المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
آن أبلبوم
آن أبلبوم

النفوذ البوتيني في سورية ... صُوَري

الأربعاء 30/سبتمبر/2015 - 10:11 ص

لدى تناول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالكتابة، من اليسير الانزلاق الى مبالغة جغرافية- سياسية ضعيفة الصلة بالواقع. وعلى رغم أن الحرب الباردة انتهت قبل ربع قرن، درجنا على اعتبار فلاديمير بوتين لاعباً دولياً، وممثل المصالح الروسية الأبدي، ووريث القيصر ولينين وستالين. وكأنه رجل يعيش في عالم كسينجري يتبارى فيه لاعبون دوليون ويتنافسون على السيطرة على إقليم ما. ويرى من ينساق الى هذه الرؤية أن توقيت «غزوة» بوتين في سورية في محله: عشية انعقاد مجلس الأمن. فيقال إن قرار إرسال مئات الجنود الروس، و28 مقاتلة جوية ومروحية ودبابات وسلاح مدفعية الى سورية هو سعي الى ندية في «اللعبة الكبرى» (نزاع بين قوتين كبيرتين على النفوذ، شأن نزاع روسيا وبريطانيا الكبرى على آسيا الوسطى في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين) الحديثة في الشرق الأوسط؛ وهو مد للنفوذ الروسي الى المتوسط؛ ودعم للحكومة الإيرانية؛ وإسقاط الولايات المتحدة من مكانتها في القيادة الإقليمية.

وهذا الكلام يغفل أن تدخل بوتين في سورية، شأن كل ما يقدم عليه، هو مسعى من مساعي بقائه في السلطة. ففي أول عشر سنوات كان فيها رئيساً، سوّغ بوتين مشروعيته بالقول: قد لا أكون ديموقراطياً، ولكنني ضمانة الاستقرار ونمو الاقتصاد وتسديد الرواتب التقاعدية من غير تأخير. وفي مرحلة هبوط أسعار النفط والعقوبات الاقتصادية، والفساد المستشري في القطاع العام، لا تقوم قائمة للأزمة البوتينية السابقة. ولا يخفى أن الروس صاروا أفقر هذا العام مما كانوا عليه في 2014، ويبدو أن سوء أحوالهم يتفاقم. واليوم، لازمة بوتين الجديدة هي: «قد لا أكون ديموقراطياً، والاقتصاد يتداعى، ولكن روسيا تستعيد مكانتها في العالم، والبديل عن الاستبداد ليس الديموقراطية بل الفوضى».

وبوتين لا يملك ما يكفي من القوة العسكرية لبسط نفوذ فعلي في الشرق الأوسط. ولن يسعه نشر قواته خلسة على نحو ما فعل في أوكرانيا. ولا ترتجى فائدة مادية أو استراتيجية من حلفه مع الديكتاتور السوري المحاصر والغارق في الحرب، بشار الأسد. ولكن بوتين يرتجي من الحلف هذا أن يظهر في صورة صاحب النفوذ. وهذا كل ما يرغب فيه الرئيس الروسي. وهو يعتد بالنفوذ الصوري ومشاركته في الامم المتحدة للمرة الاولى منذ عقد ومقابلته مع شارلي روز. ويرجو أن تحمل (هذه الحوادث) أوروبا وأميركا على إغفال الكارثة الإنسانية التي تسبب فيها في شرق أوكرانيا، وأن تساهم في رفع العقوبات التي تشد الاقتصاد الروسي إلى الأسفل وتجفف مصادر أموال المقربين منه.

ولكن، والحق يقال، فائدة النفوذ الصوري أكبر في الداخل الروسي. وقد يحسب القارئ على نحو ما أحسب أن ثورة الشارع الروسي مستبعدة. ولكن بوتين راقب ما حصل في شرق ألمانيا في 1989 من مكتبه في مركز الـ «كي جي بي» في دريسدن، ولاحظ مصير معمر القذافي في 2011. وهو يسعى إلى تجنب هذا المصير. لذا، شاغل التلفزيون الروسي -والحكومة تسيطر عليه- هو إخراج صورة أوروبا على أنها متهالكة ودورها ثانوي، وصورة أميركا ينخرها الفساد. وهذه الصور ترمي إلى تثبيط عزيمة أي روسي قد يتوق الى الديموقراطية. ووصول جنود روس الى سورية، وبعضهم انتقل مباشرة من الحدود الأوكرانية، يعزز رسالة الرئيس الروسي: بوتين مستعد لدعم ديكتاتور في استعادة ديكتاتوريته، وسجن أعدائه والسيطرة عليهم في سورية. والرسالة هذه تسري كذلك في روسيا. وفي مقابلته مع شارلي روز، دعا بوتين إلى أن يتفاوض الأسد مع «المعارضة المعتدلة»، وقال إن «الكلمة تعود إلى الشعب السوري». ولكن الرئيس السوري سبق أن صفى شطراً راجحاً من هذه المعارضة بواسطة أسلحة روسية. والسوريون لم يسألوا رأيهم في بيع السلاح للأسد ولا في تمويل «الدولة الإسلامية»، ولا في من يؤجج النزاع في بلدهم. ولا وزن للسورييــن أو الروس في حسابات بوتين. واجتياحه أوكـرانيا حمل تداعيات سلبية على أبناء شعبه وبلده- وقوض اقتصاده وشوه صورة روسيا ونفوذها، ووقع وقع الكارثة على أوكرانيا. ويتوقع مثل هذا المآل للتدخل البوتيني في سورية. نقلا عن الحياة

* صحافية حائزة جائزة بوليتزر، مؤرخة، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 27/9/2015، إعداد منال النحاس

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟