المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د‏.‏ جلال أمين
د‏.‏ جلال أمين

هل كان هذا «الربيع».. عربيا حقا؟

الإثنين 16/نوفمبر/2015 - 10:49 ص

ذهبت فى مقالى السابق بهذه الجريدة إلى أن ما يسمى أحيانا «الربيع العربى»، ظهر أنه أقرب إلى أى فصل آخر من فصول السنة منه إلى الربيع. وأزعم الآن انه أيضا لم يكن «عربيا»، بمعنى أن وراءه أيدى خفية ليست عربية، أرادت منه تحقيق مصالح لا يعلن عنها وليست فى مصلحة العرب، فعلى أى أساس أبنى هذا الاعتقاد؟ سوف ألخص إجابتى فى سبع نقاط:

أولا: إن هذا الذى أعبر عنه لا يستند إلى أدلة حاسمة، وهو أقرب إلى الظن منه إلى العلم، ومع هذا فلدى شعور قوى جدا بصحته، تولد من ربط الأحداث بعضها ببعض، ومحاولة الوصول إلى تفسير لما لا يقدم تفسير مقنع له. ويقوى ميلى إلى التمسك به اعتقادى القوى بانه فى ميدان السياسة، وفى ظل ما تمتلئ به وسائل الإعلام فى كل مكان من تضليل متعمد، كثيرا ما لا يكون أمامنا إلا الظن والتخمين.

ثانيا: أن هناك أسبابا قوية للاعتقاد بأنه فى الحياة السياسية، فى العالم كله، تزداد مع الزمن جرعة الخداع، أى أن تكون التصريحات المعلنة عكس الحقيقة بالضبط. من هذه الأسباب ازدياد أهمية الرأى العام (فى العصر المسمى على عكس الحقيقة أيضا عصر ازدهار الديمقراطية) عما كانت منذ مائة أو مائتى عام، ومن ثم تحتاج الحكومات إلى كسب الرأى العام إلى صفها أكثر مما كانت تحتاجه فى عصر الملوك والحكم المطلق، الرأى العام اصبح اكثر أهمية، مما يجعل من الضرورى خداعه إذا كانت أهداف الحكام تتعارض مع المصلحة العامة، ولكن فى الوقت نفسه أصبحت تكنولوجيا الإعلام متقدمة لدرجة جعلت من السهل تحقيق هذا الخداع.

أضف إلى ذلك أنه، فى هذا العصر الذى يسمى عصر ازدهار الديمقراطية (وهو فى الحقيقة ليس إلا عصر الجماهير الغفيرة) تزداد فرص التربح وزيادة الثراء (إذ تزداد هذه الفرص مع اتساع حجم السوق)، وهذا يجعل الأهداف الاقتصادية (حتى ما كان منها يتعارض مع اعتبارات الأخلاق والمروءة) تحتل أهمية متزايدة ومن ثم تزداد الحاجة إلى التظاهر بعكس الحقيقة.

ثالثا: نحن نعيش اليوم فترة فى تاريخ العلاقات الدولية، تكثر فيها الدلائل على تغيير المراكز النسبية للقوة الاقتصادية للدول الكبري، وهذا التغيير يؤدى عادة إلى تغيير المصالح السياسية وظهور الدافع إلى إعادة ترتيب العالم (أو مناطق مهمة فيه) بما يتفق مع التوزيع الجديد للقوة الاقتصادية والسياسية. ومنطقتنا العربية هى الآن من هذه المناطق المهمة فى العالم التى يهم أمرها أصحاب المراكز القديمة والجديدة، فيجرى الصراع لاعادة ترتيبها، وقد تكون أحداث ما يسمى «بالربيع العربي» هى مظاهر لهذا الصراع.

رابعا: تتابع أحداث هذا «الربيع العربي»، خلال السنوات الخمس الماضية يبدو مدهشا للغاية وغير مألوف. رؤساء كانوا يبدون أقوياء يسقطون بسهولة كما تسقط أوراق الخريف، بل ويتم قتل بعضهم بطريقة بشعة، ولا تذرف القوى العظمى دمعة واحدة حزنا عليهم، بل ولا يتظاهرون بهذا الحزن، رغم أن هذه القوى العظمى كانت تعاملهم طوال حكمهم باحترام زائد، بل وتغدق على بعضهم المعونات ماداموا يحققون لها أهدافا بعينها. وفىأثناء ذلك يجرى تدمير آثار عزيزة وغالية على العرب والمسلمين، فلا يذرف العالم دمعة واحدة على هذا أيضا، وكأننا فى غمار حرب عالمية، تهون فيها كل التضحيات فى سبيل تحقيق مصالح بعينها، هى التى نشبت الحرب من أجلها. وتذهب أرواح ملايين من العرب والمسلمين سدى فى اقتتال بشع يجرى فى بلد عربي، ثم يمتد إلى بلد عربى آخر، ويتظاهر الجميع بتصديق (أو يصدقون بالفعل) أن الاقتتال سببه أيديولوجى له علاقة بالرغبة فى إعادة مجد الإسلام والمسلمين، فى عصر تشير كل الدلائل فيه إلى أن العالم كله سيحول دون ذلك. والذين يدعون أنهم يريدون إعادة مجد الإسلام لا ينشغلون ببيان ضرورة ذلك أو فائدته، أو يحاولون كسب الناس إلى صفهم بالموعظة الحسنة، بل ينشغلون بقتل الناس وهم ملثمون حتى لا تعرف لهم هوية. السياسيون والصحفيون ووسائل الإعلام يتظاهرون كلهم بتصديق هذا، أو على الأقل يضربون الصفح عنه ما دامت كل هذه الضجة تساعد على إلهاء الناس عن فهم الدوافع الحقيقية لما يجري.

خامسا: الثورات المسماة الربيع العربى لم تحقق واحدة منها (ويا للغرابة) الأهداف التى يقال إنها قامت من أجلها، وراحت من أجلها بكل أسف أرواح عزيزة، وأصيب من أجلها آلاف من الشباب والشابات فى أعينهم أو حرياتهم. هل يمكن أن يكون تكرار هذا الفشل فى بلد عربى بعد آخر فى تحقيق أهداف الثورات المتتالية، فشلا طبيعيا لأسباب خاصة بكل بلد على حدة، أم أن الأرجح أن يكون السبب واحدا يفسر فشل هذه الثورات جميعا، وأن هذا السبب هو ما ذكرته تحت (ثالثا)؟

سادسا: فى هذه الثورات العربية يحدث أن ينجح الثوار فى إسقاط رأس النظام، ولكنهم لا يتولون السلطة بعد ذلك بل يتولاها غيرهم، دول لم تكن تلعب دورا مهما فى الساحة العربية، تبدو فجأة وكأنها تلعب دورا مهما، العلاقات تتحسن فجأة بين دولة عربية ودول كبرى ثم تسوء فجأة، ثم لا نعرف ما إذا كانت حسنة أم سيئة. وفى أثناء ذلك يستمر صراع دموى رهيب فى سوريا، يذهب ضحيته ملايين، ويبدو عصيا على الحل اكثر مما يبدو الحال فى بلاد عربية أخري، ويظهر فى الوقت نفسه صراع مستحكم حول سوريا بالذات، بين دولتين عظيمتين يبدو أنهما يجدان من الصعب الوصول إلى اتفاق بشأنها.

سابعا: البواعث الدفينة التى تدفع القبائل والأمم والدول إلى إثارة الحروب، وقتل بعضهم بعضا، والاستيلاء على ممتلكات الغير، مهما يكن عدد الضحايا من الجانبين، المعتدى والمعتدى عليه، لا يبدو أنها تغيرت كثيرا عبر التاريخ، فهى دائما دوافع اقتصادية، تعود إلى مجرد الطمع فى مزيد من الثروة، أو نفسية تعود إلى الرغبة فى فرض السيطرة على الغير. كانت هذه البواعث وراء الحروب المختلفة فى التاريخ منذ الإسكندر الأكبر ومن قبله، وحتى هتلر ومن جاء بعده. ولكن ما يقال لتبرير الحروب يتغير مع مرور الزمن، وفقا للتغيرات التى تطرأ على حالة الرأى العام، ما يقبله وما لا يقبله، ما يمكن تصديقه وما لا يمكن. كان «العدو» المراد الاعتداء عليه أو على ممتلكاته، يصور دائما فى صورة الشيطان الأكبر الذى يستحق ما يلحق به من دمار، كما أن الهدف المرجو من الانتصار فى الحرب يصور دائما وكأنه أنبل الأشياء، هكذا صور العدو النازى والفاشى من جانب الحلفاء، وهكذا صورت الدول الغربية الاستعمارية من جانب النازيين والفاشيين، لتبرير الحرب العالمية الثانية، وهكذا صور العدو الشيوعى من جانب الغرب والعدو الرأسمالى من جانب الشيوعيين، لتبرير كل ما يرتكب من جرائم وحروب وانقلابات فى الأربعين سنة التالية من الحرب. وقد نجح الطرفان نجاحا باهرا فى كسب تأييد شعوبهما وتعبئتها للحرب. الآن لم يعد مثل هذا التصوير من جانب دولة لدولة أخري، أمرا ممكنا أو قابلا للتصديق، لأسباب يطول شرحها، ولكن «الإرهاب» فيما يبدو أصبح عدوا قابلا للتصديق، رغم كل ما يشوب فكرة «الإرهاب» من غموض وما يثيره من مصاعب فكرية. يبدو أن «الخوف» عامل ناجح دائما لدفع الناس إلى تصديق ما يصعب تصديقه، وتصور ما يصعب تصوره، وهكذا استخدمت فكرة «الإرهاب» بنجاح باهر، خلال السنوات الخمس الماضية (ومازالت تستخدم) لتبرير أو تفسير كل ما يراد القيام به من أعمال التدمير والقتل والتخريب، فى حين أن الدوافع الحقيقية تكمن فى إعادة ترتيب منطقتنا لتحقيق مصالح لا تختلف عن المصالح المعروفة فى التاريخ، من الطمع فى المزيد من الثروة، أو فى مزيد من السيطرة. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟