المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
صلاح سالم
صلاح سالم

برلمان لا يعكس الثورة بل يتوسل الإصلاح

الثلاثاء 27/أكتوبر/2015 - 11:08 ص

انهارت الجمهورية الأولى في مصر بفعل عجز نظامها، في عهوده الثلاثة، عن إصلاح نفسه من الداخل، ومن ثم كان اندلاع المسار الثوري في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 نتاجاً لليأس من إمكانية الإصلاح التدريجي للنظام القائم. ثم كان حدث 30 حزيران (يونيو) 2013 تعبيراً عن إخفاق وتأزم المسار الثوري الوليد، وإيذاناً بالعودة إلى المسار الإصلاحي. واليوم تشي كل الوقائع والملابسات المحيطة بالانتخابات البرلمانية، خصوصاً نسبة المشاركة المتدنية، ودرجة التنافسية الأكثر تدنياً، وخلفية المرشحين التي تغلب عليها الانتماءات التقليدية ولا تتكئ إلا على المال السياسي، مع مقاطعة القوى المدنية الأكثر ليبرالية، والاختفاء شبه الكامل لأي مظهر صراع بين قوى سياسية أو فكرية متبلورة، بمجلس نيابي من طراز مباركي بامتياز.

وهو ما يخلق انطباعاً راسخاً بأن الجمهورية الثانية في مصر، بعد فترتي حكم انتقاليتين، ورئاستين منتخبتين، لن تكون جديدة تماماً، وأن ما يسعى إليه الرئيس السيسي هو إعادة تركيب نظامه السياسي من مكونات تنتمي إلى العصور المختلفة للجمهورية الأولى، مع إعادة توزيع نسبة كل عصر من تلك المكونات، بحيث يتم تهميش دور المكون المباركي السيئ السمعة، مع الاحتفاظ من موروثه بآلية تغليب الحلول الأمنية على السياسية، والإبقاء، تقريباً، على حجم المكون الساداتي، في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وبالذات نحو الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي المقابل، تعظيم دور المكون الناصري، خصوصاً في ما يتعلق بالخطاب السياسي الشعبوي الذي يتوجه إلى القطاع الواسع من الجماهير، من دون اكتراث بالقوى المدنية الوسيطة سواء الأحزاب السياسية أو المنظمات الأهلية، وبالذات القطاع الحقوقي منها. كذلك يصار إلى التعويل على صيغة التحديث السلطوي من أعلى، عبر آلية المشروعات الكبرى، والدور المركزي للجيش، وتقديم المفهوم الاجتماعي - الاقتصادي للحرية، على المفهوم السياسي له، بحيث تتم المبادلة نفسها تقريباً بين الإنجاز الاقتصادي والتحول الديموقراطي، باعتبار أن دوافع المصريين إلى الثورة في 25 يناير لم تكن الولوج إلى أفق الحرية بل الهروب من براثن الفقر.

تعكس هذه القراءة، من دون شك، رؤية محافظة للواقع المصري، تهمل حقيقة أولية تتجسد في الاختلاف الجذري بين دور الجماهير المركزي في 25 يناير التي أنتجت الحكم الحالي، ودورها الهامشي في حدث 23 يوليو الثوري، الذي قاده الجيش، وأقام على أساسه الجمهورية الأولى. كما تتجاهل سؤالاً مركزياً هو: لماذا سقط المشروع الناصري، على رغم روحه التحديثية الواضحة، وإنجازاته الفعلية على الأرض، بل ولوجه إلى آفاق غير ممكنة الآن من سياسات العدالة الاجتماعية والتقريب بين الطبقات؟

هكذا يبدو أن مشكلة مصر اليوم لا تكمن في حجم الاقتباس الزائد عن الحد من التجربة الناصرية، بل في سوء الاقتباس منها. فعلى الصعيد الاقتصادي، مثلاً، كانت العدالة الاجتماعية واحدة من الركائز الأساسية، حيث كان الانحياز واضحاً لتحالف العمال والفلاحين، من خلال إصدار مجموعة القوانين الخاصة بالإصلاح الزراعي، والعلاقة بين الملاك والمستأجرين التي أعادت توزيع الأرض/ الثروة في مصر على نحو حقق عدالة جذرية، ناهيك عن قوانين التأميم التي وسعت حجم القطاع العام، وكذلك القوانين الاشتراكية التي صدرت بعد ذلك لمصلحة الطبقة العمالية تحقيقاً لعدالة سريعة. أما اليوم، فيبدو الوضع مختلفاً تماماً، إذ من غير الممكن تحقيق تلك العدالة الجذرية، ناهيك عن أن تكون بالسرعة نفسها، فلا التأميم صار مقبولاً في الداخل والخارج، ولا صيغة الاشتراكية الخاصة أو رأسمالية الدولة قابلة للاستعادة، الأمر الذي يشي بصعوبة بناء دولة رعاية اجتماعية جديدة، في ظل الانفجار السكاني الكبير، وضعف موارد الدولة الاقتصادية، وهيمنة التوجهات الرأسمالية على البناء الاقتصادي، وسيادة العولمة بما لا يسمح بالانغلاق فى مواجهتها.

وعلى الصعيد السياسي، نجد التكيف السلبي ذاته مع الظاهرة الناصرية، حيث تأسس الاستبداد على تصور أيديولوجي للعالم، ينحاز للفكرة الاشتراكية، والكتلة الشرقية. كما استخدم آليات التنظيم السياسي كالحزب الواحد، وأيضاً المنظمات الشبابية في التواصل مع الجماهير. أما الرئيس السيسي، كما كشفت وقائع العام الأول، فيفتقد ليس فقط للمشروع الأيديولوجي، بل أيضاً للقدرة على التواصل مع الجماهير. فليس لديه حزب أو منظمات شبابية، كما دخل في صراع مع معظم الناشطين الشبان الذين أيدوا 30 يونيو، سواء من الطليعة الثورية بسبب قانون التظاهر، أو الحركة الطلابية بفعل التعامل الأمني الفاضح الذي سمح لرؤساء الجامعات بالحديث صراحة عن قيامهم بتجنيد طلاب «وطنيين شرفاء» للإرشاد عن زملائهم المشاغبين، وهو أمر كان يحدث في الستينات ولا شك، ولكن بأقصى درجات السرية والحذر، وليس بمنتهى الصراحة والعلنية. ناهيك بالطبع عن المخاطر المحدقة بالحريات الصحافية والإعلامية، حيث تزايدت هيمنة النغمة الواحدة، وجرى عزل تدريجي للأصوات المستعصية على التنميط، مع ما يمثله ذلك من خسائر جمة ومخاطر مؤكدة على مستقبل الحرية في بلد يبقى البناء الحزبي فيه ضعيفاً، وقدرته على التأثير في الرأي العام بالغة المحدودية.

بالطبع ثمة منطق أقل تشاؤماً، يتحفظ على ما ذهبنا إليه، مفسراً ما يجري بكون النظام السياسي لم يكتمل حتى الآن، في انتظار البرلمان الذي سيحرك كثيراً من الركود، فيما الجامعات تعاني من نشاط إخواني معطل يفرض التعاطي الأمني، والبلاد تواجه إرهاباً متعدد الوجه، مركزه في سيناء، بينما تمتد أذرعه إلى أربعة أرجاء الوادي والدلتا، وجميعها أمور معوّقة للانفتاح السياسي. وقد يكون لهذا المنطق بعض الوجاهة فى توصيف المشهد، من دون قدرة على تبريره. فالطبيعي أن تواجه المجتمعات تحديات يومية، والمفترض أن تكون قادرة ليس فقط على التصدي لها، بل على التطور في ظلها، وإلا فلن تتقدم أبداً. فعندما أجل عبدالناصر التحول الديموقراطي بذريعة الخطر الإسرائيلي، أدى الاستبداد للوقوع في الخطر، حيث كانت الهزيمة العسكرية، ناهيك عن الانسدادات التاريخية التي أعاقت التطور المصري، وأعادته إلى الحلقة المفرغة نفسها، التي لا يبدي نظام الحكم عزماً حقيقياً على الخروج منها، بإصراره على تسويق المستقبل كاختيار حدّي بين طرفي ثنائية ضدية، تضع الاقتصاد والأمن في مواجهة السياسة نفسها وليس فقط الحرية. نقلا عن الحياة

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟