المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. هشام مراد
د. هشام مراد

ماذا تغير فى سوريا بعد الضربات الجوية الروسية؟

السبت 07/نوفمبر/2015 - 11:09 ص

كيف تغير الوضع العسكرى والسياسى فى سوريا منذ أن شنت روسيا فى 30 سبتمبر حملة ضربات جوية ضد تنظيم داعش الإرهابى وبعض قوى المعارضة المسلحة التى تسعى لإسقاط الرئيس بشار الأسد ؟ أولا، استطاع الجيش السوري أن يستعيد بعض الأراضي التي فقدها منذ بداية العام الحالى لصالح قوى المعارضة.

لاشك أن هذه المكاسب العسكرية ما زالت متواضعة حتى الأن. إلا أن الأمر الأكثر أهمية هو التأثير النفسي السلبي للغارات الجوية الروسية على الروح المعنوية لقوات المعارضة والأثر الإيجابي لها على الجيش السورى. فالواقع أنه رغم تواضع مكاسب النظام السورى، إلا أنها تعد الأولى منذ فترة طويلة، وعلى أقل تقدير منذ العام الماضي. فمع تواصل القتال لأكثر من خمس سنوات ونصف، وهو ما أنهك الجيش السورى، ضعفت قبضة النظام بشكل تدريجى على أجزاء كبيرة من البلاد وتقدمت المعارضة على جبهات عديدة، خاصة داعش التى سيطرت على أكثر من ثلثى البلاد، خاصة فى الشمال الشرقى والوسط.

وقد تواترت إثر ذلك التحليلات مؤكدة قرب سقوط الرئيس بشار الأسد أو تقسيم البلاد على أسس طائفية ومذهبية بين السنة الذين يشكلون أغلبية السكان (74%) والعلويين (8%) الذين يسيطرون على النظام السياسى فى دمشق وعلى المدن الواقعة على ساحل البحر المتوسط. لكن التدخل العسكرى الروسى المباشر لصالح دمشق، بالتنسيق مع ايران، قلب هذه التوقعات رأسا على عقب. فالنتيجة الأولى للضربات الجوية الروسية تتمثل فى وقف التقهقر التدريجى للسلطة في دمشق ومنع احتمال سقوطها قريبا وإعطائها دفعة سياسية قوية تمكنها من المشاركة فى أى مفاوضات سلام محتملة قادمة.

دفع التدخل العسكرى الروسي الحاسم حلفاء المعارضة المسلحة، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبعض الأطراف الإقليمية الفاعلة كالسعودية وتركيا وقطر، لتعزيز وتسريع وتيرة مساعداتهم للجماعات المناهضة لدمشق. وهكذا ظهر جليا أن حلفاء كلا الطرفين المتنازعين على غير إستعداد لقبول هزيمة حلفائهم فى سوريا، لأن ذلك سيعني هزيمتهم هم أيضا.

والنتيجة الفورية لذلك هى إشتداد النزاع المسلح، حيث تسعى الأطراف المتحاربة إلى حل الصراع على أرض المعركة. وبرغم هذا التطور السلبى على المدى القصير، فإن التدخل العسكرى الروسى دفع حلفاء كلا الجانبين، بما فيهم موسكو، إلى السعى للتوصل لحل سلمى. فقد تبين لهؤلاء، بعد التدخل الروسى، عدم قدرة حلفائهم داخل سوريا على حسم المعركة لصالحهم بسبب الدعم العسكرى القوى الذى يتلقاه كلا الطرفين من الخارج. والنتيجة المنطقية لذلك هو جلوس الحلفاء الخارجيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وروسيا، إلى مائدة التفاوض بهدف التوصل إلى الحد الأدنى من التفاهمات السياسية حول تسوية الوضع فى سوريا ثم محاولة فرضها بعد ذلك على الأطراف المحلية.

ولاشك ان إجتماعى فيينا بشأن الأزمة السورية فى 30 و23 أكتوبر، اللذان سيعقبهما لقاءات أخرى، هما التجسيد الفعلى لهذا التوجه. وهما أول محاولة جدية للتوصل لتسوية سلمية فى سوريا منذ نحو عامين. ولاريب أن مخاوف واشنطن من إحتمال حدوث إشتباك أو صدام غير مقصود بين الطائرات الأمريكية والروسية فوق المجال الجوى السورى، وهو ما قد يكون له عواقب وخيمة، كان أحد الأسباب التى حدت بها إلى الإسراع بعقد مباحثات سياسية مع روسيا بشأن النزاع السورى بعد أن كانت ترفض ذلك من قبل. 

ودون إستباق نتائج تلك المباحثات، فإن الأمر المؤكد هو ان التدخل العسكرى الروسى قد ساهم فى تغير مواقف الدول الغربية من النظام السورى والرئيس بشار الأسد تحديدا. وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هى أول من طالب بصراحة ووضوح مؤخرا بضرورة إشراك الأسد في أي مفاوضات قادمة حول مستقبل سوريا. وقد حذا حذوها وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الذى قال بعبارات أكثر دبلوماسية أنه من الضرورى "التحدث معه (الاسد) كعنصر فاعل في هذه العملية". لاريب أن أزمة تدفق عشرات الألاف من اللاجئين السوريين على دول غرب أوروبا كانت أحد أسباب تبدل مواقف الدول الأوروبية، خاصة ألمانيا التى تتحمل العبء الأكبر فى إستقبال اللاجئين، لكن التدخل العسكرى الروسى فى سوريا ساهم كذلك فى تغيير مواقف الغرب الذى كان يطالب حتى وقت قريب برحيل الأسد كشرط مسبق لأى مفاوضات سلام.

وعلى الرغم من أن موقف الولايات المتحدة المطالب برحيل بشار الأسد لا يزال رسميا دون تغيير، فإن واشنطن، مثل العواصم الأوروبية، خففت من خطابها تجاه دمشق، وإن كان علي نطاق أضيق. فهى لم تعد تستخدم لهجة قاطعة حاسمة كما كانت من قبل للتنديد بالنظام السورى والمطالبة برحيل فوري للأسد، وإنما قبلت ببقائه فى السلطة خلال فترة إنتقالية. ولاشك أن تغير مواقف حلفاء واشنطن الأوروبيين، فى أعقاب أزمة اللاجئين السوريين، والتدخل العسكرى الروسى أثمرا فى تبدل موقف الإدارة الأمريكية.

ويضاف لما سبق أن واشنطن بدأت تدرك مؤخرا عدم فاعلية إستراتيجيتها فى سوريا ضد نظام دمشق وتنظيم داعش الإرهابى. فقد شكلت الولايات المتحدة تحالفا دوليا وإقليميا فى سبتمبر 2014 لتوجيه ضربات جوية لداعش فى سوريا والعراق. وبرغم نجاح تلك الضربات فى إلحاق الخسائر بالتنظيم وإضعاف قدرته على التمدد عسكريا، إلا إنه إتضح عدم قدرتها على القضاء على التنظيم بدون شن هجوم برى واسع، وهو أمر غير متاح فى الوقت الراهن من جانب أى قوى على الأرض. وترتكز إستراتيجية واشنطن كذلك ضد دمشق وداعش على دعم ما تسميه بالمعارضة المعتدلة فى سوريا. وتلك المعارضة منقسمة على ذاتها سياسيا وضعيفة جدا عسكريا ولا يمكنها تغيير الوضع على الأرض وهى لا تشكل بالتالى بديلا ذو مصداقية للنظام الحاكم أو قوة موازنة لأطراف المعارضة الأخرى. فالجماعات المسلحة التى يعتد بها داخل سوريا تتشكل أساسا من القوى الإسلامية، ومعظمها وأقواها من المتطرفين دينيا مثل داعش وجبهة النصرة، وهى الفرع السورى لتنظيم القاعدة الإرهابى، والتى تشكل عماد ما يسمى بجيش الفتح الذى يسيطر على محافظة إدلب الواقعة فى الشمال الغربى والمتاخمة لتركيا. ومن المعروف أن كثير من الأسلحة التى ترسلها الولايات المتحدة للمعارضة المعتدلة ينتهى بها الحال فى أيدى المجموعات المتطرفة دينيا، حيث أن واشنطن تعجز فعليا عن التمييز بين المعتدل والمتطرف فى أتون الحرب الأهلية السورية التى يتناحر فيها مئات الجماعات المسلحة. كما أن إشتداد ساعد الجماعات المتشددة دينيا يدفع بكثير من المعتدلين إلى تغيير ولائهم والإنتفال لصفوف قوى التطرف. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟