المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

تصاعد الاحتجاجات : الانقسام حول حكومة الوفاق الوطني في ليبيا

الأربعاء 28/أكتوبر/2015 - 11:18 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د.إبراهيم منشاوي
لم يلق تشكيل حكومة الوفاق الوطني الليبية، التي خرج بها المبعوث الأممي، برناردينو ليون، قبولًا من الأطراف السياسية التي تدعم عملية الكرامة، ومؤسسة الجيش الوطني الليبي، بقيادة الفريق خليفة حفتر. حيث خرج عدد من التظاهرات والاحتجاجات الرافضة لهذه الحكومة في ساحة الكيش في مدينة بنغازي. وقد طرح المتظاهرون مجموعة من الأسباب التي دفعتهم لرفض التشكيل المقترح للحكومة، في الوقت الذي مارست فيه الجماعات الإرهابية أعمالها الإجرامية وقامت بمهاجمة تجمعات المتظاهرين.
     وعلى الرغم من الاعتقاد بأن السعي لتشكيل حكومة وطنية في ليبيا سوف يؤدي إلى ضبط الأوضاع الأمنية ومواجهة الجماعات المتشددة، وتحقيق الاستقرار السياسي، فإن المشهد الحالي يعكس حالة مغايرة لما تم توقعه، نتيجة تجدد نشاط الجماعات الإرهابية، وسقوط قتلى من المدنيين، مع توسع دائرة الانقسام بين القوى والأحزاب السياسية الليبية.
     هذا الرفض الواضح والصريح لحكومة الوفاق الوطني يثير جملة من الشكوك حول مهمة المبعوث الأممي لليبيا، وجدوى جلسات الحوار الوطني الليبي، والمعايير التي تم الاستناد إليها في اختيار أعضاء الحكومة، فضلًا عن ماهية الجهات الرئيسية الليبية المشاركة في جلسات الحوار. وكلها أمور يجب أن تبحث في ظل هذا التشظي في المواقف المختلفة لأطراف الحوار.

إن المشهد الحالي يعكس حالة مغايرة لما تم توقعه، نتيجة تجدد نشاط الجماعات الإرهابية، وسقوط قتلى من المدنيين، مع توسع دائرة الانقسام بين القوى والأحزاب السياسية الليبية
أولا- دوافع الاحتجاجات:
     من المسلم به في دراسات العلوم السياسية أن لكل حدث دوافع وأسبابًا تقتضي البحث والتحليل من أجل الوصول لعملية التنبؤ  بمقتضيات الحال. ولا شك هنا أن لخروج الاحتجاجات في ليبيا عدد من الأسباب والدوافع المعلن منها وغير المعلن، مما يؤدي إلى ضرورة تتبعها للوصول إلى تفسير لها، وللعمل أيضًا على معالجتها. وفي هذا المقام نجد أن الدوافع التي كانت وراء خروج هذه التظاهرات تكمن في ضرورة مساندة عملية الكرامة والقضاء على الجماعات الإرهابية.
    ضرورة استمرار العمليات العسكرية ودعم عملية الكرامة: وهو أحد الأسباب الرئيسية لخروج التظاهرات، لأن تشكيل حكومة الوفاق الوطني سيؤدي إلى غموض حول وضع الفريق حفتر في الحكومة المقبلة. وهذا يرجع إلى أن المؤتمر الوطني الليبي المنتهية ولايته، والذي يسيطر على مدينة طرابلس، لا يعترف بالوضع العسكري لقائد عملية الكرامة، ويحمله المسئولية عن اندلاع حرب أهلية بين الليبين، ولكن هذا التوجه يرفضه تمامًا مجلس النواب المعترف به دوليًا، والذي يدعم قائد عملية الكرامة، وذلك واضح من قيام رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح عيسى، بصفته المفوض بمهام القائد الأعلى للقوات المسلحة، باختيار حفتر قائدًا للجيش بعد ترقيته الى رتبة فريق، ولذلك يسعى المجلس بكل قوته إلى فك الحظر المفروض على تسليح الجيش الليبي من أجل دعم العملية العسكرية التي يقوم ضد الجماعات الإرهابية. وهذا الوضع المربك يفسر خروج الاحتجاجات التي تطالب بضرورة استمرار عملية الكرامة والقضاء على الجماعات الإرهابية، لأنهم يدركون جيدًا أن شخصية الفريق حفتر غير مرغوب فيها من أطراف الحوار الوطني الليبي المنتمين للمؤتمر العام المنتهية ولايته، والذي يدعم ميلشيات فجر ليبيا، العدو الأول لعملية الكرامة ولقائدها. وبالتالي نجد أن هذا المشهد العام في ليبيا غير واضح المعالم فيما يتعلق بالموقف من الفريق حفتر، مما يزيد الوضع في ليبيا تأزمًا. والحق يقال إنه إذا كانت هناك رؤية واضحة لهذا الوضع لأمكن معها التقريب بين وجهات النظر المتعارضة.
    تقوية شوكة الجماعات الإرهابية في ليبيا: حيث إن التشكيل المقترح لحكومة الوفاق الوطني، يضم عددًا من المؤيدين للمؤتمر العام في طرابلس، وهم من المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، التي تدعم عددًا من الميلشيات والتنظيمات الإرهابية والمسلحة في ليبيا، وفي مقدمتها، ميلشيات فجر ليبيا، المسيطرة على العاصمة طرابلس، وهي على صلة وثيقة بالمؤتمر الوطني الليبي، الذي تتزعمه جماعة الإخوان المسلمين. وبالتالي خروج الحكومة بهذا التشكيل الحالي سيدعم من وضع هذه الميلشيات المسلحة، مما يجعلها عقبة كبرى أمام عملية الإصلاح السياسي والمؤسسي في الدولة الليبية. وهذا بدوره يجعل العملية السياسية في ليبيا تدور في دائرة مفرغة، لأن الهدف الرئيسي الآن في الشارع الليبي، وللحكومة الشرعية أيضًا، هو القضاء على الميلشيات المسلحة وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، من أجل خلق ظروف معيشية أفضل للمواطن الليبي، يستطيع من خلالها أن يحقق تطلعات المستقبل. ولكن بهذا الشكل سوف تتصاعد الأزمة وتستمر التظاهرات، مما قد يقود إلى انهيار الدولة.
    حكومة غير وطنية: وهذا السبب يقودنا إلى الحديث عن المعايير التي تم على أساسها اختيار أعضاء تلك الحكومة، وكيف أنه لم تتم مراعاة نبض الشارع الليبي وآرائه في اختيار أعضاء حكومته. ومن هنا فقد رأى المواطنون أن تلك الحكومة غير وطنية، لاختيار أعضائها بناءًا على رغبات القوى الخارجية الغربية من أجل تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية على حساب مصالح الشعب الليبي، ومن ثم تم وصم هذه الحكومة بأنها حكومة ( وصايا )، كما أن تشكيلها لم يراع مقتضيات السيادة الليبية على أراضيها، لأنه لم يترك لرئيس الوزراء، اختيار أعضاء حكومته، بل تم فرضهم عليه، وهذا من شأنه أن يقود إلى غياب التوافق والانسجام اللازمين بين أعضاء الحكومة الليبية الجديدة، وظهور الخلافات والانشقاقات الداخلية، ويؤدي إلى عدم القدرة على تحقيق الأهداف المرجوة من عملها.

إن التشكيل المقترح لحكومة الوفاق الوطني، يضم عددًا من المؤيدين للمؤتمر العام في طرابلس، وهم من المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين
ثانيا- مستقبل غامض
إن الانقسام في وجهات النظر بين أطراف العملية السياسية الليبية، وعدم القدرة على صياغة حلول مشتركة أو حلول وسط، بالإضافة إلى أن آثاره تنفذ مباشرة إلى المواطن العادي، إلا أنه أيضًا يظلل العملية السياسية في ليبيا بالغموض والخفوت.
    الانقسام حول تشكيل تلك الحكومة: فالاختلاف حول تشكيل الحكومة الليبية يعيق بالطبع عملية ظهورها إلى النور وممارسة اختصاصاتها. ولعل من المناسب القول هنا إن الانقسام لا يقتصر على أعضاء مجلس النواب فقط ومؤيدي عملية الكرامة من المواطنيين، بل يمتد ليشمل أعضاء من المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، حيث خرجت تظاهرات في مدينتي مصراته وطرابلس تحت شعار "حماية السيادة ورفض الوصاية" ترفض الأسماء المرشحة للحكومة، على اعتبار أن ليون لم يستشر المؤتمر العام في اختيار أعضاء الحكومة. وهذا يعكس وبشدة حالة التخبط الشديدة في عملية صنع القرار داخل مؤسسة الحوار الوطني، ويوشي بتدخلات خارجية لا تعكس الإرادة السياسية الليبية.
    سقوط قتلى: فقد صاحب خروج تظاهرات في ساحة الكيش في وسط مدينة بنغازي يوم الجمعة الموافق 23 أكتوبر 2015، احتجاجًا على مقترح المبعوث الأممي بتشكيل حكومة وفاق وطني، سقوط عدد من القتلى بلغ تسعة أشخاص وإصابة ما يربو من ثلاثين شخصًا آخرين، نتيجة لقذف هذا التجمهر بقذائف الهاون من قبل الجماعات الإرهابية، ردود فعل واسعة، حول الأساليب الخاطئة التي ينتهجها المجتمع الدولي في معاملة الشعب الليبي، حيث يغض طرفه عن نشاط الجماعات الإرهابية، في الوقت الذي يحظر فيه التسليح عن الجيش الوطني، الذي يكافح الإرهاب والتشدد، وهذا بالطبع أدى إلى سخط المواطن الليبي على كل المبادرات التي تقدمت بها الجماعة الدولية لحل الصراع في ليبيا ممثلة في منظمته الدولية "الأمم المتحدة"، معتبرة إياها تعكس نيّات غير حميدة وسيئة، وذلك بسبب عدم وجود رؤية واضحة للجماعة الدولية لمواجهة الإرهاب في ليبيا، بل والأغرب من ذلك هو عدم القدرة على قطع عملية الإمداد بالأسلحة والتمويل لتلك الجماعات الإرهابية.
    التلويح باستخدام العقوبات: كذلك فإن استمرار منطق العقوبات على الدولة الليبية، وتلويح المبعوث الأممي بفرض المزيد منها على من يعرقلون مسيرة الحوار الوطني وتشكيل حكومة الوفاق، أدى إلى سخط كبير على المستويين الرسمي وغير الرسمي في الأراضي الليبية، حيث وقّع 21 عضوًا من أعضاء مجلس النواب على بيان عبروا فيه عن رفضهم لتصريحات ليون، ومنطق العقوبات، لأنه يعتبر تدخلًا في الشأن الليبي الداخلي، ويعرقل الجهود الوطنية لإعادة بناء الدولة. ومن الواضح أن منطق العقوبات الذي يلوح به ليون ليس حلًا للأزمة، بل هو تكريس لها، نظرًا لأن الرافضين لتشكيل الحكومة من الجانبين ( مجلس النواب، والمؤتمر الوطني العام ) مما يشكل مزيدًا من التباعد في المواقف والقرارات.
خاتمة
حاصل القول؛ إن الوضع السياسي في الأراضي الليبية لا ينبئ بحدوث أي تقدم في المستقبل، مما يستتبع ضرورة العمل على تطوير آليات أخرى لحل الأزمة الحالية، أولاها: فك الحظر المفروض على تسليح الجيش الليبي، حتي يمكن إعادة الثقة المفقودة بين الجماعة الدولية والمواطن الليبي العادي الذي يريد تطهير بلاده من براثن الإرهاب والمتطرفين، وثانيتها: قطع الصلة بين أعضاء الحوار الوطني والجماعات الإرهابية والمتشددة، لأنها العدو الأول لمصالح الدولة الليبية، وثالثتها: ضرورة التراجع عن التلويح بمنطق العقوبات، حتى لا يظهر الأمر على أنه عملية فرض وصايا خارجية على الإرادة الحقيقية للشعب الليبي.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟