المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏بهجت قرني
د‏.‏بهجت قرني

التصورات الستة الشائعة عن المنطقة العربية

الثلاثاء 22/سبتمبر/2015 - 10:47 ص

الإحصائيات تقول إنه حتى الآن هرب نحو 11 مليونا من سوريا إلى تركيا ولبنان والبلاد العربية, ثم حاليا إلى أوروبا وأمريكا الشمالية. بالإضافة إلى نحو ربع مليون قتيل ومليون مصاب ومعاق، وهكذا ثمن بقاء الأسد على رأس سوريا ما يقارب من نصف الـ42 مليون سورى. كيف يؤثر هذا على صورة العربى فى الغرب؟

منذ أكثر من عشر سنوات طلب منى ملف الأهرام الاستراتيجى رصد صور النمطية الشائعة عن العربى أو المسلم فى أمريكا الشمالية والغرب عموما. وقمت بتلخيص هذا فيما يسمى الـ B الخمسة، لأن كل وصف من التصورات الخمسة هذه يبدأ فى الإنجليزية بحرف B وهى كالآتى:

1ـ البدوى Bedown ليس حقيقة فى بعض خصائصه كالشهم والكريم، ولكن أساسا غير المتحضر والذى تقوم حياته على الخطف والغزو القبلى.

2ـ الراقصة الشرقية BELLY- danser ، ليست كفنانة شعبية تعكس بعض ظواهر الفلكلور، ولكن المبتذلة والرخيصة التى تهدف إلى إثارة الغرائز عن طريق هز البطن.

3ـ تاجر البازار Bazaar man وهو ما نجده فى سوق خان الخليلى أو فى بازارات السجاد المنتشرة فى منطقة الهرم أو ما يماثلها فى المدن العربية، ولكن صورته لا تبرز بالضرورة محافظته على التراث والهوية، ولكن لتؤكد أن هذا التاجر شره، يساوم طوال الوقت للحصول على أكبر قدر من نقود الزبون هذه التصورات الثلاثة شائعة وثابتة تقريبا، ولكن أضيف إليها فى العقود الأخيرة تصوران اثنان.

4ـ البليونير Billionaire وانتشر هذا التصور بعد الحظر البترولى فى حرب أكتوبر سنة 1973 والارتفاع السريع لأسعار النفط وظهور الثروة البترولية فى وقت قصير للغاية. لكن الملامح التى يؤكدها هذا التصور عن العربى البترولى، ليس هو الذى يسهم فى بناء وتنمية بلده أو يقدم المعونات، بل أولا وأساسا محدث النعمة، المقامر المستهتر، والذى يحاول شراء كل شىء بأمواله، حتى النساء وكرامة الآخرين.

5ـ الإرهابى أو قاذف القنابل Bomber خاصة فيما يتعلق بالفلسطينيين ومقاومى الاحتلال، ولكن بطريقة سلبية للغاية لتأكيد الوحشية الكامنة وسيطرة السلوك البربرى القائم على ذبح الأطفال والنساء لتحقيق أهدافه دون ربط ذلك بأى ظروف تاريخية أو البيئة المحيطة للمستعمرين الإسرائيليين.

 

أعتقد أن الحرب الأهلية السورية التى هى الآن فى عامها الخامس ستؤدى إلى صورة إضافية عن العربى أو المسلم. فمثلا تتداول أجهزة الإعلام العالمية والتواصل الاجتماعى صورة جثة الطفل السورى إيلان عبدالله ذى العامين، التى لفظتها أمواج مياه البحر المتوسط إلى الشاطئ التركى والتى ستترك أثرا كبيرا على التصور الشعبى الغربى عن منطقتنا، لأننا نعرف أن الصورة أوضح من ألف مقال، خاصة صورة جثة هذا الطفل وهى تتشابه تقريبا مع الوضع الطبيعى لجنين حديث الولادة، راقد على معدته بينما مؤخرته مرفوعة بعض الشىء، وتأتى صورة الجثة هذه وسط هدير اللاجئين من نساء محجبات بأطفالهن، متعبات ومتهالكات بعد السير لأميال وأميال على قضبان السكك الحديدية تحوط بها الغابات وأحيانا تحت أمطار كثيفة دون طعام أو ماء ولا مكان يقضون فيه حاجتهم أو يسرقون بعض ساعات النوم فى أثناء الليل.

هذا الهدير الإنسانى الذى يهرب من الجحيم القتالى فى بلده ليموت فى قوارب متهالكة، وإذا تم إنقاذه يوضع فى جزر يونانية أو إيطالية منعزلة أو حول الأسوار الشائكة هو أكثر الصور سلبية حاليا عن نظم الحكم العربية، التى تجبر مواطنيها على الفرار هلعا، للموت غرقا، أو الهيام فى الفضاء العارى على أمل دخول مجتمعات لا يعرفون عنها شيئا، وقد يتصادمون مع ثقافتها وتقاليدها، تحت ضغط صور المعاناة تضطر هذه المجتمعات الغربية إلى إيوائهم الآن، ولكن قد تجعل حياتهم صعبة بعد ذلك لدوافع اقتصادية أو ثقافية وحتى تحاصرهم فى أماكن محددة لتمارس نوعا من سياسة العزل الثقافى والاجتماعى.

صور هذه الجماهير الهادرة ولكن الهلعة أيضا التى تحاول الإمساك بأى قشة للنجاة من الهلاك غرقا أو جوعا لن تترك الخيال العالمى، حتى بين أطفال هذه المجتمعات التى لا تعرف أين سوريا على خريطة منطقة الشرق الأوسط، ولكنها ستتذكر هذه الصور المتزاحمة للمعاناة الإنسانية فى أقصى درجاتها. فى هذه الحالة، لعل هناك صورة سادسة تعكس هذا الموقف لتضاف إلى الصور الخمس السابقة أو الـB الخمسة؟

الصورة السادسة التى تأتى إلى ذهنى وتبدأ أيضا بحرف B هى الـ «بدون» التى تستعمل فى الإنجليزية أيضا Bedoun وتأتى كلمة «بدون» هذه من الكويت لتصف مجموعة من السكان الذين لأسباب مختلفة يعيشون فى الكويت منذ أجيال ومع ذلك لم يحصلوا على الجنسية الكويتية، بعضهم من البدو الذى عاش فى البادية ولم يمارس المواطنة بأدواتها البيروقراطية من بطاقة سفر أو باسبور أو حتى أوراق رسمية من أى نوع. ولكن بعضهم أيضا من اللاجئين الفلسطينيين الذين لم تر السلطات الكويتية أى مبرر للموافقة على تجنسهم بالجنسية الكويتية، وذلك لأسباب اجتماعية وسياسية أيضا بعض هؤلاء الـ «بدون» يعيشون على أرض الكويت منذ عقود، بل لدوا فيها أيضا وتزاوجوا وتوالدوا، ولكن يبقون بدون جنسية أو حتى وضع سياسى مقبول.

هل سيتم إذن مع وصول الأزمة الإنسانية السورية إلى العالمية تعميم وضع الـ «بدون» فى أوروبا ودول الغرب لتصبح هذه الـ B السادسة فى التصور الشعبى العربى عن العربى أو المسلم.


نقلا عن الأهرام

 

 

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟