المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
جان – بابتيست جانجين فيلمر
جان – بابتيست جانجين فيلمر

التدخل العسكري حميد وقانوني... ليس استعماراً جديداً و لا غنى عنه

الأربعاء 28/أكتوبر/2015 - 11:27 ص

مع انتشار الفوضى في ليبيا ونفوذ «داعش» في العراق وسورية وتقدُّم طالبان في أفغانستان، قد يرى بعضهم أن الطعن في التدخل الغربي في الأعوام الخمسة عشر الأخيرة والأزمات التي تلتـــه، في محلّه. ولا غنى، من غير شك، عن استــخلاص عِبَر إخفاقات الغرب من غير إفـــراط في «تبسيط» الأمور، ومن غير الخلط بيـــن تدخلات قانونية أو مشروعة وأخـــرى خرجت على الإجماع الدولي الأممي. واجتياح العراق في 2003 هو استثناء، فهو حرب اختيارية لم يقرها مجلس الأمن، على خلاف عمليات التدخل الأخرى.

ولا تقوم قائمة لمقارنة التدخل في ليبيا (2011) باجتياح العراق، وهو عدوان غير قانوني. وترمي المقارنة الى الطعن في مشروعية القرار الأممي 1973، الذي أجاز التدخل في ليبيا، والحطّ من شأنه. وعلى رغم أن القرار 1973 لم يشرع تغيير النظام، لم يستبعده كإجراء ضروري محتمل لحماية المدنيين. ورمت عمليات القصف الى إضعاف النظام إثر تهديده سلامة المدنيين. وساهم تقويض النظام الليبي في انهياره. لكن إطاحته لم تكن «هدف» التدخل.

والأزمة في ليبيا هي من بنات عوامل متشابكة. ويغفل أن الأمور سارت على ما يرام في هذا البلد طوال أكثر من عام على التدخل. فالدولة الليبية لم تنهار حين وفاة معمر القذافي. وبدأت سيرورة انتهت الى تنظيم استفتاء لا نظير له في تاريخ البلد في السابع من تموز (يوليو) 2012. فأعادت فرنسا فتح أبواب سفارتها في ليبيا، وأرسلت فريق مستشارين. وهذه المرحلة هي خير دليل على أن الفوضى اليوم ليست وليدة التدخل، بل هي ترتبت على غياب القدرة على استباق الأزمة وضعف الدعم الدولي ورفض الحكومة الجديدة المحلية مثل هذا الدعم.

 

تدخل مبتور

توجّه، اليوم، سهام النقد الى الغرب، ويندّد بعدم مبادرته الى عملية إرساء استقرار في مرحلة ما بعد التدخل في ليبيا. لكن، لو سعى الى إرساء الاستقرار، لاتُّهم بالتدخل النيو كولونيالي (استعماري جديد). ولم يكن «داعش» ليبصر النور في العراق وسورية، لولا التدخل الأميركي، وعلى وجه التحديد، قرار حل جيش صدام حسين. والى التدخل الأميركي، ساهم إفراج بشار الأسد في 2012، عن عشرات الجهاديين لشق صفوف المعارضة المعتدلة وتقويضها وإطاحتها، في نشوء «داعش». ولا تقتصر التربة الغنية التي ولدت «داعش» على هذين العاملين أو القرارين (حلّ الجيش العراقي وإطلاق سراح الجهاديين)، وترفدها كذلك سلسلة من العوامل مثل النموذج الأيديولوجي المستوحى من سلفية جهادية يدعمها أفراد عرب، والاستقطاب المتعاظم الوثيق الصلة بتفاقم الشقاق بين السنّة والشيعة في العراق على وقع الإرهاب الجهادي الزرقاوي، وتكاثر عدد الميليشيات الشيعية وسياسة المالكي الكارثية في معاداة السنّة.

ومن يطعن اليوم في نتائج عمليات التدخل، لا يملك القول ما كانت ستكون عليه الحال في هذه المناطق في غياب التدخل. والوضع في أفغانستان كارثي اليوم، لكن من يسعه الزعم بأن ترك البلد في أيدي طالبان و «القاعدة» كانت تُرتجى منه فائدة في إرساء السلام والأمن العالميين؟ ولولا التدخل في ليبيا في 2011، لربما كانت الحال فيها مثل الحال في سورية اليوم: القذافي في السلطة في بلد منقسم ويعمّه دمار سنوات من الحرب الأهلية. ولربما كانت أعداد اللاجئين أعظم. وكان القذافي ليوجه سلاح المهاجرين الى الغرب في عملية ابتزازه (حمله على غض النظر عن انتهاكاته). و «أزمة المهاجرين» التي تشكو منها أوروبا منذ أشهر، كانت لتعصف بها عصفاً كبيراً في وقت أبكر.

 

الطعن في التدخل

ويرجح أن القذافي لم يكن ليقف موقف المتفرّج إزاء عملية انتقالية ديموقراطية في تونس، وكان ليزرع الاضطرابات هناك. وكان سيخسر على الأرجح، السيطرة على مساحات كبيرة من ليبيا في الحرب الأهلية، شأن الأسد اليوم في سورية. ولن يترتب على بقائه في السلطة عدم ذيوع النفوذ الجهادي في المنطقة الساحلية – الصحراوية، ولن يحول دون بروز «داعش»، وكان ليزعزع الاستقرار الوطني والإقليمي.

وتسليط الضوء على التدخل في أفغانستان والعراق وليبيا في شجب التدخل، يفتقر الى النزاهة. فهو يسكت عن عمليات عسكرية (ناجحة) شنت في الأعوام الأخيرة، وحالت دون نشوء دولة جهادية في مالي، ودون وقوع إبادة في جمهورية أفريقيا الوسطى، ودون تمدد «خلافة» «بوكو حرام» الى 4 دول على أقل تقدير، ودون اندلاع حرب إقليمية في جوار أفريقيا الوسطى تشارك فيها ثماني دول. وتترتب على التدخل وعلى غيابه كلفة ونتائج.

وثمة من يرى أن عمليات التدخل هي مرآة الاستعمار الغربي الجديد. لكن الغرب لا يجمع على التدخل. فهو انقسم في الرأي حول التدخل في كوسوفو في 1999 (الأميركيون والبريطانيون في وجه ألمانيا وإيطاليا واليونان)، وحول التدخل في العراق في 2003 (الأميركيون والبريطانيون والأستراليون ضد الفرنسيين والألمان). ولم يؤيد الأوروبيون عمليات التدخل الفرنسي الأخيرة في أفريقيا. ويفترض نقد ما بعد الكولونيالية، أن ثمة سياسة استعمار جديدة. لكن الميل اليوم هو الى تفادي احتلال أو تدخل طويل الأمد على نحو ما حصل في الصومال، وليبيا الغنية بالنفط، وسيراليون وجمهورية الكونغو الديموقراطية ودارفور وسريلانكا. وفي هذه البلدان وغيرها، يؤخذ على الغرب إحجامه عن التدخل أو تدخّله الخجول.

وهذا النقد الما بعد الكولونيالي (وهو نقد يرى أن التدخل الغربي هو استعمار جديد) يغالي في تضخيم التدخل الغربي، ويبخس قدر التدخل الروسي (جورجيا في 2008، وأوكرانيا في 2014، وسورية في 2015)، والتدخل العربي (ليبيا في 2011، والعراق في 2014، وسورية في 2015)، والإيراني (بالتنسيق مع «حزب الله» في سورية)، والأفريقي (الإثيوبي في الصومال في 2006، والسنغال في اليمن في 2015، الخ). ومن يوجهون سهام النقد الى الآثار السلبية المترتبة على التدخل الغربي، لا يقيمون وزناً لنتائج التدخل في اليمن أو التدخل الروسي في سورية، ولا يكترثون لانتهاك القانون الدولي الإنساني ولا لاستهداف الأبرياء.

ولا شك في أن علاج المشكلات الاجتماعية والسياسية ليس القنابل ولا التدخل العسكري. لكن لا غنى عن التدخل في بعض الأحوال. فالوقوف موقف المتفرج في سورية لم يذلّل الأزمة، ولم يحل دون وقوع 260 ألف قتيل ونزوح 8 ملايين نسمة وسلك 4 ملايين طريق الهجرة. لذا، يجب تناول معضلة التدخل العسكري تناولاً يقف على طابعها المركب والمؤتلف من عناصر كثيرة عوض الانسياق وراء التنديد اليسير. نقلا عن الحياة

* مدير دراسات شؤون الحرب في «كوليج ديتود مونديال» أستاذ في العلاقات الدولية في جامعة سيانس بو الباريسية، عن «لوموند» الفرنسية، 11-12/10/2015، إعداد منال نحاس

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟