المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
أندرو ويتهوفت
أندرو ويتهوفت

خطوة روسية ثقيلة محاطة بالصمت

الأربعاء 12/أغسطس/2015 - 11:44 ص

يقترب صراع متأجج من نقطة غليانه في القوقاز حيث تصر روسيا على موقفها الداعي إلى إعادة النظر في وضع «الجوار القريب» غير آبهة أو مبالية برد فعل الغرب. في العاشر من تموز (يوليو) عندما كان الاوروبيون مشغولين بالمساومات حول اليونان وكانت الولايات المتحدة منهمكة في انهاء الاتفاق مع إيران، أعادت قوات اوسيتيا الجنوبية المدعومة من روسيا رسم حدود المقاطعة من جانب واحد بتحريكها المواقع عند الحدود الى عمق الاراضي الجورجية. وفقاً لبعثة الرصد التابعة للإتحاد الأوروبي في جورجيا، دُفعت العلامات الحدودية جنوباً مسافة 985 قدماً (300 متر) قرب قرية اورتشوساني في حين جرى توسيع اراضي اوسيتيا الجنوبية قرب تسيتيلوباني 3300 قدم (1005 أمتار). وأنكرت موسكو الاتهامات الموجهة اليها مثلما كان متوقعاً.

وتدبر الانفصاليون الذين تساندهم روسيا عبر التوسع الاخير هذا أمر الوصول الى ما يبعد ميلاً واحداً (1.5 كيلومتر) عن خط نفط باكو – سوبسا الذي تشغّله شركة «بريتش بيتروليوم» («بي بي») وينقل حوالى 145 ألف برميل من نفط بحر قزوين يومياً الى البحر الاسود. ما يثير قلقاً أكبر هو ان الطريق السريع «أي 60» الذي يبدأ من قرغيزستان مروراً بأذربيجان وجورجيا ويصل الى طرف فرنسا الغربي لا يبعد الآن سوى رمية حجر عن متمردي اوسيتيا الجنوبية. وإضافة الى انه طريق جورجي رئيس يربط شرق البلاد بشاطئها على البحر الاسود، فإنه يمثل طريقاً سريعاً تجارياً. اثناء الاجتياح الروسي عام 2008 على سبيل المثال، أدى خط الانابيب دوراً رئيساً في إبقاء تدفق النفط من اذربيجان الى الاسواق الاوروبية. وتشغل «بي بي» خط انابيب ثان هو خط باكو- تبيليسي – جيهان البالغة قدرته 1.2 مليون برميل يومياً والذي يسير أيضاً في محاذاة الطريق «أي 60».

ليست هذه المرة الاولى التي تدفع فيها القوات الروسية الحدود. عام 2010، خسرت جورجيا كيلومترين في منطقة اخالغوري لمصلحة اوسيتيا الجنوبية اما في 2013 فتغيرت الحدود مرتين: في الربيع وضع سور حول خمس قرى تغطي تقريباً مساحة مئة هكتار أما في الخريف فجرى ضم قريتين.

ويجري التحضير للتوسع الذي وقع في تموز منذ زمن بعيد وأُعدّ حسابه استراتيجياً من قبل الكرملين. وفي الوسع الافتراض ان روسيا تعزز الجهود لرفع العلم الابيض والاحمر والازرق (الروسي) في اوسيتيا الجنوبية كما فعلت في القرم. في ضوء الخطط هذه، تشرع «معاهدة التحالف والتكامل» التي وُقعت في آذار (مارس) 2014 بين الانفصاليين الجورجيين وبين روسيا تشريعاً عملياً سيطرة موسكو على اوسيتيا الجنوبية. اضافة الى انها تتيح لروسيا السيطرة على الحدود والتمويل والسياسة الخارجية والشؤون الداخلية والمسائل العسكرية والرعاية الصحية والسياسة النقدية اضافة الى السياسة الاجتماعية لخمسين ألف أوسيتي جنوبي سينقلون الى روسيا. زعيم الانفصاليين ليونيد تيبيلوف وهو للصدفة مسؤول سابق في جهاز الاستخبارات السوفياتي «كي جي بي» حيّا «افضل ضمانة ممكنة لأمن الدولة» قبل ان يتوجه الى الغرب بالاهانة بدعوته الى الاهتمام بشؤونه.

بيد أن لعبة روسيا في جورجيا قد تكون اكثر تعقيداً مما تبدو عليه للوهلة الاولى. ماذا لو كانت السيطرة على الاراضي المحاذية لأوسيتيا الجنوبية جزء من استراتيجية أوسع ترمي الى تعويض موسكو خسارة النفوذ على المدى المتوسط في أوكرانيا وتعزز إمساك شركة (الغاز الروسية) «غازبروم» على مستقبل أمن الطاقة في أوروبا؟

تبدأ القصة الحقيقية من التراجع الكبير في انتاج «غازبروم» من الغاز الذي سيصل الى 27 في المئة ما سينعكس على الموازنة الروسية التي تغذيها الشركة بتسعة في المئة من وارداتها الاجمالية. يضاف هذا الى تباطؤ الاقتصاد الروسي وانخفاض الطلب الاوروبي حيث تنظر موسكو الى الاتحاد الاوروبي كمسبب رئيس لمشكلاتها. ومن دون أوروبا وفي حوزتها كييف، سيضعف كثيراً وزن موسكو الاستراتيجي على الساحة الدولية.

وفوق كل ذلك يأتي بحث أوكرانيا النشط عن مصادر بديلة للطاقة من خلال التفاتها الى الجمهوريات السوفياتية السابقة مثل كازاخستان وتركمانستان واوزبكستان. نظرة سريعة الى الخريطة تُظهر أن شبكة خطوط الانابيب من البلدان الثلاثة تصل الى أوروبا مروراً بروسيا – البديل الوحيد سيكون نقل الغاز عبر بحر قزوين ثم عبر تركيا (التي تبني فيها روسيا خط انابيب بالفعل) أو عبر الخطوط الجورجية.

واتخذت جورجيا خطوات عدة لتصبح بلد عبور مفضلاً لغاز وسط آسيا. واستبقت الارتفاع الاوروبي المتوقع في الطلب على غاز بحر قزوين بافتتاح مصب لخط أنابيب في مرفأ بوتي على البحر الاسود في تشرين الثاني (نوفمبر) ومن المتوقع ان تجري اولى عمليات التصدير في 2018. في هذه الاثناء، وقعت اوكرانيا مذكرة تفاهم مع شركة اميركية تسعى الى شحن 12.9 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي المسال الجورجي المكتشف أخيراً من الموارد الطبيعية المحتملة.

عليه، يتعين وضع سيطرة أوسيتيا الجنوبية على المزيد من الاراضي الجورجية على خلفية سعي روسيا الى ضمان مصالحها في القوقاز وفي أوروبا في آن واحد. نقلا عن الحياة

 * مستشار في الشؤون الأوروبية، عن موقع «ذي ديبلومات» الياباني، 6/8/2015، إعداد حسام عيتاني

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟