليها إنجاز هذا العمل والتى تنصرف إلى المستقبل.

تحفل هذه الصفحة الجديدة بالثقة والتفاؤل والأمل فى مستقبل مشرق لمصر والمصريين، وتعلن استئناف مصر لدورها العالمى فى التواصل مع العالم الحديث والحضارة الحديثة، وقدرتها على استثمار موقعها الفريد والعبقرى، فى خدمة الاقتصاد المصرى والدولى والانفتاح على العالم والمساهمة الفعالة فى معالجة قضاياه، يشهد التاريخ الحديث والمعاصر بأن مصر لم تنعزل عن العالم وأن ازدهارها وتقدمها يرتهن بهذا الانفتاح والتواصل.

وبصرف النظر مؤقتا عن العوائد الاقتصادية والاجتماعية لمشروع قناة السويس الجديدة والتى كتب عنها المتخصصون، فإن مشروع القناة الجديدة يمثل حلقة واحدة فى منظومة متكاملة من المشروعات التى تنخرط فى تنمية إقليم قناة السويس فى المدى الطويل ولكنها حلقة قد تمثل قاطرة التنمية فى هذا الإقليم وحجر الزاوية فى استكمال تنفيذ المشروعات المختلفة عبر استعادة الثقة الدولية فى قدرة المصريين قيادة وشعبا على بناء اقتصادهم وارتياد مجالات لم تكن مألوفة من قبل لتوسيع شرايين الاقتصاد وخلق فرص الاستثمار والعمالة وزيادة الدخل القومى، وهى الأمور التى توفر لبقية مشروعات منظومة تنمية إقليم قناة السويس فرصا أفضل للتنفيذ والتمويل والنجاح.

تنطوى الصفحة الجديدة التى تمكنت مصر من افتتاحها وبدئها على دروس وعناصر وقيم تستعصى على الحساب الدقيق، فهى ليست عناصر وقيم مادية اقتصادية قابلة للقياس والتنبؤ، بل هى عناصر معنوية وقيمية تم إحياؤها وتفعيلها فى مشروع قناة السويس ووقفت خلف هذا الإنجاز وساعدت فى تحقيقه على النحو الذى رأيناه.

لقد جسد هذا المشروع إحياء منظومة القيم والمعايير التى لا يمكن الاستغناء عنها فى أى نهضة اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية ألا وهى قيم العمل والكفاءة والإصرار والحماس والانضباط والالتزام بقيمة الزمن والوقت وقوة الإرادة، وهى تلك القيم التى اعتقدنا رِدْحا من الزمن أنها انهارت أو تآكلت وانقرضت من فرط الجمود والفساد وضمور الانتماء الوطنى طيلة عقود، وغياب المعايير الحاسمة فى التقييم والانجاز والالتزام وترك المشكلات تتراكم وانتظار أن تحل نفسها بنفسها أو تندثر من تلقاء ذاتها، وهو منهج فى التفكير تواكلى وغير عقلانى ومحصلته النهائية الوقوف فى المكان والزمان وهو ما يعنى الجمود وافتقاد المبادرة.

استعادت هذه القيم الضرورية والتى لا غنى عنها لإنجاز أية نهضة وهجها وبريقها عبر تنفيذ الخطوة الأولى ولكنها الأساسية فى مشروع تنمية إقليم قناة السويس ألا وهى قناة السويس الجديدة.

وقد لا يكون من قبيل المبالغة أن هذه القيم وإن كانت غير قابلة للقياس، إلا أنها مع ذلك لعبت دورا حاسما فى تنفيذ هذا المشروع لا يقل أهمية عن عنصر التمويل والقيادة والإدارة والإمكانيات المادية.

لقد كشف مشروع قناة السويس الجديدة عن المساحة الواسعة والكبيرة بين عطاء المصريين الفعلى وبين عطائهم الممكن، وحول هذا الاحتياطى الممكن من العطاء والعمل والجهد إلى عطاء فعلى وواقعى متجذر فى الواقع، ولا شك أن منظومة القيم التى تم إحياؤها من خلال مشروع القناة الجديدة أى العمل والإنتاج والالتزام واعتبار الزمن والوقت والكفاءة وغيرها هى التى ساهمت فى تحويل العطاء الافتراضى والممكن والكامن إلى عطاء حقيقى وفعلى وواقعى.

الصفحة الجديدة التى بدأت بافتتاح قناة السويس الجديدة تؤكد قدرة مصر والمصريين على دخول التاريخ مرة أخرى، عبر الإرادة والتحدى وتخليق استجابات بمستوى التحديات المطروحة، وأن الخبرة التاريخية والبشرية بامتدادها وعمقها فى الزمان والمكان تؤكد أن الأمم والشعوب لا تحقق التقدم والنهضة بالتمنيات أو بالدعوات، وإنما بالعمل والإصرار والجهد، وأن مصر والمصريين ليسوا استثناء من ذلك، بل يفصح تاريخها وتاريخهم عن مضمون هذه الخبرة إذ شكلوا فجر التاريخ والضمير عبر ثقافتهم وطموحهم إلى الخلود والبعث والرقى وعبر أعمالهم وتنظيمهم لمجريات الحياة والنهر والعدالة.

إحياء منظومة القيم الجادة من خلال إنجاز مشروع قناة السويس الجديدة، خلق نموذجا متكاملا يمكن أن يشكل قدوة ونموذجا إرشاديا للتعامل مع التحديات المطروحة أمام مصر فى المرحلة الراهنة، وضمانة للنجاح فى معالجة هذه التحديات بشرط أن تبقى جذوة هذه القيم متوهجة ومستمرة، وأن تحتفظ صحوة هذه القيم ببريقها وتأثيرها وألا يكون مشروع إنجاز القناة الجديدة مجرد استثناء بل ينبغى أن يكون القاعدة.

وأعتقد مخلصا وجازما أن الصفحة الجديدة التى افتتحتها مصر مع افتتاح القناة الجديدة تعلن القطيعة مع ثقافة الإهمال والتسيب واللا مسئولية والتخلى عن الإيمان بقيمة العمل والالتزام، هذه الثقافة التى عوقت مصر عن شغل مكانتها ودورها اللائق بها بين الأمم وعطلت استثمار قدراتها وإمكاناتها وموقعها وخبراتها التاريخية، ويعنى ذلك تشكيل ثقافة جادة تحترم العمل والكفاءة والالتزام وتعاقب المقصرين والفاسدين وتزكى الموهوبين والجادين من أبناء مصر.

هذه القيم المعنوية والتى تستعصى على القياس والحساب هى حجر الزاوية فى مراحل الانطلاق والنمو والتنمية وتكتسب أهمية قصوى تعادل أهمية العناصر الأخرى فى أى نهضة وينبغى أن ترافق معالجة جميع التحديات التى تواجهنا. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟