المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د.ناصر زيدان
د.ناصر زيدان

إخفاقات النظام الدولي

الخميس 10/سبتمبر/2015 - 01:13 م

يبدو العالم على شفير تغييرات جوهرية، قد تُطيح بأغلبية الإنجازات التي تحققت بُعَيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لاسيما منها الاتفاقيات الدولية التي وُلِدت من رحم المعاناة الإنسانية التي أنتجتها الأعمال القتالية.

التهديد يطال تهميش القوانين الدولية، والضوابط الإنسانية التي هدفت لتخفيف المعاناة البشرية. لا يعني ذلك أن هذه الضوابط كانت مُحترمة إلى أبعد الحدود، ولكن الحراك المدني، ونظام المحاسبة الديمقراطية الذي طُبِقَ في معظم الدول، أرسى مفاهيم مقبولة، لا يمكنها تجاهل إرادة المواطنين، وبالتالي تُلزِم القيادات الرسمية احترام كرامة الأفراد، والتقيّد بمعايير حقوق الإنسان.

الفوضى الدولية القائمة حالياً، تُهدِّد بتدمير بعض الإنجازات السابقة، وربما تنسفُ النسق السابق أمام أعيُن المُتفرجين من قادة الرأي، ومن المؤثرين في الساحة الدولية.

لقد بَذَلَ المجتمع الدولي - وإبان مدة الثنائية القطبية- جهوداً جبارة، وأنتج مجموعة كبيرة من المُعاهدات التي تعالج المُشتركات بين أمم الأرض، أو بين الدول القائمة. ومن أهم هذه المعاهدات: ميثاق الأمم المُتحدة للعام 1945 الذي حرَّم استخدام القوة إلا لرد العدوان، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948، واتفاقيات جنيف الأربع للعام 1949 التي عالجت موضوع انتهاكات حقوق الإنسان في زمن الحروب والنزاعات، وصولاً إلى اتفاقية العام 1961 للعلاقات الدبلوماسية، واتفاقية العام 1963 التي تُنظِّم العلاقات القنصلية، واتفاقية العام 1975 التي تحرِّم استخدام الأسلحة الفتاكة، لاسيما البيولوجية والكيميائية، إضافة لعشرات المعاهدات الأخرى التي ركَّزت على احترام الخصوصية الآدمية.

والأبرز في إنتاجية الماكينة التشريعية الدولية في مجال الحد من الانتهاكات الجرمية، كان صدور اتفاقية روما للعام 1998 التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في لاهاي، المُختصَّة بمحاكمة مجرمي الحروب المُتفلتين من المحاكم الوطنية. والمُهم في التشريعات الدولية أيضاً قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1368 للعام 2001 الذي أعطى مشروعية لاستخدام القوة ضد الأنشطة الإرهابية، والذي صدر في أعقاب الهجمات التي استهدفت منشآت حيوية أمريكية في 11 سبتمبر/أيلول 2001.

تبدو الإخفاقات الدولية في معالجة التفلّت من الانتظام الأممي واضحة للعيان، وهناك استهتار واضح من قبل الدول الكبرى، وبالتالي من قبل مجلس الأمن المُوكل إليه حفظ الأمن والسلام الدوليين. كأنما الإرهاب والأعمال الحربية المُشينة جرائم عندما تطال الدول الكبرى - أو عندما تُصيب مواطني وممتلكات هذه الدول - هي ليست كذلك عندما تطال جرائم الحرب، والأعمال الإرهابية، دولاً صغيرة، وشعوباً وممتلكات ومعالم أثرية في عالم الجنوب، أو العالم الثالث.

السكوت الدولي عن الانتهاكات الفظيعة التي يتعرَّض لها المدنيون في سوريا والعراق، وكذلك على ما يُصيب المعالم الثقافية والآثار في هذه البلدان وغيرها، على يد المنظمات الإرهابية المُتطرفة - مثل «داعش» وشبيهاتها - يطرح مجموعة كبيرة من التساؤلات. فهل هذا السكوت ناتجٌ عن سياسة تهدف إلى تشويه الحضارة الإسلامية والعربية، وتؤدي لاحقاً إلى تدمير وإذلال دول وشعوب لم تنصع للاصطفاف الدولي، أو أنها تُشكِّل خطراً على الطموحات الصهيونية؟ أم أن هذا السكوت مُتأتي عن قلة كفاءة المسؤولين في الدول الكبرى، الذين لم يفعلوا شيئاً لوقف الإساءة التي تتعرض لها البشرية جمعاء، جراء الويلات التي تُرتكب في بلاد الشام، أمام أعينهم.

سبق للنظام الدولي، وللدول الكبرى، إن استخدمت القوة لوقف الانتهاكات الصارخة التي حصلت في يوغسلافيا السابقة، وفي أفغانستان، واجتاحت جيوش بعض الدول العظمى أقاليم بكاملها، بحجة التدخُل الدولي الإنساني. فالقوات الروسية اجتاحت القوقاز بعد العملية الإرهابية التي حصلت في موسكو العام 1999. والقوات الفرنسية احتلَّت مالي ( التي تخضع لنفوذها) عام 2012، عندما هددت المجموعات المُتطرفة العاصمة باماكو. وكانت القوات الأمريكية اجتاحت العراق بكامله في العام 2003، في حربٍ - قالت - إنها وقائية لتخليص العالم من مخزون سلاح نووي وكيميائي (تبين أنه وهمي).

في كل يوم تنقُل وسائل الإعلام انتهاكات صارخة للقوانين الإنسانية الدولية. ولم يتحرَّك النظام الدولي لإيقافها، أو لمعاقبة المرتكبين. ولا تكفي بعض الضربات الجوية على بعض قواعد «داعش»، لرفع الظلم الذي يُصيب السوريين، الذين يعيشون مأساة إنسانية قلَّ ما شهد مثلها التاريخ. فالبراميل المُتفجرة تفتك بالمدنيين وبيوتهم، وتدمِّر القرى والمُدن، والممارسات الوحشية ل «داعش» تجاوزت كل الحدود، من قتل وحشي، وتدمير للمعالم التاريخية، وسبي للنساء، وإبادة لجماعات ذات خصوصية دينية أو عرقية... كل هذه الأعمال جرائم ضد الإنسانية، والسكوت عنها يُعبرُ عن إخفاقات في النظام الدولي قلَّ نظيرها. نقلا عن الخليج

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟