المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
محمد شومان
محمد شومان

المال السياسى- الإعلامى والبرلمان

الإثنين 09/نوفمبر/2015 - 11:28 ص

يشتكي معظم خبراء وأساتذة الإعلام، ومعهم الجمهور، من فوضى الإعلام، التي أدت إلى الخوض في الحياة الخاصة للمواطنين، وتراجع مصداقية الإعلام، والإساءة إلي عموم الإعلاميين، والأخطر انصراف الناس عن متابعة الإعلام واحترامه، وأعتقد أن فوضي الإعلام نتجت عن أسباب كثيرة أهمها على الإطلاق هو تزاوج رأس المال بالسياسة والإعلام، حيث يمتلك أقل من عشرة رجال أعمال أهم وكالات الإعلان ووسائل الإعلام وأكثرها متابعة، وربما تأثيراً، ويمتلك بعضهم ويدير في الوقت نفسه أحزاباً، في ظاهرة تبلورت بعد ثورة يناير ، ويمكن تسميتها بـ «المال السياسي الإعلامي».

في هذه الظاهرة يوظف رأس المال السياسة والإعلام للدفاع عن مصالحه، ما يعني أن كلاً من الإعلام والسياسة مجرد أداتين لتحقيق مصالح رأس المال، وبالتالي لا يهتم رأس المال بالمستويين المهني أو الأخلاقي في الإعلام أو في السياسة، ويتعامل بمنطق البيع والشراء والبحث عن الربح، بغض النظر عن اهتمامات الناس ومصالحهم، أو اهتمامات الإعلاميين وعشقهم لمهنتهم، وسعيهم للدفاع عن حرية الرأي والتعبير. باختصار فإن البرجماتية تسيطر علي تعامل رأس المال مع الإعلام والسياسة، وأنا هنا أتحدث دائما عن الإعلام والسياسة، لأنه لا يمكن فصل الإعلام عن السياسة، ومن الصعب أن يكون هناك سياسة دون مجال عام وإعلام حر.

وسبق لي قبل الجولة الأولى للانتخابات ومن هذا المكان - التحذير من هيمنة ثالوث المال والإعلام والسياسة علي البرلمان، نظراً للقدرات المالية والإعلامية الكبيرة لهذا الثالوث، إضافة لقدرته علي التحايل على القواعد المنظمة للانتخابات، والحدود المسموح بها في تمويل الحملات الانتخابية للمرشحين الأفراد، وللأسف هذا ما حدث في الجولة الأولى، وأزعم أن قناة أون تي في قد بثت أشكالاً من الدعاية لحزب المصريين الأحرار ومرشحيه، تتجاوز بكثير الحد الأقصى المسموح به في الدعاية الانتخابية، إذا ما قدرت القيمة السوقية الحقيقية لهذه الإعلانات.

وقد رصدت لجنة تقييم الأداء الإعلامي تجاوزات أربع قنوات هي أون تي في الفراعين القاهرة والناس وسي بي سي، لكن الغريب أن اللجنة العليا للانتخابات اكتفت بمطالبة هذه القنوات بالاعتذار، في إهدار حقيقي وفادح لصدقيتها، وللقانون الذي يجب أن يطبق على الجميع، والملاحظ أن اللجنة المشرفة على الانتخابات لم توقع عقوبات على الأحزاب والمرشحين المستقلين الذين استخدموا المال السياسي في التأثير على الناخبين، بشكل يتناسب مع الوقائع والتفاصيل الكثيرة التي رصدتها وسائل الإعلام في لجان مختلفة. وأتمنى أن تجتهد لجنة الانتخابات في المرحلة الثانية في رصد كل أنواع المخالفات وتطبيق القانون بكل حزم على الجميع، ولا داعي لمنهج الاعتذار الذي لا ينفع في مواجهة فوضي الإعلام ونفوذ ثالوث المال السياسي الإعلامي.

مع ذلك أتوقع أن يحصد ثالوث المال والسياسة والإعلام عددا كبيرا ومؤثرا من مقاعد البرلمان، وربما يحقق الأغلبية أو يقترب منها، ما قد يسمح له بتشكيل الوزارة أو علي الأقل أن تكون له كتلة مؤثرة في البرلمان، تمكّنه من التأثير في عملية التشريع والرقابة علي أداء الحكومة وأجهزة الدولة. وطبعاً سيخدم الإعلام التابع لكتلة رأس المال نوابه في البرلمان، ويتلاعب بوعي الرأي العام، ويدفعه لدعم أفكار ومطالب ثالوث رأس المال السياسي الإعلامي.

في هذا الإطار تقلقني التأثيرات المتوقعة لنواب المال السياسي - الإعلامي علي أي محاولات لتحقيق العدالة الاجتماعية، أو دعم القطاع العام وتطويره، فمن المرجح أن يعمل نواب هذا الثالوث ضد أي زيادة لدور الدولة في الاقتصاد، وكذلك ضد المساس بالمزايا التي حصلت عليها رأسمالية المحاسيب في عصر مبارك. وفي المجال السياسي اعتقد أن هذا الثالوث سيقف ضد التحركات الخارجية للسياسة المصرية، الرامية لزيادة التعاون مع دول الخليج، وقيام مصر بالتزاماتها للدفاع عن الأمن القومي العربي. كما قد يعرقل توجه مصر نحو روسيا والهند والصين، لمصلحة استمرار العلاقة مع واشنطن بصورتها الموروثة من عصر مبارك.

وفي تنظيم الاعلام ، لن يتخذ نواب الثالوث مواقف داعمة لإصدار قوانين تفعل ما جاء في الدستور، بحيث تضمن حريته وتحميه من الاحتكار وسطوة الإعلانات، بل على العكس سيعمل من أجل إصدار قوانين تؤكد الطابع الاحتكاري لبعض كيانات الإعلام الخاص، ولبعض ممارسات وكالات الإعلان، كما أخشى من حرب هؤلاء النواب علي إعلام الدولة والتضييق عليه، بحيث لا يتمكن من إصلاح وتطوير نفسه، كي يصبح إعلاماً للخدمة العامة، ويظل كما هو عاجزا عن المنافسة، ومثقلا بالديون والمشكلات الإدارية، ولاشك أن من مصلحة ثالوث المال السياسي والإعلام بيع أو تصفية إعلام الدولة، واستمرار عملية تقزيم دوره، لأن تطويره يضر بهيمنة هذا الثالوث على عقول وقلوب المصريين، علاوة علي سيطرتهم علي النصيب الأكبر من حصيلة الإعلانات.

وهنا يكاد الثالوث يكرر موقفه إزاء القطاع العام، حيث عارض ومازال وبكل الطرق تطوير مصانع وشركات القطاع العام، وقام بشراء ما تم بيعه في إطار عملية الخصخصة، والاستفادة منه. وأتوقع ألا يطالب الثالوث بخصخصة ماسبيرو أو الصحف القومية - وكلها متعثرة مالياً - لأنها غير مجدية اقتصادياً، وبالتالي سيستمر في إعاقة عمليات تطويرها، وسرقة الكوادر من إعلام الدولة، وهي سرقة بغطاء قانوني، حيث يعمل مئات الإعلاميين الذين تدربوا في إعلام الدولة في الإعلام الخاص، وهؤلاء يمثلون النسبة الأكبر من مجموع العاملين، حيث لم يدرب الإعلام الخاص إلا أعدادا قليلة للغاية من الإعلاميين.

أتمني أن تدرك الدولة هذه المخاطر، وتدرك أهمية الإبقاء علي ماسبيرو والصحف القومية بعد إعادة هيكلتها وتطويرها، بحيث تقدم نموذجاً راقياً لإعلام الخدمة العامة، القادر علي منافسة الإعلام الخاص والإعلام الأجنبي الناطق بالعربية، أقول أتمني، لأن الدولة لا تملك رؤية عامة، وبالتالي لا تملك رؤية أو تصورا يمكن تطبيقه في المجال الإعلامي. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟