ظهرت تقارير صحفية عديدة ترجح أن يهيمن خمسة من رجال الأعمال الكبار على عدد كبير من نواب البرلمان القادم، من خلال تقديمهم دعما ماديا ومعنويا لمئات المرشحين، والخمسة الكبار بحسب هذه التقارير هم نجيب ساويرس، وأحمد عز، وأكمل قرطام، والسيد البدوى، وأحمد أبو هشيمة.
بغض النظر عن صحة هذه التقارير الصحفية ومصادرها، إلا أننى أميل لتصديق بعض ما ورد فيها، ربما تختلف أسماء الخمسة الكبار ربما يزيد العدد الى سبعة أو يقل، لكن من المؤكد أن اسم ساويرس سيظل واحدا من قائمة كبار ممولى الانتخابات البرلمانية القادمة، لآن الرجل أعلن ذلك فى حوار تليفزيونى أخير، مؤكدا ان أى دعم سيكون فى إطار القانون، مما قد يعنى ان هناك ثغرة فى قانون الانتخاب والقواعد المنظمة للانتخابات تسمح بتزاوج رأس المال والسياسة .
ربما لم يعلن بقية رجال الأعمال مثل احمد عز عن مشروعه لدعم مرشحين للبرلمان، لكن ساويرس شخص واضح وصريح فى بعض الأحيان، وهناك من وجهة نظره أمور مبدئية لذلك لم يجامل الناصريين فى حواره، بل هاجم عبد الناصر ومشروعه التاريخى ولم ينس لعبد الناصر انحيازه للفقراء وتأكيده ان توفير فرصة العمل ولقمة العيش يجب ان يسبق تذكرة الانتخابات حتى لا يبيع الفقراء أصواتهم للأغنياء. لذلك فان نجيب لا يهتم بتوفير فرص عمل للمصريين وإنما يركز على شراء أصواتهم، ولتحاول معى عزيزى القارئ تذكر مصنعا واحدا كبيرا يملكه نجيب ساويرس فى مصر حاليا ويوظف فيه عدة آلاف من المصريين.. لقد باع معظم ما يملك لشركات أو أشخاص أجانب بالرغم من وطنيته الجارفة والتى يتحدث عنها ليل نهار .
من الواضح أن ساويرس وبعض رجال الأعمال يريدون استعادة دولة رأسمالية المحاسيب التى كانت أيام مبارك، ولا تصدق كلام ساويرس أو غيره عن اضطهاد مبارك وجمال لهم !! وتكفى الإشارة هنا إلى شبكة المحمول الأولى التى حصل عليها ساويرس بتراب الفلوس من الحكومة، بالرغم أنها كانت تعمل وتحقق أرباحا سنوية أخذها ساويرس وبنى إمبراطوريته .. ثم باعها .
المهم الآن أن هناك ثغرة فى قانون الانتخابات وقواعد وضوابط الانفاق على الحملات الانتخابية ومصادر التمويل، فاللجنة العليا للانتخابات حددت الدعاية الانتخابية بنصف مليون جنيه لكل مرشح فردى شرط أن تكون من أمواله (تحيز للأغنياء)، ويمكن تلقى تبرعات مالية أو مادية من الأشخاص والأحزاب بما لا يتجاوز 5 % من الحد الأقصى للدعاية، طبعا هناك إشكاليات وثغرات منها تقدير التكلفة المادية، لكن حتى لو التزمنا بقاعدة الـ5 % فإن القانون يسمح لساويرس وأصدقائه ، أو أى رجل أعمال بدعم مئات المرشحين، بعشرات وربما مئات الملايين طالما أن الدعم لن يتجاوز خمسين ألف جنيه لكل مرشح فردى على حده !! و5% لأى قائمة انتخابية، والمفارقة أن القانون لا يضع حدا أعلى لإجمالى ما يقدمه فرد او جهة لأكثر من قائمة او لعشرات او ربما مئات المرشحين، ربما لان المشرع لم يتخيل حدوث هذه الفوضى السياسية والانتخابية، والغياب الكبير للسياسة والالتزام الحزبى او الأيديولوجى .
هذا المشهد الفوضوى قد يسمح بالتحايل على الناخبين وعلى لجنة الانتخابات بطرق مختلفة، اقلها شراء الأصوات والتقليل من التكلفة الفعلية للدعم المادى الذى سيقدم للمرشحين من رجال الأعمال والأنصار، والمشكلة أن لدينا عددا من رجال الأعمال أسسوا أحزابا، وفى الوقت نفسه يمتلكون قنوات تليفزيونية وصحفا، وينفقون عليها بسخاء ، ولا توجد أدوات أو آليات فعالة للمتابعة والتدقيق فى مصادر التمويل وأوجه الإنفاق فى الأحزاب او الدعاية الانتخابية.
صحيح ان قرارات لجنة الانتخابات نصت على توقيع عقوبات خاصة بمخالفة قواعد الدعاية الانتخابية، لكنها ترتبط فقط بمرحلة الدعاية الانتخابية اى قبل الإعلان النهائى لنتائج الانتخابات واكتساب عضوية البرلمان، ولاشك ان التدقيق فى أوراق وحسابات الحملة الانتخابية لكل مرشح او قائمة يحتاج وقتا طويلا وحسابات معقدة، قد تستمر لما بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات وبدء اعمال البرلمان، وافترض عزيزى القارئ ان لجنة الانتخابات اكتشفت مخالفات فى مصادر تمويل ودعم احد المرشحين لمرشح بعد إعلان النتائج وفوزه بعضوية البرلمان ، هل يمكن ان إسقاط عضويته ؟ اعتقد بصعوبة طرده من البرلمان من الناحيتين السياسية والقانونية.
الخلاصة أن النظام الفردى وغياب السياسة عن الانتخابات البرلمانية وثغرات قانون الانتخاب وقواعد عمل اللجنة العليا للانتخابات .. كلها عوامل ترجح اننا بصدد مشهد انتخابى فوضوى بامتياز ، ستعلو فيه تأثيرات المال والعصبيات ودور الأسر الكبيرة ، وسيبرز نواب الخدمات ، وستقدم حفنة من كبار رجال الاعمال اشكالا مختلفة من الدعم المالى والدعم المادى المراوغ الذى يصعب تقدير تكلفته الحقيقية ، ومن المؤكد ان هذا الدعم والسخاء المالى ليس بالمجان ، فمن المتوقع ان يرد هؤلاء النواب الجميل لمن قدموا لهم الدعم ، ولا يمكن لاى نائب من هؤلاء التملص او الهرب من هؤلاء الكبار ، ليس خوفا لا سمح الله من العقاب ، فرجال الاعمال الكبار لا يعرفون العنف ، لكنها المصلحة الدائمة ، فالنائب سيخوض الانتخابات بعد اربع سنوات وسيحتاج الى من يموله ، وبالتالى لا داعى للدخول فى مشاكل مع الرجل الذى مول حملته ، خاصة ان الأخير قادر على تمويل حملة مرشح منافس ، او صناعة نائب جديد. نقلا عن الأهرام