كالعادة سعى كارهو الحكم في مصر، سواء من «الإخوان» أو من الناشطين الذين خذلوا الشعب فلفظهم، إلى التقليل من أهمية انتخاب مصر لشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن. هم أنفسهم الذين يسعون إلى استغلال تردي الأوضاع في الأراضي الفلسطينية واعتداءات الجيش الإسرائيلي على الفلسطينيين في السخرية من الجيوش العربية، وخصوصاً الجيش المصري، وهم يدركون جيداً أن أفعالهم وتصرفات حلفائهم هي التي شغلت الدول العربية عن الدفاع عن كياناتها ومجتمعاتها وتماسكها الداخلي، فأصبحت مهمومة بتفادي شظايا «الربيع العربي»، وقلت قدرتها على اتخاذ مواقف سياسية، ناهيك بالطبع عن المواقف العسكرية.
هؤلاء المتفرغين للنواح على مواقع التواصل الاجتماعي من مشجعي الإحباط وناشري الكآبة على الجميع يسعون دائماً إلى الاستخفاف بكل إنجاز عربي عموماً ومصري خصوصاً، إذ تُضرب أحلامهم في الفوز بالسلطة، وهم أصحاب الحناجر الفولاذية والمواقف الخاوية ويسير خلفهم بعض المغيبين أو أصحاب المطامع والمصالح، اعتبروا الدفاع عن الأمن القومي العربي عبر بوابة اليمن إهداراً، تماماً كما رأى «الإخوان» في قناة السويس الجديدة «طشتاً»! لذلك لم تكن غريبة الحملة ضد نجاح مصر في تأمين غالبية ممثلي ثلثي أعضاء الجمعية العامة لتفوز بالمقعد الدولي، وهم طنطنوا بأن الأمر جرى بالتزكية ولم يكن هناك منافس وأن الدول العربية اعتادت تدوير المقعد بينها.
تلك الحملة الساذجة لم تمنع المصريين من الفرح أو الشعور بأن بلدهم وضع أقدامه نحو المسار الصحيح. نعم كانت مصر الدولة الوحيدة الممثلة لشمال أفريقيا والعالم الإسلامي والدول العربية، وكان نجاحها يتطلب الحصول على أصوات ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة (193 دولة). ونعم كان انتخاب مصر لشغل المقعد أمراً متوقعاً في ظل عدم وجود منافس من أي من دول الإقليم لشغل المقعد، لكن أبسط متابعي السياسة يدرك أن مجرد تمكن مصر من تحقيق توافق إقليمي على ترشحها لشغل المقعد من دون منافسة تطلب جهداً ديبلوماسياً استمر نحو عام، فضلاً عن حصولها على نسبة تصويت مرتفعة، إذ نالت 179 صوتاً من 193 صوتاً يحق لهم الاقتراع. علماً أن حتى السذج يعرفون أن دولة بحجم مصر لم تكن لتترشح إذا كان هناك احتمال ولو واحداً في المئة لعدم فوزها بالمقعد.
انتخاب مصر للمرة الخامسة، تزامن مع مرحلة دقيقة تتطلب دوراً متعاظماً للمجلس، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي تموج بالصراعات، كما جاء في سياق نجاحات أخرى حققها الحكم بعد مرحلة «الإخوان» التي شهدت تردياً كبيراً في ثقل مصر الدولي.
تسلم الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم في مصر في حزيران (يونيو) 2014، في وقت كانت بلاده تعاني أزمة على صعيد علاقاتها الخارجية بسبب مواقف بعض الدول الفاعلة على الساحة الدولية، خصوصاً أميركا ودول ذات ثقل في الاتحاد الأوروبي، من عزل الرئيس السابق محمد مرسي، ما أعاد تقييم العلاقات الخارجية ضد مصلحة القاهرة.
وكان حفل تنصيب السيسي رئيساً أول خطوة في اتجاه تصحيح هذا المسار لما شهده من حضور إقليمي ودولي لافت. وظهر حرص السيسي على استعادة مصر موقعها المعتبر في الساحة الدولية، فزار أكثر من 30 دولة أفريقية وعربية وأوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا والصين وماليزيا وسنغافورة، كما استقبل نحو 20 من رؤساء وملوك وأمراء الدول. وأبدى اهتماماً بتمثيل مصر في دورتي الجمعية العامة للأمم المتحدة السابقتين بعدما كان التمثيل المصري لا يتخطى على مدى عقود درجة وزير الخارجية.
ذلك الشق المعنوي في مجال السياسة قابلته أيضاً نتائج وقرارات إيجابية ملموسة، أبرزها استعادة مصر عضويتها في الاتحاد الأفريقي بعد تنصيب السيسي بأسابيع، بعدما كانت عُلقت إثر عزل مرسي في تموز (يوليو) 2013، فضلاً عن تحلل مصر بسلاسة من قيود سياسة المحاور في وقت تشهد الساحة الدولية استقطاباً حاداً، وتمكنها من تمرير سياستها بتنويع مصادر تسليح جيشها من دون إغضاب حليفها التقليدي الولايات المتحدة.
وإن كان ملف «سد النهضة» الإثيوبي يشهد تبايناً في تقييم ما آل إليه، إلا أنه يُحسب للسيسي إطلاق عملية التفاوض بتوقيع اتفاق إعلان المبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا في شأن السد، بعدما كانت المفاوضات في شأنه مجمدة.
وتمكنت القاهرة من تحقيق تقدم على الصعيد الخارجي يتوقع أن يكون له مردود على اقتصادها المتعثر، بموافقة مجلس إدارة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في لندن على تحول مصر إلى دولة عمليات في البنك، ما يعني تعزيز حجم نشاط البنك واستثماراته في مصر وتمويل مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. تلك أمور، بالطبع، لا تسعد «الإخوان»، ولا تسُر ناشري الكآبة على الشعب الذي تركهم يعيشون كآبتهم بعدما كان تركهم لحناجرهم ومواقع تواصلهم. نقلا عن الحياة