المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرزوق الحلبي
مرزوق الحلبي

موجة القمع العالمية للمجتمع المدني!!

الثلاثاء 22/سبتمبر/2015 - 11:02 ص
عادة ما تسوق الدول المهتمة بتقليص نشاط منظمات المجتمع المدني أو منعه بتاتاً، جملةً من الادعاءات منفصلة أو مجتمعة لتسويغ إجراءات سلطوية أو قانونية ضد هذه المنظمات، ومنها أن نشاط الجمعيات إنما يُضعف الوحدة الوطنية للبلاد، و/أو إن نشاط هذه المنظمات غنما يضرّ بالأمن الوطني، و/أو إن نشاط هذه المنظمات هو غطاء لتدخّل الغرب الأميركي أو الأوروبي في شؤون الدولة الداخلية.
والادعاء الأخير مردّه إلى كون حصّة الأسد من تمويل المنظمات غير الحكومية ـ مجتمع مدني ـ يأتي إما من دول أميركا الشمالية او من الاتحاد الأوروبي. وينتشر هذا الادعاء بوجه خاص في الدول الما بعد ـ شيوعية التي لا تزال مسكونة بعقدة الغزو الغربي الذي يستهدف جرّها إلى حظيرته. ومن هنا، اهتمام بعض الدول المناهضة لمنظمات المجتمع المدني في قطع سُبل تمويل هذه المنظمات من خلال تشريعات مناسبة.

ومن أشكال الموجة الأخيرة أن الهند أغلقت مكاتب منظمة غرينبيس فيها وهددت طاقمها الهندي لئلا ينشط في إطار المنظمة خارج البلاد. وفي الإطار نفسه سحبت الدولة الهندية تراخيص نحو 13 ألف منظمة مدنية لغرض الحيلولة دون تمويلها. أما روسيا فلجأت في السنوات الأخيرة إلى إجراءات فعلية ضد ناشطين وضد منظمات المجتمع المدني لجهة إغلاقها أو قطع سُبل التمويل إليها. وكذلك فعلت الصين وأوغندا وكمبوديا ومصر وكينيا وغيرها من دول تشكّل منظمات المجتمع المدني فيها رقابة شعبية على السياسات والقرارات وتوزيع الثروات وعلى غياب أفق ديموقراطي وحريات عامة.
يقيناً أن هذه الموجة غير مسبوقة ولما تنتهِ هنا أخذاً في الاعتبار دوافعها. وهي كامنة، كما نفهم، في التوتّر الشديد أحياناً بين المفهوم الكلاسيكي للسيادة في الدولة الحديثة، وتمدّد سيرورة عولمة حقوق الإنسان والوظيفة الراهنة للدولة في منظومة الرأسمال المُعوْلم. فمنظمات حقوق الإنسان أو الحقوق البيئية لا تكتفي في السنوات الأخيرة في استعمال القانون الدولي ومواثيقه. وهو مفصّل على مقاسات السيادة بمفهومها الكلاسيكي، بل بدأتْ باستخدام القانون الفوق وطني ومعالجة قضايا حقوقية في دول أخرى وطرح استحقاقات الديموقراطية والليبرالية والمعايير العالمية في الدول التي تعاني من قصور إداري او من تجاوزات وفساد يتجسّد في غياب سلطة القانون والمساواة أمامها.
وللتدليل على ذلك مثلاً، أن منظمات حقوقية في أوروبا استثمرت معاهدة روما بخصوص المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة جنرالات حرب ومسؤولين إسرائيليين أرادوا زيارة دول أوروبية وامتنعوا بسبب الملاحقة! كما إن منظمة أمنستي (العفو) الدولية تواظب على متابعة قضايا حقوق تتصل بسجناء الضمير عبر دول العالم كافة. وباتت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها السنوي هاجساً يقضّ مضجع دول كثيرة لما فيها من تجاوز لحقوق الإنسان ومن قمع.
بمعنى، أن هذه المنظمات لا سيما العالمية والحقوقية منها تحوّلت في كثير من الدول إلى «مصدر للمتاعب» بعد أن استطاعت الأنظمة في هذه الدول ترويض وتدجين مواقع المعارضة الداخلية أو قمعها. في روسيا مثلاً صارت مثل هذه المنظمات صوت النقد الوحيد تقريباً وشكل الرقابة الوحيد على عهد الرئيس بوتين وسياساته الاقتصادية والداخلية.
ولهذه المنظمات دور آخر بخاصة تلك البيئية أو التي تُعنى بحقوق أقليات أو عمال أو مناهضة العبودية الجديدة والاتجار بالبشر. وهي ظواهر تتصل مباشرة بالرأسمال العالمي ونشاطه في دول نامية أو دول تباركت بموارد طبيعية لا سيما المناجم على مخرجاتها أو تلك التي لا تزال تستند في اقتصادها على صناعات كلاسيكية، نسيج مثلاً، وعلى زراعة ومحاصيل تحتاج قوى عاملة جماعية ورخيصة. فمنظمة غرينبيس تناهض المكاره البيئية بخاصة في البحار والشواطئ وعمليات دفن النفايات السامة هنا وهناك والتجارة بالأسلحة الخطيرة الملوّثة. وهذا ما يضعها في مواجهة حكومات ودول ضالعة في نشاط كهذا. أما المنظمات العاملة في مناهضة التجارة بالبشر والعبودية الجديدة فتجد نفسها في خط المواجهة مع حكومات مستفيدة من ذلك.
وهكذا، فإن هذه المنظمات تجد نفسها الآن في المواجهة المباشرة بسبب دورها الفاعل في مناهضة انتهاك حقوق الإنسان على مدار العالم.
وهناك بُعد آخر لموجة قمع منظمات المجتمع الدولي وهو الوهن الذي اعترى السيادة الوطنية بسبب سيرورات العولمة وتحول الدولة من وظائفها الوطنية إلى أداء وظائف أخرى في خدمة الرأسمال العالمي وأهمها فتح الأسواق وتيسير انتقال البضائع وخطوط الإنتاج والسلع والموارد الطبيعية. فالحكومات تشعر بضعفها أمام كِبَر هذه السيرورة وهولها فتلجأ لتعويض نفسها من الأضعف. وهو إما المواطنون كأفراد ومجتمعات أو منظمات المجتمع المدني بخاصة أن تمويلها من الخارج. وهذا ما يسهّل على الحكومات الوطنية التحريض ضدها أو قمعها كما حصل في مصر عشية تنحية مبارك.
وفي إسرائيل، حيث بحثت الحالة، تعدّ الحكومة الحالية مجموعة من الضربات الموجعة بحق منظمات المجتمع المدني الحقوقية والنقدية. ففي البرلمان مقترحات قوانين ستكّل إذا ما تمّ تشريعها بصيغتها الحكومية ضربة موجعة للمجتمع المدني. فمنها ما يضرب حق التنظّم ومنها ما يضرب مصادر التمويل بفرض ضريبة عالية، بحسب ما هو مُقترح، على كل دولار أو يورو يصل الى خزينة هذه المنظمات من صناديق أميركية أو أوروبية. وفي السنوات الأخيرة شنت الحكومة وأوساط اليمين هجمات متكررة على منظمات حقوقية كان آخرها الهجوم الذي لا يزال جارياً على منظمة «يكسرون الصمت» ـ وهي مجموعة من جنود الاحتياط الذين ينشطون في توثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي وتحويل ما يوثقونه إلى أفلام ومواد تتداولها الميديا الحديثة.مهما يكن من أمر هذه المنظمات فإن الكبير والعالمي منها سيتجاوز هذه الموجة من القمع بسبب قوته وعالميته وارتباطاته بمحافل دولية ومؤسسات أممية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤسساتها الكبيرة. والخوف هو على تلك المنظمات المدنية الوطنية المحدودة التمويل. أما الموجة بحدّ ذاتها فنرجح أن تتواصل وتتعمق كلما تعاظم دور المجتمع المدني عالمياً ضمن سيرورات أوسع من بينها ضعف الدولة الإقليمية وتضعضع مفهوم السيادة.
نقلا عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟