المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
 أمينة شفيق
أمينة شفيق

الدستور بين الإرادة الفردية للرئيس والاحتياج المجتمعى

الأحد 04/أكتوبر/2015 - 11:04 ص

أثارت عبارة «الدستور وضع بحسن نية»، وهي العبارة التي ذكرها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي تعليقا علي الدستور المصري الجديد، شهية الكثيرين بالإسراع بالتأييد لتعديل الدستور الذي كان ولا يزال أول استحقاقات مرحلة الخريطة السياسية التي توافقنا عليها بعد ثورة 30 يونيو 2013. فأسرعت بعض الأقلام والأصوات تلهث وراء العبارة مؤيدة للتعديل الذي لم يطرح في الاساس. فأعادت إلينا ذات الذكريات القديمة عندما أدخل السادات تعديلين هامين علي الدستور الدائم الذي أصدره في بداية توليه السلطة عام 1971 ، عندما لجا إلي الاستفتاء العام لإدخال الشريعة الإسلامية كمرجع أساسي للتشريع المصري في حين أنه كان يسعي لتمرير التعديل الثاني الهام الذي كان مقصده الأساسي وهو الامتداد بعدد فترات رئاسته إلي مالا نهاية، خبأ التعديل الثاني الخاص بفتح مدد توليه الرئاسة الذي هو الهدف تحت عباءة التعديل الأول، الخاص بالشريعة حتي لا يجرؤ المعارضون علي المعارضة فيكونوا معارضين للدين وليس للتعديل الدستوري فيشنع عليهم علي أنهم مع الكفر والإلحاد.

كما أعادت هذه الأقلام والأصوات المهللة للعبارة التي وردت في سياق خطاب السيد الرئيس ذكريات تعديل مادتي الدستور 76 و77 اللتين أدخلهما مبارك لتحويل نظام الإستفتاء للرئاسة إلي نظام الإنتخاب واضعا شروطا لا يمكن تحقيقها إلا لمرشحي الدائرة الضيقة للسلطة وللرئاسة، وقد اتهم كل من عارض التعديلات بالوقوف ضد إستقرار البلاد وبتشجيع الفوضي والهرجلة السياسية وتعريض البلاد للمجهول.

وفي حقيقة الأمر لا يمكن لأي دستور جديد أو قديم أن يرضي كل الطبقات والجماعات والشرائح والتيارات الاجتماعية والسياسية في البلاد. لكل منها وكذلك لكل منا كأفراد ملاحظاتنا علي تلك المادة أو غيرها. ولكن هذا حال الدساتير لأنها تكون عادة ناتجا لتوافق عام وليس لموافقة كاملة عامة تحصل علي توقيع كل المواطنين والمواطنات. تجد كل جماعة أو طبقة أو شريحة إجتماعية نصيبا، من حقوقها وتطلعاتها في الدستور، ولكنها لا تستطيع أن تحصل من أي دستور علي كل ما تريد إلا في تلك التوافقات والأساسيات التي باتت نصوصا وإتجاهات إنسانية عالمية إتفق عليها كل العالم ومنها وفي مقدمتها حقوق الإنسان وقواعد الديمقراطية والمساواة بين الناس وعدم التفرقة علي أساس الإختلاف الديني أو العرقي أو النوع الاجتماعي وحقوق الطفل ونبذ العنف وحرية العقيدة وحق ممارسة شعائرها والاعتراف بالحقوق الاجتماعية والسياسية الأساسية للإنسان.

فيما عدا هذه المباديء الإنسانية العالمية المستمدة من الخبرات التاريخية الانسانية تضع المجتمعات دساتيرها التي تتناول نظم الحكم الأساسية ومؤسساتها وصلاحيات كل مؤسسة علي حدة، ثم علاقة هذه المؤسسات بعضها البعض وعلي رأسها صلاحيات رئيس الدولة كموظف عام وكرئيس للجهاز التنفيذي، ثم علاقاته بهذه المؤسسات وحدود هذه العلاقة ومسارها بمعني معروف لنا جميعا تحدد الدساتير ليس فقط حقوق البشر وواجباتهم بل وتحدد كذلك قواعد الفصل بين المؤسسات والسلطات وحدود هذا الفصل.

ولا يمنع ذلك من أن يتم إدخال التعديلات علي كل الدساتير ولكن الاختلاف يكون دائما في عملية وأسلوب التعديل. فمن الذي يملك حق إدخال التعديلات؟. هل يكون التعديل بناء علي رغبة من رئيس الدولة منفردا أو المجلس النيابي للدولة أم من المحكمة الدستورية علي سبيل المثال؟. ثم متي يمكن إدخال التعديلات علي الدستور؟ هل يتم التعديل قبل إستكمال البناء المؤسسي لأي مجتمع أم أن يجري تعديل في أي وقت دون أي إستناد علي وجود هذه المؤسسات وفي مقدمتها البرلمان. ثم كيف يتم التعديل؟ هل يتم بعد سماع عبارة تأتي عرضا وفي سياق خطاب جمهوري أم بناء علي دراسة تثبت وجود ضرورة مجتمعية لإدخال هذه التعديلات وأهمية التعديل للسياق الوطني العام ولمسيرته وتقدمه وتطوره؟. ثم يأتي السؤال الأهم من كل هذه الأسئلة وهو لماذا يتم التعديل وعلي أساس من الاحتياج المجتمعي؟

هذه أسئلة لابد من الإجابة عليها حتي نضع تقاليد سياسية في بلادنا ونحن مازلنا نسير علي طريق بناء دولة حديثة ديمقراطية تؤسس علي القانون والمؤسسات والمواطنة. وهي التقاليد التي تتوافق عليها أطراف المجتمع كما أنها التقاليد التي تتثبت في كل الدول التي تحترم دساتيرها ونتائج إستفتاءاتها التي يشارك فيها الشعب، أي في البلدان والنظم السياسية التي تحترم إرادة شعوبها.

ومع ذلك لابد من إقرار أن كل دساتير دول العالم تخضع وخضعت للتعديل بالإضافة أو بالحذف، وأبسط نماذج التعديلات تلك التي أدخلت علي كل الدساتير في كل الدول التي اقرت حقوق النساء السياسية بدءا من الدستورالفنلندي عام 1909 مرورا بالدستور الأمريكي والآخر البريطاني «الماجناكرتا» خلال عامي 1912 و1920 ثم الدستور الفرنسي عام 1945. تخضع كل الدساتير للتطوير من خلال التعديل ولكن بناء علي قواعد وأساليب ثابتة ومعلنة ومعروفة تضمن الديمقراطية كأسلوب عمل متواصل.

ولنأخذ علي سبيل المثال الدستور الأحدث في عالمنا الحاضر وهو دستور دولة جنوب إفريقيا الذي حل محل الدستور القديم الذي كانت تحكم به البلاد من قبل الأقلية البيضاء التي كانت تمارس من خلاله نظام التفرقة العنصرية التي استمرت تحجب مشاركة الاغلبية السوداء والملونين عامة في الحكم والمشاركة السياسة وفي إدارة شئون البلاد.

أجريت أول إنتخابات برلمانية ديمقراطية في دولة جنوب إفريقيا عام 1994، وفي نفس العام تشكلت لجنة عامة سميت المجلس الدستوري لوضع مشروع الدستور الجديد. بعد عمل سياسي جماهيري نظمت فيه المناقشات العامة الواسعة والمداولات المتواصلة بين كل القوي الاجتماعية والأحزاب السياسية وطافت فيه لجان الإستماع لعامين كاملين كل الأقاليم وضع المجلس مشروع الدستور واستعدت البلاد للاستفتاء عليه لإقراره كالوثيقة التشريعية الأساسية وليبدأ في التطبيق عام 1996.

الهام في موضوع وضع الدستور في دولة جنوب إفريقيا أنه جاء لتعبر نصوصه وروحه عن مرحلة تحول سياسية من نظام التفرقة العنصرية إلي النظام الديمقراطي المبني علي قيمة المواطنة وحكم المؤسسات والمساواة الكاملة بين البشر بغض النظر عن إنتمائهم الديني أو العرقي أو النوع الاجتماعي كما يضع أسس ممارسة وإحترام الحريات العامة والخاصة. ونعرف جميعا أن مرحلة التحول هذه كانت تضع النهاية للصراع الدموي الذي شهدته البلاد فترة الفصل العنصري.

منذ عام 1996 إلي يومنا هذا أدخلت تسعة تعديلات علي دستور دولة جنوب إفريقيا، كان آخرها تعديل 17 فبراير عام 2013. ولكن الهام كان أول هذه التعديلات الذي أجري علي الدستور المقر عام 1996 وهو الخاص بإدخل لجان المصالحة كلجان قانونية تعمل علي تهدئة حالات الثأر التي تولدت إبان حكم الأقلية البيضاء. وجري هذا التعديل الأول في 28 أعسطس عام 1997 أي بعد عام واحد من إقرار الدستور شعبيا والبدء في تطبيقه لأن المجتمع كان في إحتياج إلي تنظيم مجتمعي يقود مناقشات وحوارات المصالحة بين الأطراف المختلفة في البلاد. وربما نتذكر أن الذي قاد حركة إدارة هذه الحوارات كان القس ديزموند توتو.

وفي حالة أخري مثل تركيا فنحن نعرف أن الرئيس أردوغان كان يسعي لتعديل الدستور التركي ليزيد من صلاحيات منصب الرئيس الذي هو ذاته، فكانت النتيجة أن فقد حزبه نسبة عالية من مؤيديه في الانتخابات الماضية مما أجبره علي إجراء إنتخابات قادمة لحل الأزمة السياسية. علي المهللين أن يتريثوا. نقلا عن الأهرام

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟