المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

مفهوم الدولة التنموية وتطوره استبيان بيريز كالدينتي(1 )

الأحد 15/نوفمبر/2015 - 10:42 ص
عرض: محمود أحمد عبد اللـه
تحاول هذه المقالة تقديم تعريف لمفهوم الدولة التنموية، ومحاولة لتأصيل بدايتها وتطورها التاريخي في الساحة الأوربية والأمريكية. علاوة على ذلك يحاول المؤلف طرح مفهوم جديد مستفيدًا من الانتقادات التي وجهت من الليبرالية الجديدة.  
مصطلح "الدولة التنموية" يشير إلى الدولة التي تتدخل وتوجه مسار التنمية الاقتصادية
أولا- المفهوم
 مصطلح "الدولة التنموية" يشير إلى الدولة التي تتدخل وتوجه مسار التنمية الاقتصادية. وهي ترتبط بالأساس بنمط السياسات الاقتصادية التي اتبعتها حكومات شرق آسيا في النصف الثاني من القرن العشرين، وتتمثل بالتحديد في نموذج الاقتصاد الياباني بعد الحرب العالمية الثانية. وقد حدد المؤلف المعالم الرئيسية لهذا النموذج في المعالم التي حددها شالمر جونسون في كتاب له حول الموضوع، وهي على النحو التالي:
-    توفر بيروقراطية من نخبة الدولة صغيرة العدد وغير مكلفة من أصحاب المواهب الإدارية المتميزة. وتتمثل مهامها في تحديد واختيارات الصناعات التي تحتاج للتطوير، أي وضع سياسة صناعية، وتحديد واختيار أنجع الطرق لتطوير هذه الصناعات في أسرع وقت، أي سياسة الترشيد الصناعي، والإشراف على القطاعات الإستراتيجية المحددة لضمان جودة وتأثير عملها الاقتصادي. هذه المهام الثلاث يتم تنفيذها في ضوء تدخل الدولة باستيعاب قوى السوق.
ولعل المؤلف هنا يشير في مواضع داخل المقال إلى حسن اختيار الشركات المتعاونة في عملية التنمية، أي السماح لقوى بعينها للمشاركة في التنمية، بحيث يكون الهدف ليس الربح السريع، وفق معطيات السوق، بل لها أن تتنافس فيما بينها لخدمة هدف أسمى وهو "تنمية اليابان".   
-    استخدام آليات الجمع بين آليات السوق وتدخل الدولة في الاقتصاد، وقد قدمت اليابان نموذجا على ذلك تمثل في بناء مؤسسات مالية حكومية ذات نفوذ كبير، وصلاحيات واسعة، وأهداف محددة، وتقوم بالمراجعة للحوافز الضريبية، وتضع الخطط التي تحدد أهداف الاقتصاد، ولها أن تنشئ منتديات رسمية عديدة ومستمرة لتبادل الأراء ومراجعة السياساتن والاستفادة منها في حل الخلافات، كما تعمل على منح بعض وظائف الحكومة لمنظمات خاصة وشبه خاصة. ومن هذه الإجراءات الاعتماد الواسع على الشركات العامة، وبالذات التي هي شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص في ملكيتها، لتنفيذ السياسة في المجالات ذات المخاطر الكبيرة، وأن تخصص الحكومة ميزانية للاستثمار، وتوجيه سياسة للتنافس الدولي والتنموي وليس فقط الحفاظ على المنافسة المحلية، ورعاية الحكومة للبحث العلمي وتطبيقاته (صناعة الحاسب الآلي).    
-      وجود تنظيم ريادي مثل وزارة الصناعة والتجارة اليابانية. هذه الهيئة المنظمة التي تضبط السياسة الصناعية تحتاج أن تتحكم في التخطيط وصناعة الطاقة والإنتاج المحلي والتجارة الدولية والتمويل (سياسة توفير رأس المال وتحديد الضريبة). وأهم مميزات هذه الهيئة الضابطة هي صغر الحجم، وتحكمها غير المباشر في ميزانيات الحكومة، وامتلاكها مركزا بحثيا، ولها مكاتب لتنفيذ السياسة الصناعية، وتمتاز بطابعها الديمقراطي، وليس لها نظير في النظم الديمقراطية الصناعية المتقدمة.

[1] ) Esteban Pérez Caldentey, The Concept and Evolution of the Developmental State, International Journal of Political Economy, Vol. 37, No. 3, Fall 2008, pp. 27-53.


إن دولة كبريطانيا طبقت نموذج الدولة التنموية طوال 235 سنة كاملة
ثانيا- البدايات
كذلك يبين المؤلف أن البلدان الصناعية الكبرى في بداية تطورها التاريخي طبقت مزيجا من السياسات التدخلية في التجارة والصناعة والتكنولوجيا لدفع عجلة صناعاتها البازغة وعمليات الإنتاج. وشملت إستراتيجياتها على الاستخدام الفعال للرسوم الجمركية والصناعات الصغيرة وتطبيق الإجراءات الحمائية. هذه الإستراتيجيات هدفت نحو تطوير القدرات القومية عبر البحوث والتنمية والتعليم والتدريب والحصول على التكنولوجيا الأجنبية والتعاون بين القطاعين الخاص والعام. حتى إن دولة كبريطانيا طبقت نموذج الدولة التنموية طوال 235 سنة كاملة.
ففي الولايات المتحدة، كانت الدولة التنموية في هذه المرحلة أكثر محدودية في نطاقها وتعمل أساسا من خلال سن قوانين التعريفة لحماية الصناعات الوليدة . وقامت الدولة بتخفيض الرسوم الجمركية على الصناعة الواحدة حتى تستقل بذاتها. وصناعة القطن هي أبرز مثال على ذلك.
فيما استخدمت فرنسا وألمانيا مجموعة من الأدوات لتحفيز التنمية الصناعية، ولكن تطبيقها امتد لفترة زمنية قصيرة (اثنين وثلاثين عاما في حالة فرنسا، وثلاثة وسبعين عاما في حالة ألمانيا) .
وقد تبنت دول أمريكا اللاتينية, باستثناءات قليلة, السياسات الانمائية الموجهة بشكل متعمد فى نهاية القرن التاسع عشر، عندما قللت حكوماتها أعباء تمويل المجهود الحربى وتكريس جهودها فى تنمية بلدانها. وظلت السياسات الموجهة سارية إبان الحرب العالمية الأولى.
شملت المجالات الرئيسية للتدخل الحكومي على بناء البنية التحتية مثل تمهيد الطرق والسكك الحديدية; وحماية قطاعات التصدير، وحماية منتجات وصناعات محددة; وتشجيع هجرة العمالة الماهرة. وكانت الأداتان الرئيسيتان للسياسات الإنمائية الحكومية هما الضرائب على الاستيراد والتصدير, والإعفاء من الرسوم الجمركية والإعانات، والإقراض.
إن السياسات الإنمائية التى طبقتها أمريكا اللاتينية ماثلت نظيرتها في أوربا والولايات المتحدة. ومع ذلك, فمعظمها لم يكن فاعلا وليس له تأثير في تغيير الأحوال الاقتصادية. وفى بعض الحالات, كانت السياسات الإنمائية محدودة فى نطاقها. ففى حالة المكسيك انحصر دور الدولة في ضمان توفير أفضل الظروف للاستثمار الخاص دون التدخل المباشر فى المجال الإنتاجى. وفى حالات أخرى, لم تكن السياسات الإنمائية متوازنة. ففي حالة شيلى، اقتصر تدخل الدولة فى نهاية القرن التاسع عشر تحفيز إنتاج المنتجات الزراعية, و وتوفير المواد الخام, ولم يظهر أي تأثير اقتصادى على التصنيع. وكثيرا ما قيل أن الجهود الانمائية التي اعتمدت أساسا على القطاع الخارجى غير كافية فى توفير المستوى المطلوب من التمويل والحماية للصناعات المحلية.

تبنت دول أمريكا اللاتينية, باستثناءات قليلة, السياسات الانمائية الموجهة بشكل متعمد فى نهاية القرن التاسع عشر
ثالثا- نحو مفهوم جديد
وقد تعرض مفهوم الدولة التنموية للنقد مع أزمة الديون التي حدثت في الثمانينيات في أمريكا اللاتينية، والركود الاقتصادي الحاصل في اليابان أيام التسعينيات، والأزمة المالية في عام 1997 بشرق آسيا. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن في أمريكا اللاتينية وشرق آسيا، سجلت أزمة الديون والأزمة المالية لعام 1997 أشد انخفاض في الإنتاج في المنطقتين. وفي أمريكا اللاتينية، بدأ الناس يربطون التدخل الحكومي بارتفاع معدلات التضخم، وعدم التوازن في الاقتصاد الكلي، وسياسات حكومية غير فاعلة. وكان هذا الرأي السلبي لتدخل الحكومة هو جوهر إجماع واشنطن.
وعلى الرغم من فشل سياسات السوق الحرة؛ أي سياسات إجماع واشنطن، في تحقيق النمو، ووجود اعتقاد عام أن "لا أحد يؤمن حقا بإجماع واشنطن بعد الآن"، فإن سياسات هذا الإجماع تسببت في حدوث تغيير جذري في مفهوم تدخل الحكومة ومشاركتها في الاقتصاد. فالتدخل الحكومي اليوم هو تدخل مبرر بسبب قصور سياسات السوق. وقد نبع هذا القصور من فشل السوق في الوصول لنتائج فاعلة ومنصفة.
ولقد استحوذ هذا الوضع على اهتمام واضعي السياسات وكان من وراء معظم التدخلات الحكومية المعروفة اليوم باسم "السياسات العامة". وشملت هذه التدخلات على مجالين: أولهما: تطبيق القواعد والنظام، والتعاقدات، وحماية حقوق الملكية. والثاني هو توفير التعليم (جزئيا)، والرعاية الصحية، والمعاشات. وفيما يوفر المجال الأول إطارا للتفاعل الاقتصادي بين الفاعلين الاقتصاديين وفقا لمبادئ السوق الحرة، يهدف المجال الثاني للتدخل في تخفيض مستويات الفقر وتحسين الرعاية الاجتماعية. وعلى الرغم من مزايا هذا التصور الجديد لدور الحكومات، فإنه أغفل العلاقة بين النمو وتحسين الرعاية الاجتماعية. بتعبير أدق، فإنه غالبا ما يتجاهل حقيقة أبرزتها بوضوح السياسات التنموية المتبعة في اليابان وشرق آسيا، وأوربا، والولايات المتحدة، وأمريكا اللاتينية، وهي أن النمو هو شرط مسبق لتحسين الرعاية الاجتماعية.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟