المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. نصر محمد عارف
د. نصر محمد عارف

عندما تدار السياسة بمنطق الأيديولوجيا

الإثنين 19/أكتوبر/2015 - 12:01 م

فى عالمنا العربى تداخل كل شىء، وارتبك كل شىء فى كل شىء، وانشغل كل أحدٍ بكل شىء، وأصبح أى شىء يساوى أى شىء فى عالمنا العربى كل الألوان صارت لونين: أبيض واسود، وكل العلوم أصبحت علماً واحداً، وكل واحد فينا يتقن هذا العلم، لأنه علم بسيط، هو علم «الغريزة»، أو علم «الشهوة» بكل أصنافها وأنواعها وتجلياتها.. فى عالمنا العربى أصبحنا نرى الكون من زاوية واحدة؛ هى زاوية الرغبة الذاتية، فكل الحقائق سراب الا تلك التى تعبر عن رغباتنا؛ نرى الحقيقة المادية الواحدة حقائق متناقضة طبقا لرغباتنا وموقفنا منها، على الرغم من أن العالم يجمع على أنها غير ذلك.

يقولون اننا شعوب متدينة بطبيعتها، وقد يكون لذلك بعض المصداقية، ولكن الواقع أننا ابتلعنا الدين، فصرنا آلهة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وظهر فينا أكبر عدد من مدعى النبوة، أو ممن يدعون أنهم المهدى المنتظر، وآخرهم امراة فى اليمن ادعت أنها نبية، وأنها أول الأنبياء من النساء بعد أن ختم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم النبوة من الرجال، هكذا تزعم هذه السيدة، وكأن واقع اليمن يحتاج الى أنبياء جدد وفيه من الحوثيين وعناصر القاعدة كثيرون.

هذا التماهى فى الدين بعقلية برجماتية توظف الدين للدينا، وتستخدم كل مكونات الدين، وكل مظاهر التدين لتحقيق المصالح الشخصية، أو الحزبية، أو الطائفية، ويكفى المرء أن يتابع قنوات الاخوان والقنوات الطائفية فى العراق وغيرها ليعرف كم نحن العرب نستخدم الدين ولا نخدمه، ونوظفه بصورة انتهازية يخجل منها الملحدون وكفار قريش.

هذا النوع من التماهى البراجماتى الانتهازى فى الدين صبغ العقل السياسى العربى بصبغة جعلته غير قادر على فهم متغيرات السياسة خارج ثنائيات: الحق والباطل، والشرعى وغير الشرعي، والصحيح والخطأةباختصار شديد أصبح العقل السياسى العربى يتعامل مع كل ما يحيط به من متغيرات من زاوية من لا يوافق على رغباتى فهو: ارهابي، انقلابي، عميل، استبدادي، ظلامى، رجعى، متخلفة.الخ.

فى عالمنا العربى تستوى النخبة والجماهير، يستوى وزير الخارجية مع المواطن العادي، فكلاهما يفكر فى السياسة بمنطق الايديولوجيا أو علم اللاهوت، ويديرها بنفس المنطق، ويتخذ قراراتها كذلك، الجميع لا يستطيع أن يفصل بين الموقف السياسى الذى يتغير مع تغير المتغيرات التى صنعت هذا الموقف؛ سواء أكانت داخلية أو خارجية، وبين الموقف المبدئى المتعلق بالمبادئ وقضايا الاعتقاد التى يجب ألا تتغير مهما تغيرت المتغيرات وتغير الكون. السياسة فى الغرب هى فن الممكن، وفى تراثنا الاسلامى هى فن تحقيق مصلحة البشر، مصلحة الناس، مصلحة المجتمع الذى تُنفذ فيه هذه السياسة، يقول ابن عقيل الحنبلى «السياسة هى أى فعل يكون الناس معه أقرب للصلاح وأبعد عن الفساد؛ وان لم يرد فيه قرآن ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم»، وهنا تأمل كلمات ابن عقيل رحمة الله عليه عندما يقول «أقرب للصلاح وأبعد عن الفساد»، ولم يقل يكون الناس فى حالة صلاح أو فى الصلاح، وانما أقرب لأن الفعل السياسى فعل نسبى، لا يعرف المطلقات، ولا يعرف الجزم أو القطع.

السياسة فى عالمنا العربى لا تعرف المعنى الغربى ولا المعنى الاسلامي، فلا تعرف فن الممكن، ولا علم المصلحة، لانها خرجت من علم السياسة الى علم العقيدة أو علم اللاهوت، وبذلك دخلت فى منطقة الصحيح المطلق والخطأ المطلق، دخلت فى منطقة الخير المطلق أو الشر المطلق، دخلت فى منطقة الحلال المطلق أو الحرام المطلق، فلم يعد هناك سياسة؛ بل أصبحنا فى معركة عقائدية أيا كان أطرافها، وأيا كانت موضوعاتها. فلننظر الى الموقف المصرى الحكومى والشعبى مما يحدث فى القدس وعموم فلسطين، من المؤكد تغيب عنه بعض السياسة، صحيح أن حركة حماس ارتكبت فى حق مصر وشعب مصر جرائم تفوق التصور، وتوهمت أنها قادرة على ارجاع الاخوان، ونسى قادتها أو أنستهم حياة الدوحة أنهم من فلسطين، وأن مصيرهم مرتبط بدولة مصر أيا كان من يحكمها ولكن كان ينبغى على الشعب والنخبة فى مصر، وعلى الحكومة أن يدركوا أن قضية فلسطين هى قضية مصر بمنطق الجغرافيا والتاريخ والأمن القومي، ومتطلبات الدور القيادى لمصر لذلك كان يجب أن يكون دور وموقف مصر مما تقوم به اسرائيل الآن يعكس قوة مصر ووضع مصر الحالى وليس مصر مبارك.

وللنظر الى موقف بعض الدول العربية من التطورات الأخيرة فى سوريا، سنجد غياباً كلياً للسياسة وحضورا لعلم العقيدة أو اللاهوت، سنجد موقفا ايمانيا بضرورة رحيل بشار الاسد، وليس موقفا سياسيا، وكأن رحيل بشار من أركان الايمان مثل الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، سنجد غيابا كاملا للعقل السياسي، وغيابا كاملا للوعى والفهم السياسي، وكأننا لم نقل بالأمس أنه لا مستقبل للعراق الا برحيل صدام حسين مثل الببغاوات وراء العم سام ورحل صدام ولم يرجع عراق الماضى ولا الحاضرةوهرب من شعبه المستقبل، ولن يعود.. وندعو بتعجيل فرجه.

ربطنا مصير ليبيا بالانتقام الشخصى من القذافي، وقبلها ربطنا مصير العراق بالتشفى فى صدام وأولاده وأحفاده، والآن نربط مصير سوريا برحيل بشار، وضاعت العراق وفى الطريق ليبيا، وهناك اصرار على تكرار نفس السيناريو مع سوريا لماذا؟.

لان السياسة لم تعد فن الممكن، فنعيد الحسابات بعد خروج السيد الأمريكي، وتسليمه سوريا لصديقه اللدود الروسي، وارتباك العميل التركى الذى كان يقوم بدور المسهلاتي، الذى ييسر عبور الدواعش وأموالهم وسلاحهم ونسائهم تغيرت كل المعادلة، ولم يزل هناك من يصر على أنه لا مستقبل لبشار فى سوريا، وما جاءت روسيا الا لاعادة ترتيب الوضع المستقبلى لسوريا!.

تكاد تسقط الدولة اللبنانية وتنهار تحت ركام أكوام الزبالة، ونخبة الاقطاع السياسى المحنطة جامدة عند مواقفها العقائدية، ولا يهمها مستقبل وطن ولا مصير شعب، المهم أن تنتصر لمواقفها بنسبة مائة فى المائة، ولا مجال للحديث عن فن الممكن، ولا عن علم المصلحة.

الجماعة الفاشلة التى تخلص منها نفس الشعب الذى رفعها الى عرش مصر، وأسقطها بعد أن جربها سنة واحدة؛ لم تزل تردد نفس المطالب، ونفس الأهداف على الرغم من أن الواقع قد تغير بصورة كاملة؛ بعد أكثر من سنتين من سقوط نظامها لم تزل قياداتها تقنع جماهيرها أنهم عائدون للحكم، وأن يوسف العصر سيخرج من سجنه الى خزائن الأرض ولم تدرك أن كل المعادلة قد تغيرت، وأن علم المصلحة أو فن الممكن يستوجب أن يكون هناك تفكير آخر وسلوك آخر وخطاب آخر. للأسف ماتت السياسة فى العالم العربى وحل محلها اللاهوت أو الايديولوجيا. نقلا عن الأهرام

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟