بدأت الحكومة التركية إعلان بعض المناطق والمدن مناطق أمنية وحظرت فيها التجول. وأعلن حزب «العمال الكردستاني» مناطق خاضعه لحكمه الذاتي داخل تركيا. ويبسط «الكردستاني» قوته على الأرض من غير رادع، ويردي يومياً رجال امن وجنوداً
أردوغان يخالف إرادة الأتراك
بدأت الحكومة التركية إعلان بعض المناطق والمدن مناطق أمنية وحظرت فيها التجول. وأعلن حزب «العمال الكردستاني» مناطق خاضعه لحكمه الذاتي داخل تركيا. ويبسط «الكردستاني» قوته على الأرض من غير رادع، ويردي يومياً رجال امن وجنوداً. وتسيل دموع الأمهات من جديد حزناً وقهراً. ومع كل يوم يمر، تتفاقم الامور وتسوء الاحوال، وتتعاظم التهديدات.
وعلى رغم هذه الأحوال السلبية ومرور 70 يوماً على الانتخابات التي قال فيها الشارع كلمته، لا تزال تركيا عاجزة عن تشكيل حكومة جديدة. ووجه الاتراك في الانتخابات رسالة الى السياسيين لسان حالها: «تفاهموا وقدموا التنازلات من أجل حكومة ائتلافية». لكن من يرفض الحلول الوسط والتفاهم مع الآخر لم يعد يخفي نواياه، وكشف عن دواعي تمسكه باللجوء الى الانتخابات من جديد. فالرئيس رجب طيب أردوغان يعاند رأي الشعب التركي ويخالفه في الرأي. وأروغان طالب الشعب بمنح حكومة موالية له أصواتاً كافية لتغيير الدستور وتوسيع صلاحياته. ولكن الشارع لم يستجب دعوته. لذا، يقتص أردوغان من الاتراك ولا يشكل حكومة تجبه التحديات. ولكنه سيعطيهم فرصة التكفير عن ذنبهم والتوبة في انتخابات جديدة. فأردوغان يقول إن نظام الحكم تغير في تركيا، وأن أوان تغيير الدستور آن ليتماشى مع واقع الاحوال.
ويدعو الى القلق صمت حزب «العدالة والتنمية». فهو لم يعلق على ما يجري أو يعترض على دعوة أردوغان الى ما يخالف أبسط قواعد الديموقراطية، على رغم ان «العدالة والتنمية» بلغ السلطة رافعاً لواء إنهاء وصاية العسكر ورفض الانقلاب على الشرعية والخروج على رغبة الشارع والاحتكام الى صناديق الاقتراع.
وكانت جولات تشكيل حكومة ائتلافية مسرحية انتهت الى فشل متوقع. واليوم، لم يعد ثمة شك في أن الرئيس أردوغان كان يضغط على الحكومة ويحملها على رفض أي ائتلاف حكومي من أجل تفجير نقاش حول نظام الحكم، وتداول فكرة النظام الرئاسي من جديد. وأدرك الاتراك عجز رئيس الوزراء، احمد داود أوغلو، وهو كذلك رئيس «العدالة والتنمية»، عن البت في الأمور واتخاذ قرار يخالف تعليمات أردوغان وتوجيهاته. ففي أول لقاء جمع داود أوغلو بزعيم المعارضة كمال كيليجدار أوغلو في 13 تموز (يوليو) المنصرم، اقترح أوغلو تشكيل ائتلاف حكومي قوي يحكم أربع سنوات، وتتصدر أولوياته إرساء إصلاحات سياسية. ووافق داود أوغلو موافقة مبدئية على هذا الاقتراح، فاستمرت اللقاءات والمفاوضات بين الحزبين. وفي اللقاء الأخير، تراجع داود أوغلو عن مواقفه السابقة، وفاجأ مخاطبه بالدعوة الى حكومة ائتلافية عمرها 3 أشهر فحسب. وهو ما لا يمكن لأحد قبوله. فاقتراح حكومة موقتة يرمي الى قطع الطريق على المفاوضات وتشارك السلطة. واليوم، يكتشف الاتراك أن أحد أعضاء وفد الحكومة في المفاوضات الأخيرة كان يقصد القصر الرئاسي لإطلاع الرئيس أردوغان مباشرة على تفاصيل ما جرى في المفاوضات. وهذا أمر مؤسف. ويبدو ان اردوغان فرض ارادته على داود أوغلو الذي كان في بداية الأمر يستسيغ تشكيل حكومة ائتلافية حقيقية. لكن كل الأوساط التي كانت تقليدياً تدعم «العدالة والتنمية» تخلت عن داود أوغلو في امتحانه مع أردوغان. فعلى سبيل المثل، وقفت جمعيات المجتمع المدني، وعلى التحديد الجمعيات الاقتصادية التي درجت على دعم الحزب الحاكم وأيدت توجهه الى ترسيخ الديموقراطية، موقف المتفرج، ولم نسمع منها رداً على ما يحدث. ونتمنى ألا يكون صمت تلك الجمعيات، ويفترض بها ان تمثل نبض الشارع، مصدر أوامر أردوغان وتوجيهاته.
نقلا عن الحياة
* كاتب، عن «حــرييت» التركية، 17/8/2015، إعداد يوسف الشريف