المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د . هالة مصطفى
د . هالة مصطفى

سلفية داعش

السبت 24/أكتوبر/2015 - 10:52 ص

مواجهة «داعش» أصبحت العنوان العريض لحروب الشرق الأوسط وسببا رئيسيا لأزماته المتفاقمة. فالتحالف الدولى الذى شكلته الولايات المتحدة من دول أوروبية وشرق أوسطية وعربية وخليجية سنية كان لهذا الغرض, والحلف الروسى الجديد الذى ضم فى المقابل الدول والقوى الشيعية (ايران والعراق وسوريا وحزب الله) وما استتبعه من تدخل عسكرى تم تحت نفس الغطاء, وتأجيل الحل السياسى للأزمة السورية هو أيضا لذات الهدف أى القضاء على داعش أولا, وبروز الدور القوى للأكراد كلاعبين رئيسيين يسعون للاعتراف بدولتهم المستقلة يندرج بدوره فى نفس الإطار بحكم تصديهم المسلح لهذا التنظيم, واتهام بعض دول المنطقة بالتورط فى حروب بالوكالة دار مرة أخرى حول دعمها غير المباشر لداعش وتوظيفه لخدمة أجندتها وطموحاتها الإقليمية مثلما كان وضع تركيا - قبل انضمامها للتحالف الدولى - لتقويض مطالب الأكراد أو إسقاط نظام بشار, كذلك فإن تزايد الصراعات الطائفية وإطالة أمدها يُبرر بنفس السبب. إذن داعش يتصدر المشهد الآن وربما لفترة طويلة قادمة لا يعلم أحد كيف ومتى ستنتهى.

ليس هناك خلاف حول ضرورة وأولوية مواجهة هذا التنظيم المتطرف الُمفرط فى عنفه وارهابه, لكن السؤال الذى يفرض نفسه هو كيف نواجهه ونقضى عليه؟ إن كل الأساليب المشار اليها تدور حول الحلول العسكرية وقد تُستدعى هنا خبرات وتجارب تاريخية سابقة كمواجهة الفاشية والنازية فى أوروبا ومثيلاتهما من النزعات الشمولية العنيفة الأخرى ،التى تم القضاء عليها فى الحرب العالمية الثانية, وهى مقارنة جديرة بالاعتبار لأنها تقوم على قاعدة ثابتة بأن الهزيمة العسكرية لأنظمة معينة تؤدى بالتبعية الى هزيمة أفكارها وأيديولوجياتها شرط أن يكون النصر حاسما, ولكن يظل هناك فارق رئيسى، ففى الحالة الأولى كانت المعارك تدور بين جيوش نظامية ودول (محور وحلفاء) وكانت الأهداف واحدة ومتفقا عليها مثلما كانت القيادة العسكرية موحدة أو مركزية بمعنى أنها كانت حروبا تقليدية معروف بداياتها ونهايتها, وهو ليس الحال اليوم فى الحرب على داعش, إذ نحن إزاء تنظيم له فروعه المتشعبة وأجنحته السرية التى يصعب حصرها فى مساحة جغرافية محددة أو دولة من الدول أو نظام من الأنظمة كذلك فمن يتحمل مسئولية المواجهة العسكرية لا يعبر عن إرادة واحدة بل موزع ما بين التحالف الدولى والحلف الروسى وبعض القوى المحلية والقبائل, وتحت المظلتين الأوليتين تكمن العديد من الخلافات والانقسامات.

هذه الاعتبارات لا تقلل من أهمية المواجهة العسكرية ولكنها تضع قيودا على ما يمكن أن تحرزه على أرض الواقع, فإضعاف داعش هو أمر وارد أما حسم المعركة فليست هناك إجابة عليها، وهذا هو مكمن الخطورة.

إن المعركة الحقيقية مع مثل هذه التنظيمات ستظل معركة فكرية بالأساس تتعلق بالتراث والخطاب الدينى السائد فى المنطقة بمختلف دولها, وهى حقيقة لا مهرب منها, فداعش كتنظيم ينجح ويتوسع ويجند أنصاره من مختلف الجنسيات بالغزو الفكرى وتوظيفه لكتب التراث وعلم الحديث والمذاهب الفقهية المتشددة, هذا هو الفضاء الواسع الذى يتحرك فيه مستخدما كل وسائل التكنولوجيا الحديثة وأدوات التواصل الاجتماعى والاعلام لبث أفكاره شديدة الرجعية, لذلك سيبقى من المهم متابعة ما يقوله وينشره هذا التنظيم عن نفسه عبر المواقع الالكترونية والنشرات التى يصدرها.

يندرج تنظيم داعش تحت ما يسمى بتيار السلفية الجهادية, وقد خرج من تحت عباءة تنظيم القاعدة الذى قاده أسامة بن لادن وانتمى اليه أبو مصعب الزرقاوى الذى وضع النواة الأولى لداعش بتشكيله جماعة التوحيد والجهاد قبل أن يأتى أبو عمر البغدادى ليستقل به وينشئ ما أسماه بدولة العراق الاسلامية, ومن بعده جاء زعيمه الحالى أبو بكر البغدادى ليجعلها الدولة الاسلامية فى العراق والشام ثم أزال الصفة الأخيرة لتصبح الدولة الاسلامية فقط دون تحديد, فى إشارة الى دولة الخلافة التى يسعى اليها والتى يجب أن تتجاوز كل الحدود القومية والوطنية والجغرافية. وليست التسميات أو الأشخاص هو ما يهمنا فى هذا المجال ولا قصة بناء التنظيم وإنما أفكاره التى استلهمها من فكر الخوارج الذين مثلوا أول جماعة معارضة مسلحة فى التاريخ الاسلامى المبكر وكذلك من المذهب الحنبلى (نسبة الى أحمد بن حنبل أحد مؤسسى المذاهب الاسلامية الأربعة المعتمدة) وفقه ابن تيمية (فقيه القرن الثامن وصاحب فتاوى الجهاد) وأخيرا الفكر الوهابى الذى لقى انتشارا واسعا منذ أواخر القرن الثامن عشر وحتى الآن. هذا الفكر الذى استغلته قيادات داعش وأنصاره يُجسد ويجمع كل ما سبق بل ويعتبرونه إحياء لهذا التراث تحديدا, الذى يبررون من خلاله أعمال العنف والتكفير التى يقومون بها. وقد استطاعت الدولة السعودية عبر التاريخ أن تستوعب هذا الفكر والحركة السياسية التى انبثقت عنه إلا أن ذلك لم يمنع ظهور حركات تمرد عنيفة من داخله ضد عمليات التحديث التى أجرتها الدولة كان اشهرها فى الحقبة المعاصرة حركة جهيمان العتيبى التى حاولت احتلال الحرم المكى 1979 قبل القضاء عليها.

إن مرجعيات داعش ــ كما هى على مواقعها ــ تضع أبرز مؤلفات مُنظرى السلفية وتفسيراتها وشروحاتها, التى توزعها فى المناطق التى تسيطر عليها, فى الصدارة، فضلا عن فتاوى مشايخ نفس المذهب. إن هذا التنظيم باختصار يقدم نفسه لجمهوره سواء المنتمين اليه أو من يسعى لضمهم على أنه الطبعة الجديدة للوهابية الجهادية التى يستمد منها شرعيته الدينية ويستهدف بها الجميع بما فيها السعودية ذاتها.

تبقى ملاحظة أساسية وهى أن جميع الأسماء التى وردت فى هذا السياق وأكثر منها قد رحلوا منذ زمن بعيد وأن أغلب القيادات التنظيمية فى عصرنا الراهن قد قتلوا من بن لادن الى الزرقاوى وأبو عمر البغدادى وقبلهم العتيبى بل وتتردد من حين الى آخر أنباء عن مقتل زعيمهم الحالى أبو بكر البغدادى (وهو ما قد يحدث) ولم يتغير شىء ولا يبدو أنه سيتغير, أى يرحل الأشخاص وتبقى أفكارهم.

القضاء على داعش يحتاج الى نقلة نوعية على مستوى الثقافة الدينية بل والى خطاب دينى جديد يواكب العصر ويحمى الأجيال القادمة من خطر التطرف. هل هذا ممكن؟ نقلا عن الأهرام

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟