المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد السيد سليم
محمد السيد سليم

صفحات مطوية فى ملف كتاب الإسلام وأصول الحكم (2)

السبت 15/أغسطس/2015 - 12:29 م

فى المقال السابق قلنا ان هناك صفحات مجهولة فى سجل كتاب الاسلام وأصول الحكم للشيخ على عبد الرازق من شأن ضمها الى ملف الكتاب أن تغير من مسار النقاش الذى يدور حوله فى اتجاه التقييم الواقعى لما جاء فيه والاستفادة منه فى رسم خريطة المستقبل. استعرضنا فى المقال أربع صفحات وتبقى الصفحة الخامسة وهى تتعلق بالمؤتمر الذى عقده الأزهر فى القاهرة فى مايو سنة 1926 دعى اليه كبار العلماء من مختلف الدول للنظر فى اعادة بناء الخلافة التى ألغاها أتاتورك. من هاجموا الشيخ بضراوة واعتبروا أن الخلافة هى الاسلام فشلوا فى التوصل الى توافق حول اعادة بناء الخلافة فى مؤتمر لم يكن على عبد الرازق حاضرا فيه. ووصل الخلاف بينهم أن الشيخ الأحمدى الظواهرى، وكان حاضرا فى المؤتمر، قال «سخطر لى أن أسلم طريق لحفظ كلمة المسلمين من التفرق، ولمقام مصر أن يصان، وإبقاء على الخلافة وحماية لها، هو أن أسـعى لفض هذا المؤتمر قبل أن يتخذ قراراً معيناً قد يزيد النفرة بين المسلمين». وأضاف الظواهرى أنه «بقبول هذا الاقتراح ، انفض المؤتمر وانفضت معه فى الواقع مسألة الخلافة.س فهل كان على عبد الرازق مسئولا عن انفضاض مسألة الخلافة على يد علماء المسلمين كما قال الظواهرى؟ وماسبب الشقاق الذى اندلع بينهم رغم أنهم كانوا يرون أن اقامتها واجبة؟ نريد توثيقا جيدا لما دار فى هذا المؤتمر الذى برهن على صحة مقولات كتاب الاسلام وأصول الحكم.

وفى الصفحة السادسة نكتشف أن على عبد الرازق حصل على حكم من محكمة القضاء الإدارى بالغاء قرار هيئة كبار العلماء بفصله. وهو مابرر تعيينه عضوا فى مجمع اللغة العربية، ثم وزيرا للأوقاف فيما بعد. فأين هو نص هذا الحكم التاريخى؟ لاأثر له أيضا فى النقاش حول الكتاب؟ كيف انتصر القضاء لعلى عبد الرازق، وكيف تعامل البعض مع حكم هيئة كبار العلماء على أنه حكم نهائى، مع أنه تم نقضه من قضاة لايعملون بأوامر من الملك فؤاد؟ ورغم ذلك فقد قام الأزهر فى عهد أحد شيوخه المعاصرين باعادة نشر قرار الهيئة الذى ألغاه القضاء. أليس هذا الحكم جدير بالنشر والدراسة على الأقل لمعرفة كيف رد القضاء الاعتبار للشيخ. وأليس جديرا أيضا أن يلحق بالكتاب الذى نتحدث عنه.

وفى الصفحة السابعة نجد اشارة الى عضوية على عبد الرازق فى مجمع اللغة العربية سنة 1948. وأنه فى الخطاب الذى ألقاه الشيخ عبدالوهاب خلاف، «أستاذ الشريعة الاسلامية، ترحيبا بتلك العضوية قال، أقدم عالما دقيق البحث، سليم الذوق، شغوفا باللغة وآدابها، وسطا بين المحافظين والمجددين.» تقييم مهم لانجد له أثرا فى النقاش الدائر حول فكر على عبد الرازق. ونريد أن نطلع على نص خطاب الشيخ خلاف فى المجمع ترحيبا بصاحب الكتاب، ومااذا كانت هناك خطابات أخرى، وماهى مساهمات صاحب الكتاب فى أعمال المجمع.

وتتناول الصفحة الثامنة ما أسميه بالتحول الفكرى فى النضال من أجل التكيف مع متطلبات صعود حركات الاسلام السياسى. فبعض من مدحوا كتاب الاسلام وأصول الحكم فى البداية تحولوا نحو هجائه بعد صعود تلك الحركات، وبعد أن قدروا المكاسب التى سيجنونها من الافتراء على الشيخ جراء هذا التكيف. ولنأخذ مثالا واحدا. فقد نشر أحد من كرسوا قلمهم فى العقد ونصف العقد الأخير لاغتيال شخصية صاحب الكتاب، فى سنة 1971 مقالا مالبث أن طوره فى كتاب سنة 1989 وصف فيه عبدالرازق بأنه كان احاد البصيرة فى رؤية اتجاه حركة التطور والتاريخ، وقال «ان الحركة الفكرية والسياسية قد جنت الكثير من الثمار الايجابية من وراء صدور هذا الكتاب» واستنكر محاكمة صاحب الكتاب، وأكد أنها كانت محاكمة سياسية مدفوعة من القصر الملكى، كما استنكر حملة بعض علماء الأزهر ضد الكتاب بأنها كانت استجابة لطلب من الملك فؤاد والذى حركهم بانعاماته المالية قبل المحاكمة. كما وصف كتاب الخضر حسين بأنه جاء ارضاء للملك حيث أهداه الى الملك فى مقدمة كتابه كما وصف الحملة التى وجهت اليه «بالإرهاب الفكرى» الذى حرم الحركة الفكرية المصرية من مساهمات الشيخ، وفوق كل ذلك كان أحد العوامل التى أفسدت مشروع الاستعمار البريطانى! كما أضفى على الكتاب طابعا «ثوريا» على أساس أنه كان موجها ضد استبداد الملك فؤاد. ولكن رؤية المفكر الكبير للكتاب تغيرت بعد ذلك. ففى كتابين نشرهما سنة 2002 ، 2008 بدا متعاطفا مع محاكمة عبد الرازق أمام هيئة كبار العلماء وقال انها كانت «محاكمة تأديبية». وبعد أن كان قد ندد بكتاب الخضر حسين قدمه على أنه «الشيخ المجدد المناضل.» كما صور اصدار كتاب على عبد الرازق على أنه جزء من مؤامرة غربية على العالم الاسلامى، كما اتهم الشيخ بأنه اوضع اسلامنا وخليفتنا وتاريخنا فى قوالب الغرب النصرانى ودولته البابوية... تقدم «بالحل الغربى»، «الحل التنويرى العلمانى «باعتباره الحل الواقع لواقع المسلمين كما اتهم الشيخ بأنه يدعو الى «علمنة الاسلام».

أما الصفحة التاسعة فتتعلق بالحفل الذى أقامته جامعة الأزهر لتأبين على عبد الرازق بعد وفاته بناء على دعوة مدير الجامعة آنذاك أحمد الباقورى. وقد عقد الحفل فى قاعة محمد عبده فى مساء 30 نوفمبر سنة 1966 ترأسه الدكتور ابراهيم مدكور، رئيس مجمع اللغة العربية آنذاك، الذى قال فى الحفل «بالأمس تنكرت له هيئة كبار العلماء وأنكرته، وهاهو ذا الأزهر يودعه اليوم الوداع الأخير فى تكريم وتبجيل، ويرحب بتأبينه فى هذه القاعة ليحشر فى زمرة محمد عبده.» جرى أيضا التعتيم على ماقيل فى الحفل حتى أننا لانجد له أى ذكر فى المصادر الصحفية بما فيها صحيفة الأهرام. فهل لنا أن نعرف بدقة ماذا ماقيل عن عبدالرازق فى هذا المساء، وما مدى اتساقه مع ماقالته هيئة كبار العلماء فى حكمها الصادر سنة 1925؟ وماهى دلالة هذا التحول فيما يتعلق بدور السياسة حينما تدخل فى الدين فتشوهه وتقدم الضحايا على مذبح المصالح.

نحن اذن أمام ملف تم تشويه أجندته بدس المقولات على صاحب الملف، والتعتيم على الجوانب التى تدحض هذا الدس، وتغيير الآراء للتوافق مع تكريس هذا التشويه، مما أسهم فى تغذية التطرف. وماندعو اليه هو أن يكتمل الملف لكن على أساس المعلومات الصحيحة والكاملة. فلعل ذلك يسهم فى ترشيد الخطاب الدينى وفى ضبط موجة التطرف باسم الدين، والأهم من ذلك كشف المتاجرين بسمعة البشر من أجل مصالحهم.

نقلاً عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟