المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
آرنو لوبامانتييه
آرنو لوبامانتييه

العولمة وكرّ سبحة الانفصاليين الأوروبيين

الأربعاء 07/أكتوبر/2015 - 10:43 ص

سارت الأمور على ما لم تشته قشتالة في مطلع القرن السابع عشر: نضوب الفضة والذهب في البيرو، وحرب الثلاثين عاماً كبدت آل هابسبورغ كثيراً من الخسائر. ووجدت قشتالة نفسها من غير معين مالي لتمويل حملتها العسكرية. فطلبت من البرتغال وكاتالونيا تسديد ما يترتب عليهما من ضرائب.

فانتفضت الأمتان عليها في 1640، ودعمتهما فرنسا. فخرجت إسبانيا من التاريخ طوال أكثر من 3 عقود. لذا، يبدو، اليوم، الاستفتاء على الاستقلال في كاتالونيا مألوفاً، وكأن التاريخ يعيد نفسه. وما يجري قد يؤدي الى إطاحة اسبانيا من جديد.

وقبل أعوام، سعت اسبانيا، في عهد خوسيه ماريا أزنار، الى مقارعة فرنسا وألمانيا. فعدد الناطقين بالإسبانية يبلغ 400 مليون نسمة. وبدا ان اسبانيا تستعيد مكانتها: فهي الجسر بين أوروبا وأميركا. وأيد رئيس وزرائها جورج دبليو بوش. ولكن بروز اسبانيا خبا على وقع الهجمات الجهادية على مدريد في آذار (مارس) 2004، والأزمة المالية - العقارية الرهيبة وفضائح الفساد.

وبدأت إسبانيا تتعافى إثر التزام علاج التقشف، ووسعها توفير نصف مليون فرصة عمل في عام واحد. ومع اقتراب الانتخابات التشريعية في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، حسِب المراقبون ان خطر اليسار المتطرف وحركة «بوديموس» انحسر نتيجة مقاومة الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني الذي يسعى الى تفادي ان يلقى مصير نظيره اليوناني، حزب «باسوك». ولكن اليوم اندلعت أزمة جديدة. ووحدة اسبانيا هي على المحك.

وإسبانيا كانت في غنى عن هذا الامتحان. واليوم، يدور النقاش السياسي على النزاع الكاتالوني - المدريدي. وشأن المسألة الإسكوتلندية (الاستفتاء على الاستقلال عن بريطانيا)، يتوقع ان تنوء المسألة الكاتالونية الانفصالية بثقلها على الحياة السياسية الإسبانية في السنوات المقبلة. فتفويض الناخبين الكاتالونيين ملتبس. فهم يرغبون في رفع القيود المركزية وتوسيع هامش الاستقلال، ولكنهم لا يرغبون في استقلال كامل عن مدريد. وبلغت نسبة مؤيدي انفصال كامل عن مدريد، 47.8 في المئة. لذا، تبرز الحاجة الى النأي عن المواقف المتطرفة، سواء في مدريد أو في برشلونة. ولكن المؤشرات لا تحمل على الاطمئنان.

فالقضاء يلاحق رئيس كاتالونيا، أرتور ماس، بتهمة «العصيان المدني» نتيجة تنظيمه استفتاء استشاري على استقلال منطقته، وهو ما حظّرته المحكمة العليا.

والأزمة الإيبيرية تسلط الضوء على عجز الأوروبيين عن العيش معاً. وحسِب كثر، إثر انهيار جدار برلين وطي مرحلة الإيديولوجيات، أن الأوروبيين سيعيشون عولمة سعيدة، فيجتمعون تحت لواء التنوع والاختلاف. ولكن العولمة في أوروبا لم تختم التاريخ، بل ساهمت في تعزيز الميول الى التقوقع على المنطقة والعشيرة والقبيلة، وتقسيم حيّز الدولة الى كيانات بالغة الصغر ومتجانسة. فـ «العلومة التقنية - الاقتصادية هي تربة غنية لبلقنة سياسية - ثقافية.

وعدد دول الأمم المتحدة ارتفع الى 193 دولة، على رغم انه لم يتجاوز 50 دولة في 1946»، لاحظ ريجيس دوبريه في مجلة «لوبوان». وهذه الملاحظة تصح في افريقيا - جنوب السودان هو آخر دولة عقيمة أبصرت النور في 2011 -، وفي البلقان - كوسوفو، وهو مخلوق أوروبي - «أطلسي» لا يسع أحد زعم أنه كيان قادر على الحياة - والاتحاد الأوروبي المؤتلف من 28 دولة والميول الاستقلالية الكاتالونية والإسكــوتلندية والفــلمندية والإيطالية الشمالية.

وكان يفترض ان تجتمع أوروبا في فيديرالية دول قوية وحديثة وأن ترسي نموذج انتماء يسمو على المؤسسات الوطنية. ولكنها اليوم أقرب الى فسيفساء هويات وأمم. وكأنها تعود الى الماضي عوض أن تتجه الى المستقبل: المدن الإيطالية التي لم تتّحد تبددت، والإمبراطورية الرومانية المقدسة - وكانت مترامية الأطراف ومتوزعة على مئات الإمارات - الولايات الصغيرة (على رأس كل منها أمير من غير حكم مركزي) - ألغيت في 1806؛ والإمبراطورية النمساوية - الهنغارية ذات الرأسين ومقاطعاتها العشرون من غير اطار تمثيلي إلزامي، كانت بؤرة انطلاق الحرب العالمية الأولى.

ولا شك في ان أوروبا يصهرها القانون وليس السلاح. لذا، لن تضم لوكسومبرغ بواسطة السرقة الضريبية، ولن تقسّم بلجيكا على ما قسمت بولندا، ولن تلحق ليتوانيا ببولندا. ولكن تناثر اوروبا الى كيانات مجهرية يعزّز سلطة الدول - الأمم الصامدة: ففرنسا وألمانيا، وهذه فيديرالية شكلية حين تدافع عن مصالحها في اوروبا.

وثمة اختلال في التوازن في أوروبا: وزن ألمانيا راجح في وجه 17 دولة اوروبية هي الأقل سكاناً. وعدد سكان فرنسا وألمانيا يساوي عدد سكان 22 دولة اوروبية صغيرة ومتوسطة، فيما خلا بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا. وكلما ضعفت هذه الدول - الأمم، اشتد طوق الإملاءات الألمانية - الفرنسية. وهذا ما حصل حين وبّخت ألمانيا دول شرق اوروبا إثر رفضها استقبال اللاجئين. وهذا الخلل في التوازن خطير. وتطويق آثاره يقتضي حفظ وحدة الدول الكبيرة، بدءاً بإسبانيا. نقلا عن الحياة

 

* صحافي، عن «لوموند» الفرنسية، 1/10/2015، إعداد منال نحاس

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟