المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. عبد العليم محمد
د. عبد العليم محمد

نحـن جميعـا روس

السبت 14/نوفمبر/2015 - 11:01 ص

 فى صبيحة اليوم التالى لأحداث 11 سبتمبر عام 2001، أى الثانى عشر منه، صدرت صحيفة «لوموند» الفرنسية وهى من كبريات الصحف الأوروبية والعالمية بعنوان رئيسى «نحن جميعا أمريكيون» وهى الترجمة العربية للعنوان باللغة الفرنسية Nous Sammes tous Des americains والمعنى واضح يعبر عن التعاطف مع شعب الولايات المتحدة الأمريكية ومواطنيها ضحايا هذا الحادث الإرهابى الإجرامى واعتبار أن هؤلاء الضحايا ليسوا فحسب ضحايا الولايات المتحدة الأمريكية بل ضحايا فرنسا وأوروبا والعالم أيضا، وهو عنوان بالغ الدلالة فى عمق التعاطف مع ضحايا الإرهاب الإجرامى، ويرسم فضلا عن ذلك سقفا واضحا إنسانيا وأخلاقيا ودوليا للتعامل مع ضحايا الإرهاب.

وهذا العنوان الذى صدرت به صحيفة لوموند صبيحة الكارثة الإرهابية التى وقعت بالولايات المتحدة الأمريكية فضلا عن قيمته الأخلاقية والإنسانية فى تحديد النظرة العالمية والكونية لضحايا الإرهاب واعتبارهم ضحايا العالم وليسوا ضحايا دولة فحسب، تضمن فضلا عن ذلك اعترافا فرنسيا وأوروبيا بجميل الولايات المتحدة الأمريكية على أوروبا عندما أسهمت بشكل مؤثر فى دحر النازية والفاشية الألمانية والإيطالية واليابانية فى الحرب العالمية الثانية وكذلك عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب بمساعدة أوروبا فى إعادة البناء والإعمار من خلال مشروع مارشال.

ولا شك فى أن حادث الطائرة الروسية التى انفجرت فى سيناء وراح ضحية الانفجار ما يفوق المائتين من المواطنين الروس الأبرياء يحملنا على الاقتداء بصحيفة «لوموند» والقول «بأننا جميعا روس» تعبيرا عن تعاطفنا ومواساتنا للشعب الروسى وضحاياه، والتأكيد أن هؤلاء الضحايا من المواطنين الروس ليسوا فحسب ضحايا روسيا الاتحادية بل هم ضحايانا أيضا ونكن لهم أعمق مشاعر الحزن والمواساة. ولا يعنى ذلك بحال من الأحوال استباق نتائج التحقيق فى حادث الطائرة والقول بأن الحادث كان نتيجة عمل إرهابى كما سارعت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية إلى ذلك خلافا لما استقر عليه العرف والعمل والتضامن الدولى فى هذا النمط من كوارث الطيران.

ولا شك فى أن المواقف الدولية التى عبرت عنها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية وغيرها إزاء حادث الطائرة الروسية قد خرجت عن سياق المألوف والممارسات المعتادة والتقاليد الدولية إزاء هذا النمط من كوارث الطيران لأسباب عديدة يجىء فى مقدمتها استغلال الحادث لتحقيق أهداف سياسية تتعلق بنظرتها لما حدث فى مصر فى الثلاثين من يونيو عام 2013، والثالث من يوليو عندما تم إنهاء حكم الإخوان المسلمين ووقف الخطة الدولية لتسهيل مهمة سيطرة الجماعات الدينية المتطرفة والإرهابية على مقدرات مصر والمنطقة ومن ثم السخط على مصر، ورئيسها لأنها أوقفت هذه الخطة وعوقتها ليس فحسب فى مصر وإنما فى دول أخرى عربية، وبناء على ذلك كان حادث الطائرة الروسية مناسبة للانتقام من مصر، وذريعة لاستئناف محاصرتها وضرب سياحتها باعتبار هذه السياحة أحد المصادر المهمة للنقد الأجنبى وانطلاق الاقتصاد المصرى حتى ولو كان ذلك على حساب التقاليد الدبلوماسية المرعية والمعمول بها بين الدول فى أثناء الزيارات الرسمية وكأن الهدف استدعاء وإحياء التقاليد الاستعمارية فى معاملة مستعمراتها سابقا، من ناحية أخرى فإن توصيف مواقف هذه الدول على هذا النحو يستند أيضا إلى تجاهل الفاجعة الإنسانية للطائرة المنكوبة وضحاياها وإهمال التقاليد الدولية المعمول بها فى مثل هذه الأحداث مثل تبادل المعلومات والتنسيق بين الجهات المعنية لفك شفرة ما حدث وتقديم كل أشكال الدعم الفنية واللوجستية تمهيدا لتفادى أى عثرات ممكنة تحول دون جلاء الحقيقة بكل أبعادها.

حسابات السياسة والمصالح الضيقة طغت على حسابات الأخلاق والإنسانية بشكل واضح لا لبس فيه، بل تعدى ما كان يمكن أن يتصوره أى عاقل فى ظل الحديث عن القيم الكونية والعالمية والإنسانية المشتركة، غلبت على المواقف نزعات تصفية الحسابات والانتقام والشماتة، لأن روسيا التى ينتمى إليها الضحايا تبحث عن مكانتها ومصالحها وتقاوم الإرهاب مقاومة فعالة داخل وخارج أراضيها ولأنها كسبت العديد من النقاط فى جولاتها مع الغرب فى أوكرانيا والقرم وجورجيا وأوسيتيا الجنوبية وفى سوريا أيضا، ولأن مصر قطعت الطريق على مخطط سيطرة الإسلام السياسى وجماعاته المختلفة على مقدرات المنطقة وحالت دون تفتيت الدولة المصرية وجيشها، من ثم فالدولتان التى ينتمى إليهما الضحايا وتلك التى وقعت فيها الحادثة ليسوا على وفاق مع الرؤى والتصورات الغربية لإدارة شئون العالم والشرق الأوسط.

«نحن جميعا روس» تعبير ليس فقط عن عمق أحزاننا ومواساتنا للشعب الروسى وضحاياه الأبرياء بل كذلك تعبير عن عرفان للاتحاد السوفيتى السابق ولروسيا الاتحادية وريثته عن مواقفهما إزاء قضايانا سواء الداخلية والخارجية على حد سواء طوال هذه العقود المنصرمة فلم يبخل الاتحاد السوفيتى السابق ولا روسيا الاتحادية حاليا علينا بالدعم والسلاح والمؤازرة الدبلوماسية والسياسية ولا الدعم العلمى والتكنولوجى، ومن ثم فنحن نعتبر هؤلاء الضحايا ضحايانا ويستحقون منا كل أشكال المواساة، لأننا وهم فضلا عن انتمائنا جميعا للإنسانية المشتركة، فإننا نمتلك رؤى وسياسات ومصالح مشتركة ونطمح جميعنا إلى عالم أفضل وإدارة أكثر رشدا للقضايا العالمية.

الإرهاب ليس حكرا على مصر والساحة المصرية بل هو خطر ذو أبعاد عالمية وكونية لم تنج منه عواصم مثل باريس ونيويورك وواشنطن ولندن ومدريد؛ ولمصر السبق فى التنبيه على مخاطره مبكرا والدعوة لمؤتمر عالمى حول الإرهاب تعريفه وأسبابه وطرق مواجهته، وليس لدى الآخرين دولا وحكومات أى مآخذ على الموقف المصرى إزاء الإرهاب، فبعض هذه الدول هى التى شجعت الإرهابيين ووظفتهم لتحقيق مصالحها وواصلت دعمهم إلى أن أصبحت هذه الدول ذاتها هدفا لهم. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟