المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
حافظ البرغوثي
حافظ البرغوثي

ملاحظات شرق أوروبية

الثلاثاء 01/سبتمبر/2015 - 10:41 ص

يستمتع المسافر في بلاد أوروبا الشرقية بعالم لم يكن معروفاً لديه وهو عالم كان محجوباً بالشيوعية وانبثق عنه نظام جديد بعضه التحق بروسيا، وأغلبه التحق بالغرب، ويمكن ملاحظة الفارق بين أوروبا الغربية وشقيقتها الشرقية من حيث الطبيعة والإنسان والتاريخ والتقدم حيث يسود العرق السلافي في الشرق، لكن الفوارق تتضاءل مع تقليد الشرقية للغربية أو افتراس الغرب للشرق الأوروبي حيث يهيمن الاقتصاد الغربي على ثروات الشرقية سواء كان اقتصاداً رسمياً أو خاصاً.

فبعد انهيار الأنظمة الشيوعية حدثت أكبر عملية نهب في التاريخ حيث بيعت الأراضي والعقارات والمصانع إلى الغربيين بأثمان بخسة فقد بلغ سعر الشقة في رومانيا أو تشيكيا ثلاثة آلاف دولار مثلاً، وبيعت الأراضي العقارية بسعر أكبر بقليل، وكانت هناك حمى البيع، فالفرد الذي استعاد أملاكه التي تم تأميمها إبان الحكم الشيوعي، يريد أن ينعم بالمال فصار يبيع من دون تفكير، واستحوذ المستثمرون الغربيون على أهم العقارات والأراضي والمصانع والشركات، وكان اليهود في الطليعة حيث سيطروا على أهم الثروات والإعلام في روسيا إلى أن جاء بوتين وخلص بلاده من الأخطبوط المالي الغربي اليهودي، فيما هيمن رأس المال اليهودي على الدول الأخرى مثل تشيكيا التي باتت توصف بأنها العاصمة «الإسرائيلية» في أوروبا، وفي رومانيا التي خرجت من حكم تشاوتشيسكو خالية من الديون وبيعت مصانعها منذ البدء، صاروا يبيعون العقارات التي ارتفعت أسعارها من الصفر إلى المليون بفعل المضاربات العقارية المزيفة، فلا يعقل أن يباع دونم أرض تم شراؤه بألفي دولار بمبلغ مليون يورو بعد سنوات قصيرة. وكانت البنوك الأوروبية الغربية تشجع الأوروبيين على الشراء في رومانيا وتقدم القروض بهدف سياسي هو أن يشعر الروماني الخارج من الشيوعية بنعيم الرأسمالية الغربية وينضم إليها بدلاً من البقاء في دائرة النفوذ الروسي، ولما انفض السامر وجد الرومانيون أنفسهم في اقتصاد استهلاكي غير منتج فقد ترنحت المصانع الثقيلة أو توقفت وخف الاهتمام بالزراعة حيث كانت رومانيا تصدر المنتوجات للغرب والشرق فصارت تستورده رغم طبيعتها الزراعية، وهناك تنافر بين رئيسها يوهانس كلاوس ورئيس وزرائه بونتا الاشتراكي فكل منهما ينتمي لحزب. فالأخير من دعاة الانفتاح على الشرق والعرب وتركيا بينما الأول يخضع لنفوذ المستشارة الألمانية ميركل.

وحالياً تراجع الاقتصاد الروماني بشكل كبير وصار العقار الذي وصل سعره إلى مليون يورو يباع بأقل من الربع، وهناك تفكير في الحكومة بالسماح للأجانب بشراء الأراضي الزراعية أيضاً لفتح دورة جديدة من الهجمة الاستهلاكية.

لكن رومانيا تخشى أن يعمد الهنغاريون إلى شراء الأراضي في منطقة حدودية تابعة لها تقطنها أغلبية هنغارية، وكان بونتا اليساري قد قام بجولة شرق أوسطية، وكان يأمل في أن تكسبه سياسته الانفتاحية على الشرق إنجازات اقتصادية، وعلق الرئيس كلاوس عليه بقوله «راح عند العرب» ولما عاد قال «وعاد بلا اتفاقات أو صفقات بينما الرئيس الفرنسي زار المنطقة وعاد بمليارات من الصفقات» فقيل له: ولكنك أنت من يعرقل سياسة بونتا الخارجية.

أما تشيكيا فهي تنعم باقتصاد أكثر نشاطاً ولديها صناعات متقدمة وسياحة رائجة خاصة أنها لم تدمر في الحرب العالمية الثانية فقد استدعى هتلر رئيسها وطلب منه التوقيع على وثيقة الاستسلام فسقط مغشياً عليه من هول الصدمة لكنه عندما تم إنعاشه وقع الاستسلام وحفظ بلاده القلب التاريخي السياحي لبراغ من الدمار.

وكان هتلر ينظر بأهمية إلى المعالم التاريخية في براغ حيث نصح الرئيس التشيكي بتجنيب عاصمته شر الدمار، ولهذا ظلت معالمها من دون أن تمس وباتت قبلة السياح وأهم مورد اقتصادي لتلك الدولة.

وقد لعب اليهود القادمون من بحر قزوين بعد انهيار مملكة الخزر اليهودية دوراً بارزاً في تاريخ براغ وهيمنوا دوماً على الحياة الاقتصادية والثقافية، ويقال إن الملك تشارلز الذي بنى كثيراً من معالم وقصور براغ بنى جسراً يصل شرق المدينة بغربها، ويؤدي إلى قلعته وقصوره والكاتدرائية الكبيرة الواقعة على تلال مطلة على المدينة التي تمتاز بأبراجها المئة، وبعد اكتمال الجسر أقام تمثالاً يمثل صلب المسيح فجاء من يقول له إن يهود المدينة كلما مروا أمام التمثال والصليب بصقوا عليه فاحتار الملك في حل المسألة، وفي النهاية أمر بكتابة عبارة عن المسيح بالأحرف الآرامية القديمة التي يستخدمها اليهود في كتابة العبرية فكفوا عن البصق.

فالتأثير اليهودي في دول أوروبا الشرقية تجدد بعد انهيار الشيوعية مع أنهم صانعوها ويبدو ذلك واضحاً في انتشارهم المالي والاقتصادي حالياً وسيطرتهم على بعض مناحي الحياة الإعلامية والمالية.

أما في تشيكيا فأثرهم ملموس في جميع النواحي حتى السياسية فالمواقف التي تتخذها تشيكيا أكثر تطرفاً من المواقف «الإسرائيلية» بسبب هيمنة اليهود على الحكم فيها، فبعد إحراق عائلة دوابشة الفلسطينية ظلت الخارجية التشيكية صامتة ولم تصدر أي بيان إلا بعد 12 يوماً رغم مراجعات السفير الفلسطيني لهم وإدانة الحكومة «الإسرائيلية» للجريمة، وفي النهاية أصدروا بياناً أشادوا فيه بالتحقيقات «الإسرائيلية» لمعرفة مرتكبي الجريمة، وحتى الآن لم تنضم كل من رومانيا وتشيكيا إلى منطقة اليورو، فالاتحاد الأوروبي مازال يرى الاقتصاد الروماني هشاً وسيضطر إلى تحمل أعباء مالية تجاهها، أما تشيكيا فالطبقة السياسية المتنفذة والمتحالفة والأثرياء الجدد تماطل في الانضمام إلى اليورو حتى لا تنكشف أرصدتهم المليارية، وهي في أغلبها اختلاسات وصفقات مشبوهة. نقلا عن جريدة الخليج

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟