المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. نصر محمد عارف
د. نصر محمد عارف

المضاربات السياسية فى البورصة السورية

الإثنين 05/أكتوبر/2015 - 12:50 م

للتاريخ سنن وللمجتمع قوانين، تسرى علينا سواء أدركناها أم لم ندركها، ومن هذه السنن أن مصر مثلا مشهورة بجيشها، خير أجناد الأرض؛ رضيَّ من رضى، وأنكر من أنكر؛ فكان مفتاح نجاح ثورتها بيد الجيش فى الحالتين: يناير ويونيو، وتونس كذلك، أما اليمن وليبيا فالقبيلة والجهة والمنطقة هى العنصر الحاسم فى المجتمع والثقافة والوعى السياسى، فكان ما كان من تشرذم قبلى وجهوى وعقائدى. اما سوريا فتزدهر فيها التجارة والفكر القومى فأعادتنا ثورتها إلى العقلية الجاهلية التى تتميز بغلبة المصالح والتفكير الغرائزى الذى تغلب عليه شهوات الانتقام والتشفى ونفى الآخر، فعدنا كما كنا عبس وذبيان، وداحس والغبراء، وعدنا إلى الشعار الجاهلى «لا نجوتُ إن نجي»، وصار ملايين المشردين، ومئات آلاف الشهداء لا يساوون شيئا فى نظر المنتفعين من أصحاب التفكير الغرائزى أمام الانتقام من شخص بشار، كل ذلك ليس مهما، وينبغى التضحية بوحدة سوريا، واستقلالها، وبمثل ما خسر الشعب السورى من الأرواح حتى يتشفى الغرائزيون من"المزفلطين" أصحاب البدلات الأنيقة والشعر الذى يتلألأ فيه الزيت مثل الممثلين ومرتادى صالات القمار، أولئك الانتهازيون الذين يعيشون لسنوات فى فنادق الخمس نجوم فى تركيا وقطر وأوربا على حساب من يمولهم لهدم بلدهم، ولتحقيق مصالح دول طامعة أو معادية،أو لديها ثأر مع وطنهم. فتحت البورصة السياسية فى سوريا على يد النظام الذى ظن أن التاريخ يعيد نفسه عندما واجه المظاهرات السلمية بالقوة المسلحة وعصابات الشبيحة، وهنا وجد المتربصون بغيتهم، فجاء أصحاب المصالح من كل اتجاه، وساعدهم فى ذلك مئات من الناشطين السوريين المقيمين خارج سوريا من الانتهازيين المستعدين لفعل أى شيء لتحقيق طموحاتهم الشخصية،فسُرِقت الثورة السورية أولا على يد السوريين المقيمين خارج سوريا؛ الذى قدموا أوراق اعتمادهم لمن يعولهم ويمولهم ليكونوا ممثلين له عند صياغة مستقبل سوريا، وليضمنوا له نصيبا وموضع كرسى فى السلطة القادمة، وللأسف جاء معظم هؤلاء من دول لها ثأر ومصالح وأطماع فى سوريا. ودخلت سوريا على نفس مسار العراق، وكأن الفكر البعثى بكل انغلاقه وشراسته، وعدائه للدين والديمقراطية وحرية الإنسان؛ لا ينتج إلا بشراً يفرون من الاستبعاد الوطنى إلى العمالة للأجنبي، يسعون لتحرير المواطن من خلال استعمار الوطن، يحلمون بالديمقراطية الغربية تحت وصاية الدول الغربية ذاتها، يقايضون الاستبداد بالاستعباد، بشر رأيناهم فى العراق، ونراهم فى سوريا؛ أفضل وصف موضوعى لهم هو «الأحرار الخونة» الذين يريدون تحقيق الحرية للشعب من خلال تسليم الوطن للأعداء.

وبنفس استراتيجية عالم النفس الروسى بافلوف صاحب الكلب، تعامل الطامعون مع المعارضة العراقية والمعارضة السورية، من خلال اختصار كل الوطن فى شخص الحاكم ، ومن ثم توجيه كل الغضب لشخصه، ثم تضخيم هذا الغضب وتعظيم الهدف حتى يقتنع الإنسان أن كل شىء يهون فى مقابل رأس صدام أو رأس بشار حتى لو ضاع الوطن، وضاع الشعب، وتم تدمير المدن، وأصبح نصف الشعب من المهجرين الهائمين على وجوههم فى بقاع الأرض كل ذلك يهون فى نظر أصحاب بافلوف فى مقابل التخلص من صدام، والان التخلص من بشار .غرائزيون نحن وجاهليون رغم البدلات الأنيقة وزيوت الشعر المتلألئة. اختصر البيان الصادر اليوم 2 أكتوبر 2015 الذى يطالب روسيا بوقف ضرباتها المشهد كاملاً؛ فهو يوضح من هم المضاربون فى البورصة السورية، البيان وقعته سبع دول هى تركيا وقطر والسعودية وفرنسا وبريطانيا وأمريكا وألمانيا، وهو موجه لروسيا ومعها إيران، اذن نحن أمام مشهد من تسعة لاعبين أو مضاربين فى بورصة السياسة السورية.

هذه الدول التسع تمارس السياسة وليس العمل الخيرى أو العمل الإنساني، تسعى لتحقيق مصالحها وليس مصالح سوريا، فهل درسنا ما هى مصالح كل دولة؟ وهل فهم أعضاء المعارضة السورية الذين لا يمثلون أى قوة حقيقية من القوى المسلحة الفاعلة على الأرض ورغم ذلك هم بالمئات هل فهموا أين تلتقى وأين تختلف مصالح بلدهم مع هذه القوى الإقليمية والدولية؟ أم أنهم اكتفوا بالضيافة والعطايا والمرتبات وصور الفضائيات وتأمين مستقبل لهم ولأولادهم. بالمناسبة أين أسر وأولاد قادة المعارضة السورية الذين يرفضون أى حل لا يتضمن خروج بشار من السلطة؛ وهم يعرفون أن ذلك ليس حلا، وإنما هزيمة لم يلحقوها ببشار، وإنتصار لم يقدمه بشار لهم؟ أين أولادهم. أهم فى مخيمات اللاجئين أم فى فنادق الخمس نجوم؟. لقد كان منظراً مقززا زيارة وفد المعارضة لمخيمات اللاجئين فى تركيا وهم يرتدون أرقى البدلات وأخر الصيحات وكأنهم نزلوا من السماء الأن .. وهم متأففون من منظر من يتحدثون باسمهم ويأكلون من دمهم ودموعهم. هؤلاء المضاربون التسعة فى بورصة السياسة السورية لهم مصالح وطنية لدولهم على حساب مصلحة سوريا ووجودها، فهناك من يريد إعادة بناء الإمبراطورية الفارسية تحت عباءة سيدنا الحسين عليه وعلى أبيه وأمه وأخيه وأخته وسائر ذريته السلام والرضوان من الله، وغضب الله على كل من أنكر مودته، وهناك من يريد توسيع نفوذ وتأمين حدوده، ونقل مشكلة الأكراد إلى خارج الحدود، ولا بأس من اقتضام قطعة أخرى يضمها إلى إقليم الإسكندرونة، وهناك المستعمر القديم الذى يريد أن يعود بنفوذ سياسى واقتصادي، ولا بأس من ترتيب أوضاع سياسية تؤمن له ولأصدقائه فى لبنان مستقبلا مختلفا،أوعلى الأقل تأمين الأوضاع التى قام بترتيبها عند خروجه، وهناك من يريد ترتيب خريطة الشرق الأوسط الجديد ويعيد تصميمها، ويؤمن مصالحه ومصالح أصدقائه، وهو يتحرك دائما مع الأم العجوز التى لا تحب أن تغيب عن نشاطات ابنها الشاب المتهور. وهناك من يريد الثأر للعبث السورى فى لبنان الذى أزعجه كثيرا، ويريد ثأرا مباشرا للحليف الإستراتيجى صاحب أشهر عملية اغتيال سياسى فى التاريخ، وهناك الطفل المراهق الذى يريد أن يكون له دور فى أى حريقة، أو خناقة حتى يقول أنا هنا، أستطيع أن أخلع حكاما وأضع آخرين، وأن كان يقال ان له مصلحة تتعلق بمد خط الغاز إلى أوروبا عبر تركيا وهذا ما استفز روسيا. وهم جميعا يريدون التخلص من قوى الشر التى صنعوها ومولوها وسهلوا انتقالها إلى سوريا لتحويل سوريا إلى بؤرة تجميع للشر المتسربل بلباس الدين، وتنظيف مجتمعاتهم منه ونقل هذه الزبالة إلى المقلب السورى ثم حرقها هناك. وللأسف ألقى المقامر الروسى ورقة أربكت الجميع، ووضعتهم فى موقف لم يتم الإعداد له أو توقعه؛ بما يهدد البورصة بالإغلاق ونعود لنقطة الصفر، وهو خير من التقدم إلى ما تحت الصفر بملايين النقاط مثل حالة العراق. وتلك هى لعنة البعث العربى الذى تحول إلى موت وليس بعثاً لكل ما هو عربي. وهنا ليس أمام الجميع إلا الرجوع إلى الموقف المصرى الذى أعلن منذ البداية أنه يناصر الثورة السورية فى مطالبها السياسية السلمية، ولكنه لا يتدخل فى إحداث تغيير نيابة عن الشعب السوري، وأن مصر حريصة على وحدة سوريا الأرض والشعب، والحفاظ على مؤسسات الدولة، والحفاظ على تماسك الجيش العربى السورى وعدم تفكيكه كما حدث فى العراق .وبعد ذلك لا يهم مصر بقاء بشار أو رحيله، ولا يهمها من يحكم سوريا لان ذلك قرار سورى، لابد أن يتخذه الشعب السورى دون وصاية من أحد. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟