من وجهة نظر الرئيس السوري بشار الأسد، جاءت زيارته موسكو (في 20 تشرين الأول - أكتوبر الماضي) لتبرهن استمرار حضوره واعتزامه البقاء في السلطة. من وجهة نظر روسيا، تظهر الزيارة الدعم للحكومة السورية وأنها ستؤدي دوراً حاسماً في مستقبل البلاد. اذا صدّقنا إعلانات الكرملين، فقد تحدثوا كثيراً عن المفاوضات. وقال الأسد بضعة اشياء لم يقلها حتى الآن، منها ان على جميع السوريين المشاركة في تسوية سياسية. ويبحث الجانبان (روسيا والنظام السوري) في استخدام وضعهما القوي الذي حققوه في الأسابيع القليلة الماضية للبدء بمفاوضات، تتضمن حتماً تنازلات مهمة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها والمعارضة السورية.
ولا أرى أن الولايات المتحدة في موقف ضعف امام استعراض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قوته. فعلى العكس من روسيا، لم تزج واشنطن بوسائط عسكرية ذات شأن في حملة خاسرة سلفاً. الجرأة لا تعني سوى القوة. لكن روسيا في موقف ضعيف لأن الولايات المتحدة تملك من الوسائط العسكرية اكثر من روسيا بكثير اضافة الى حلفاء امتن واقتصاد اقوى بأشواط ناهيك عن حيازتها خيارات متعددة. نشرت روسيا في سوريا قوات ذات نوعية عالية لا تمتلك الكثير منها. وستنفق مالاً طائلاً لا تملكه، كل ذلك من اجل صراع لا يتسم بأهمية شديدة بالنسبة اليها.
ما يفسر التدخل الروسي، جزئياً إذاً هو غطرسة بوتين الذي يريد ان تبدو روسيا كقوة عالمية. المشكلة التي تواجه هذا التصور هي ان ليس لموسكو استراتيجية لإنهاء الصراع. ويعلم الروس ان نصراً عسكرياً مطلقاً امر محال، لذلك يدعون الى مفاوضات. وإذا لم يحصلوا عليها لا يمكنهم إبقاء قواتهم الى الأبد في سورية. وعندما ينتبهون الى ورطتهم، وهو ما سيحصل لا محالة، لن يكون لديهم استراتيجية خروج. هذا السيناريو ليس بجديد: رأيناه مع الأميركيين في العراق ومع الروس في افغانستان. وفي نيسان (ابريل) 2003، عندما انتصر الجيش الأميركي على جيش صدام حسين واستولى على بغداد في ثلاثة اسابيع، اعتقد الجميع ان الولايات المتحدة اثبتت علو يدها. تبين ان ذلك خطأ كلياً. العراق لم يعزز قوة اميركا، بل اضعفها على نحو دراماتيكي. سورية تقيم في ذات الدينامية، ولا ارى لماذا يجب ان تكون النتيجة مختلفة.
وتبدو روسيا مستعدة للتفاوض وتريد صادقة ان تضع حداً للحرب من خلال حل سياسي. لكن أي حلول وسط يقبل الروس بفرضها على نظام الأسد؟ في الواقع، هم اقل ميلاً الى تقديم حلول وسط اليوم مما كانوا عليه قبل شهور عندما كان الأسد يعاني من وضع حرج. من جهة ثانية، تبقى مسألة رحيل الرئيس السوري نقطة خلاف رئيسة. من وجهة نظر النظام، سيؤدي أي اتفاق يتضمن تقاسم السلطة في سورية الى خسارته ويعلم لكونه نظاماً اقلوياً ارتكب المجازر وهمّش اكثرية السكان منذ ما يزيد عن اربع سنوات، انه لن يكون قادراً على الصمود مع اتفاق كهذا. وهذه صعوبة تعجز روسيا والولايات المتحدة وحلفاؤها عن تجاوزها في الوقت الراهن. لا يعني ذلك استحالة البدء بالتفاوض، لكن يعني عدم القدرة على انجازه. نقلا الحياة
* مدير أبحاث العلاقات الدولية في معهد «بروكينغز إنستيتيوت»، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 21/10/2015،
إعداد حسام عيتاني