بحكم تمثيلها حاليا لاكثر من 94% من مساحة مصر التى تقارب المليون كيلومتر مربع، ظلت الصحراء تمثل تحديا كبيرا للمصريين على مدى تاريخهم، وهو فى احد صوره صراع بين الماء والرمال، ومثل نهر النيل وفروعه اداة رئيسية فى يد كل حاكم مصرى اراد مجابهة الصحراء، أوَّل مَن فكَّر في تعمير الصحراء هو محمد علي عند توليه حكم مصر عام 1805م حيث أراد أنْ يبني كيانًا زراعيًّا يقوم من خلاله بتحديث مصر صناعيًّا، كما فعلت أوروبا في ذلك الوقت، ومن أجل ذلك بنى محمد علي القناطر الخيريَّة لتَوفِير المياه لهذه الزراعة، ونجح والى مصر العظيم ان يصل بالمساحة المزروعة الى 3.86 مليون فدان، واستطاع الخديو اسماعيل ان يواصل مسيرة جده فى زيادة الرقعة الزراعية لمصر الى 4.8 مليون فدان، واستمرت مجهودات التوسع فى استصلاح الصحراء حتى وصلت المساحة الى 5. 5 مليون فدان فى منتصف القرن الماضى لتشهد عملية الاستصلاح انطلاقة كبيرة مع ثورة يولو 1952 واتجاه الضباط الشباب بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر لاقامة السد العالى لتصل المساحة الى 7.5 مليون فدان. واستمرت الدولة فى الاهتمام بمشروعات الاستصلاح بعد بناء السد العالى فتم تنفيذ مشروع توشكى، وترعة السلام، وترعة الحمام، وترعة الشيخ زايد، ونجحت تلك المشروعات بدرجات متفاوته ـ فى تحقيق بعض اهدافها، لكنها واجهت عثرات متعددة اجلت الاستفادة الكاملة منها نتيجة اسباب مختلفة، مثل ضعف التنسيق بين الجهات المسئولة عن المشروع، او ضعف السيولة المالية والتعرض لتقلبات الاسعار.
فى ظل وجود مساحات صحراوية شاسعة مازالت تحتاج للاستصلاح لاضافة رقعة زراعية جديدة أتى البرنامج الإنتخابي للرئيس عبد الفتاح السيسى الذى يشتمل على وضع خطة تنمية واستصلاح 4 ملايين فدان تعتمد اغلبها على المياه الجوفية وليست السطحية مثل المشروعات السابقة، وهذا بالطبع لان كميات المياه السطحية تكاد تكفى الاحتياجات الحالية ويصعب تماما تحميل شبكة الرى باى مساحات جديدة يتم استصلاحها على الشبكة القديمة للرى. ومعلوم للجميع مدى محدودية مواردنا المائية من نهر النيل، ومن ثم كان لابد من الاعتماد على المياه الجوفية كمصدر اساسى للرى فى المناطق الصحراوية
والحقيقة ان تجارب الاعتماد على المياه الجوفية قد بدأت منذ زمن طويل من خلال مشروع طموح لتعمير الصحراء انطلق فى الستينيات من القرن الماضى، من خلال إنشاء وادٍ جديد في الصحراء الغربية يَجمَع الواحات الداخلة والخارجة والفرافرة، تحت اسم «الوادي الجديد»، وتَمَّ حفرُ ألفي بئرٍ في هذا الوادي من الفترة 1971 الى 1974م.
خطة تنمية واستصلاح 4 ملايين فدان كانت تتضمن مليون فدان كمرحلة أولى، وجاء تكليف الحكومة السابقة برئاسة السيد المهندس/ إبراهيم محلب بوضع الخطة التنفيذية لهذا المشروع ممثلة في وزارة الموارد المائية والري بالتعاون مع وزارة الزراعة والاسكان والتخطيط وباقي الجهات ذات الصلة ، بعد تقسيم المساحة الاجمالية الى ثلاث مراحل تنفيذية. وقد طلب السيد الرئيس زيادة المرحلة الاولى الى 1.5 مليون فدان، وهى تتضمن مناطق تمت دراستها والتأكد من توافر مصادر المياه اللازمة لها. والمرحلة الثانية تتضمن مناطق واعدة وتحتاج الى دراسات تأكيدية للتأكد من مصادر المياه والمخزون الجوفى. والمرحلة الثالثة تتضمن مناطق بها مؤشرات لوجود المياه وتحتاج الى دراسة تفصيلية.
ولمزيد من دفع العمل والتركيز على مناطق بعينها بدلا من تشتيت الجهود على اكثر من 15 موقعا تتناثر على مساحات مترامية، تم الاتفاق على تقسيم المرحلة الأولى (1.5 مليون فدان) إلى ثلاثة أقسام كل منها في حدود النصف مليون فدان، لتتم الاستفادة من تراكم الخبرات خلال كل مرحلة، وعدم ارهاق الميزانية الحكومية بتدفقات مالية مرتفعة مطلوبة فى وقت وجيز، على ان يعتمد المشروع فى موارده المالية على متحصلات مبيعات الاراضى والاقساط التى سيتم تحصيلها
يستهدف مشروع ال1,5 مليون فدان الاولى إضافة مساحة جديدة من الأراضي تروى بالمياه السطحية (12%) والمياه الجوفية (88%) المتوافرة بمناطق المشروع، وإقامة مجتمعات زراعية وصناعية وعمرانية متكاملة تقوم على استغلال الموارد المائية المتاحة ، ثم تمتد لتشمل الصناعات القائمة على الخامات المحلية والتعدين وإنتاج الطاقة والطرق والمواصلات والتعليم والصحة وكافة الخدمات، وبالتالى ينجح فى توفير فرص عمل عديدة للشباب، مع تقليل الكثافة السكانية فى الوادى والدلتا.
فهذا المشروع سينجح ان شاء الله فى سد الفجوة الغذائية بين الاستهلاك والانتاج الزراعى المصرى، وسيوفر حوالى مليون فرصة عمل على الاقل، وسيرتفع بالمساحة المأهولة على الارض المصرية من 6% الى 8%، وسينجح بالتالى فى خلخلة الكثافة السكانية المرتفعة بالوادى والدلتا، مع الاخذ فى الاعتبار ان عدد المصريين سيقفز من 90 مليونا الى 150 مليون نسمة بحلول عام 2050
تتبقى تحديات كبيرة تواجه المشروع وكيفية التعامل معها نفرد لها المقال القادم ان شاء الله
حفظ الله مصر وشعبها ونيلها من كل سوء. نقلا عن الأهرام