الجمهوريون ومعارضتهم الاتفاق النووي الإيراني
لا ينفك الجمهوريون الأميركيون يهاجمون الاتفاق النووي الإيراني منذ الإعلان عنه في 14 تموز (يوليو) المنصرم، وهم وصفوه بالمهادنة والخيانة. ورد الرئيس أوباما عليهم بالقول إن معارضة الاتفاق تتحدر من الرؤية التي أدت إلى اجتياح العراق في 2003 والتي غلّبت كفة العمليات العسكرية على كفة الديبلوماسية. ولكن هذه الرؤية ضاربة الجذور ولا تعود الى (حرب) العراق فحسب. وعلى رغم أن المحافظين الجمهوريين لا يجمعون عليها، ثمة ميل الى لفظ الاتفاقات الديبلوماسية راسخ في اليمين السياسي الأميركي. وثمة عدد من الديموقراطيين -من هاري ترومان الى هنري «سكوب» جاكسون في الحرب الباردة- التزموا جوانب كثيرة من السياسة الخارجية المحافظة والمتشددة. فالمحافظون يقدمون المواجهة على المصالحة والتوافق أكثر من الليبراليين.
ومنذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي، شاعت أفكار مانوية تقسم السياسة الخارجية إلى نصر ناجز وكامل أو استسلام كبير في أوساط المحافظين، وعارض كثر منهم مبادرات سلام بارزة، ووصفوها بالمهادنة والاستسلام. وزعموا أن بعض الاتفاقات الديبلوماسية يقوض مكانة أميركا الدولية. ويعزو المحافظون النازع الى شجب الديبلوماسية وإدانتها إلى خطيئة ديبلوماسية ارتكبت بعد الحرب الثانية: مؤتمر يالطا. وأقر اللقاء بين فرانكلن روزفلت وونستون تشرتشل وجوزيف ستالين بالهيمنة السوفياتية على شرق أوروبا حيث بسط الجيش الأحمر نفوذه. ويرى المتشددون أن هذا المؤتمر باع «الأمم الأسيرة» في شرق أوروبا وتخلى عنها وآذن ببدء الحرب الباردة. وهو صنو مهادنة نيفيل تشامبرلين أدولف هتلر في ميونيخ 1938، ففي مؤتمر يالطا استسلم قادة الحلف الأنغلو- أميركي أمام السوفيات، وأقروا بمشروعية حكم ستالين ومشاريعه التوسعية.
وجايمس بُرنهام -وكان تروتسكياً انقلب الى محافظ متشدد وشارك في تأسيس مجلة «ناشونال ريفيو» في 1955- كان وراء ترسيخ عداء الديبلوماسية ركناً من أركان السياسة المحافظة الحديثة. ورأى أن مفاوضة الأعداء هي خضوع، والتعايش هزيمة، وأن سياسة الاحتواء لا يرتجى منها نصر في الحرب الباردة. لذا، لا يتوسل بالديبلوماسية مع الأعداء اللدودين. واستقبل المحافظون المتشددون دعوة الرئيس الأميركي، دوايت آيزنهاور، الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي، نيكيتا خروتشوف، إلى الولايات المتحدة في 1959، بالغضب والاستفظاع. وأنشأوا لجنة للاحتجاج على الزيارة ونظموا تجمعاً شاجباً.
وعارض محافظون أي تفاوض مع دول شيوعية. وحين أعلن ريتشارد نيكسون قرار زيارة الصين في 1971، وجّه اليمين الأميركي سهام النقد إليه، وعلّق 12 محافظاً بارزاً تأييدهم له، على رغم أنهم كانوا إلى وقت قريب يعتبرونه من محاربي الحرب الباردة وعدو الصين الحمراء. وانفض المحافظون عنه.
وحين سعى رونالد ريغان، وهو كان من الصقور، إلى اتفاق ضبط السلاح مع ميخائيل غورباتشوف، شعر المتشددون بالخيانة. وسوغ ريغان الاتفاق بالقول إن أميركا تجمع «الثقة إلى التحقق». ولكن المحافظين المتشددين رأوا أن السوفيات ليسوا أهلاً للثقة. ونشرت صحيفة وول ستريت في شتاء 1987-1988 عدداً من الافتتاحيات التي دانت صدوع ريغان بشروط السوفيات. ويرى المحافظون المتطرفون أن سياسات مثل قمة آيزنهاور وتقارب نيكسون مع الصين و «تساهل» ريغان مع السوفيات، واليوم اتفاق أوباما النووي، هي سلسلة معيبة وثيقة الصلة بإرث اتفاق يالطا.
وإثر هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، غلب التشدد على السياسة، وبرزت عقيدة جورج بوش الأحادية وسياسة الحروب أو الضربات الاستباقية وتغيير الأنظمة في عالم منقسم الى قطبي شر وخير. ولا شك في أن النظام الإيراني متطرف ويعادي الغرب ويدعم ميليشيات عنيفة في الشرق الأوسط. ولكن الديبلوماسية هي السبيل الأمثل الى حماية المصالح الأميركية على ما تثبت التجارب السابقة حين جبه أعداء على هذه الشاكلة. نمقلا عن الحياة
* باحثان في مركز «دراسات الولايات المتحدة» في جامعة سيدني، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 25/8/2015، إعداد منال النحاس