المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
ديفيد ويرتايم
ديفيد ويرتايم

التعليم ودمج اللاجئين في ألمانيا

الأربعاء 28/أكتوبر/2015 - 11:21 ص

في الأسبوع المدرسي الثاني من العام الدراسي في مدرسة فيدنهوف الابتدائية، شاغل المُدرّسة الألمانية، إيفون ألبريخت، هو تعليم التلاميذ معلومات اساسية باللغة الألمانية: ايام الأسبوع، والألوان والمشاعر. وتقع المدرسة في ناحية مهملة من بوتسدام خارج برلين. بريق الشمس يتسلل من زجاج النافذة الى غرفة الصف، جمعت ألبريخت الكراسي والطاولات جنباً الى جنب ليجلس كل التلاميذ اليها كأنها مائدة عائلية كبيرة، وهم مسلحون بأقلام التلوين والكتب والدفاتر. تفرك عينيها بواسطة قبضة يديها وكأنها تنتحب وتلوح بورقة مكتوب عليها كلمة. فترتفع الأيادي في الهواء لتجيب عن السؤال. وتقرأ المعلمة المكتوب على الورقة: «توريغ»، حزين(ة). يتحدر تلاميذ ألبريخت من سورية وفلسطين وإيران ورومانيا، وهم في صفوف بين الرابع الابتدائي والسادس ابتدائي. وهي تدير صف ترحيب يقصده التلاميذ الذين لا يجيدون الألمانية. وصلت نور وشقيقها محمد الى ألمانيا قبل ثلاثة اشهر بعد ان غادرا دمشق بصحبة عائلتهما. ومضى على ارتيادهما المدرسة اقل من اسبوعين. يرفع محمد صوته متباهياً بمهاراته اللغوية الجديدة إذ يعدد اسماء الفاكهة الأثيرة على قلبه: الشمام والموز والكرز. وهو وشقيقته اكتسبا الألمانية بسرعة ملفتة.

ويمضي، يومياً، التلامذة اربع ساعات في الصف وخارج اسوار المدرسة: يلعبون الكرة ويتجولون في متاجر الخضار والفواكه، ويقرأون اشارات السير. «هم يتعرفون على الحياة في ألمانيا ليتمكنوا من تعلم الألمانية»، تقول أوتي غولدبيرغ، مديرة المدرسة.

ومدارس ألمانيا هي جبهة متقدمة في أزمة اللاجئين الأوروبية، في وقت يتعثر المسؤولون المحليون والفيديراليون في استقبال اعداد قياسية من طالبي اللجوء. وعلى رغم نشر دوريات على الحدود لإبطاء عملية دخول المهاجرين الى البلد، تتوقع الحكومة الألمانية أن يبلغ عدد طالبي اللجوء مليون نسمة في نهاية العام. وشطر راجح من هؤلاء لا يجيدون الألمانية، فيما خلا قلة ترطن بعدد من الكلمات الألمانية. ويثقل دمج السوريين اليافعين والعراقيين والإريتريين في المجتمع الألماني كاهل المدرّسين والمشرفين على المدارس. والتحديات ضخمة على قولهم. «فالمدرّس هو نموذج يحتذى في التعامل مع اللاجئين. والمدرّسون هم نموذج مجهري مصغر عن التطور الاجتماعي»، تقول سيمون فلايخمان، رئيسة نقابة المعلمين في بافاريا جنوب ألمانيا. ومع بدء العام الدراسي، تجبه مناطق كثيرة عقبات لوجيستية كبيرة. وتتوقع نقابة المدرسين في بافاريا ان يبلغ عدد التلاميذ في صفوف مدارس هذه المنطقة 50 ألف تلميذ في نهاية 2015. وباشرت برلين العام الدراسي برفع عدد الصفوف 430 صفاً. وتعود مسؤولية وضع أسس ناظمة للتعليم الى الولايات الألمانية، وكل منها يجبه المصاعب في العثور على عدد مناسب من المعلمين.

ووفق وكالة «رويترز»، ضمّت المدارس الألمانية 3 آلاف مدرّس ومدرّسة إلى طاقمها التعليمي. ونشرت اكثر الولايات سكاناً، شمال الراين فيستفاليا، اعلاناً تعرض فيه فرص العمل على الف ومئتي مُدرّس. وتتعاظم الحاجة الى مدرّسين يعلمون الألمانية كلغة ثانية. وليس يسيراً العثور على اعداد كبيرة من هؤلاء المدرّسين بين ليلة وضحاها. ويرى غانتر باسكي، وزير التعليم في ولاية براندنبورغ الشرقية، أن مثل هذه المشكلات لا يسوّغ الفشل. ويقول «في الإمكان تعليم (المهاجرين) عبارات اساسية مثل انا فلان، قدمتُ من البلد الفلاني وعمري هذا العدد من السنوات... وفي إمكان كل المعلمين تدريس مثل هذه المعلومات ولو لم يختصّوا في هذا الفرع من التعليم».

ولكن المشكلة لا تقتصر على اكتساب الألمانية. فنقابة المدرّسين تطالب بموارد أكبر ليتسنّى لها الاستعانة بفريق من اصحاب الكفاءات من المترجمين وعلماء النفس والعاملين الاجتماعيين. فالحاجة تمس إلى أصحاب مثل هذه الاختصاصات والكفاءات للتعامل مع أولاد اضطرت عائلاتها الى الفرار من مناطق حرب. وتروي ألبريخت أن نواة عملها لا تدور في الصف. فهي تزور طالبي اللجوء والملاجئ وتتكلم مع المساعدين الاجتماعيين والأهل. وتسعى إلى فهم ظروف عيش تلاميذها قبل بلوغهم ألمانيا.

وحين زار شرطي صف ألبريخت لسؤالها عن معلومات تساعده على العثور على صبي مفقود، سارعت فرزين، وهي فتاة ايرانية ووجهها الأبيض سريع الإحمرار، الى الاختباء تحت الطاولة، وبكت من غير انقطاع الى ان اخذتها المعلمة الى الخارج. وثمة فتاة سورية تجهش بالبكاء كلما انتصفت حصة الدرس. وفي وسعها قول اسمها وعمرها، ولكن ما يحزنها يبقى طي الكتمان إذ يتعذر عليها البوح بالألمانية. وتسعى غولدبرغ الى تحويل غرفة غير مستعملة الى قاعة استرخاء يقصدها التلاميذ للعلاج بالموسيقى والأضواء. وتقع المدرسة في حي فقير. وستشرّع هذه القاعة أمام كل أطفال الحي والمنطقة، سواء كانوا من اللاجئين ام لا. وعلى رغم الحاجة الى تمويل رواتب مترجمين وعلماء نفس، تتعثّر مساعي المديرة غولدبرغ بالبيروقراطية الألمانية. «فنحن الألمان لا نجيد الارتجال والعفوية»، على نحو ما تقول. وفي السادس من الشهر المنصرم، أعلنت المستشارة الألمانية، أنغيلا مركل، ان حكومتها ستبذل 3 بلايين يورو للمساهمة في التعامل مع سيل اللاجئين. وقبلها بأيام، اعلن وزير الداخلية، توماس دي ميزيير، عن اجراءات تساعد البلدات والمدن على تجاوز قيود «الإجراءات الصارمة» لجبه الظروف الطارئة. وزارت مركل صف استقبال وترحيب في مدرسة في حي كروزبيرغ في العاشر من ايلول (سبتمبر) الماضي، وأشادت بجهود المعلمين ومديري المدرسة والتلاميذ. «الاهتمام بكل طفل ترتجى منه الفائدة... نرغب في تأمين مستقبل جيد لهم»، قالت المستشارة.

واستقبل ألمان كثر اللاجئين حين وصولهم الى محطات القطار للترحيب بهم، وتبرّعوا بالثياب والمال وأخذوا إجازات من عملهم لمساعدة الموظّفين في معالجة جبال من أوراق المعاملات. وبلغ مدّ حسن الضيافة قاعات الدراسة. فتطوّع مدرّسون متقاعدون لتدريس الألمانية في الملاجئ أو المدارس. وساهمت التبرّعات في تأمين المدارس والكتب والألعاب للأطفال. ولكن نقابة المدرسين تقول إن بعض أولياء الأمور الألمان سألوها أن يحظى أولادهم بمثل امتيازات اللاجئين من صفوف خاصة ودعم خاص. ويخشى المعلّمون أن يبلغ مدّ المشاعر المعادية للاجئين قاعات الدراسة. فالنقاش يحتدم حين يلغى صف مخصّص للأطفال الألمان ليستقبل المعلمون اللاجئين فيه.

لا ريب في ان الاندماج هو مسألة شائكة تثير الانفعالات والمشاعر في المجتمع الألماني. فحين تدفقت أمواج من العمال الزائرين الى ألمانيا من شمال أفريقيا ويوغوسلافيا في الستينات والسبعينات، حسِبت السلطات انهم سيعودون ادراجهم بعد ان يعملوا سنوات في اراضيها. ولكنهم لم يعودوا. وعلى رغم مرور السنوات، تثير هذه المسألة الانقسام. وأعلنت مركل في 2010 ان السعي الى «بناء» مجتمع متعدد الثقافات أخفق. وخلصت دراسات ألمانية الى ان اندماج الجيل الثالث من المهاجرين المتحدرين من أسر تركية، أضعف من اندماج الجيل الأول. «لم ننجح في دعم الجيل الثالث ولا في دمجهم في المجتمع»، يقول هينز - بيتر ميدينغر، مدير مركز دراسات.

ولكن ألمانيا في حاجة ماسة الى المهاجرين، وعلى وجه التحديد، الى الشباب منهم. فالمجتمع الألماني يشيخ ويتقلّص حجمه. وألمانيا تربعت محل اليابان في صدارة معدل ادنى الولادات في العالم في 2015. والقوة العاملة تشيخ. والخطر يتهدّد الإنتاجية الألمانية المرتفعة ونظام الضمان الاجتماعي السخي. نقلا عن الحياة

* صحافي صاحب موقع تحليل الصحافة الصينية، عن «فورين بوليسي» الأميركية، 15/9/2015، إعدادم.ن

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟