المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
أوليفييه روا
أوليفييه روا

اعتداءات باريس و ضعف «داعش»

الأربعاء 18/نوفمبر/2015 - 10:45 ص

أعلن الرئيس فرنسوا هولاند، أن فرنسا في حرب ضد «داعش». وهذه المجموعة الإسلامية هي العدو اللدود. وتحارب فرنسا مع الولايات المتحدة «داعش» في الشرق الأوسط. لكنها القوة الغربية الوحيدة التي تحاربه في منطقة الساحل الأفريقي، بدءاً من مالي في 2013. ونشرت شطراً يعتدّ به من جيشها في هذا القتال. ومساء الجمعة الماضي، تكبّدت ثمن قتال «داعش». وعلى رغم رسائل التضامن التي وجّهها العالم الغربي، تجد نفسها وحيدة في ميدان المعركة.

والى اليوم، لم تعتبر الدول، في ما خلا الدولة الفرنسية، أن «داعش» مصدر خطر استراتيجي يهدد عالم اليوم. وفي الشرق الأوسط، يرى أبرز اللاعبين أن «داعش» ليس المنافس أو الخصم الأخطر. فبشار الأسد يرى أن عدوّه المعارضة السورية - وهي اليوم في مرمى نيران التدخل الروسي. ومن مصلحته ألا يعكر شيء الأمور مع «داعش». فيسع الرئيس السوري تقديم نفسه على أنه السد المنيع ضد الإرهاب الإسلامي، ويكتسب مشروعية في الغرب خسرها على وقع قمعه الشعب السوري. وموقع الحكومة التركية واضح: عدوّها الأبرز الحركة الانفصالية الكردية. وغلبة كفة الكرد في سورية على كفة «داعش» قد تفضي الى إنشاء حزب «العمال الكردستاني» ملاذاً آمناً له واستئناف القتال المسلّح ضد تركيا. ولا يسعى الكرد، سواء كانوا سوريين أو عراقيين، الى القضاء على «داعش». وشاغلهم، الدفاع عن حدودهم الجديدة. وهم يأملون بأن يتفاقم تذرر العالم العربي. وهم أقبلوا على استعادة سنجار لأنها كردية. لكنهم لن يهاجموا الموصل، ويخدموا بغداد. ويرى الكرد العراقيون أن الخطر الأبرز، انبعاث الحكم المركزي القوي في بغداد، التي قد تطعن في استقلال الإقليم الكردي العراقي. و«داعش» يحول دون نشوء مثل هذا الحكم القوي.

أما الشيعة العراقيون، وعلى رغم الضغوط الأميركية، فلا يرغبون في الموت في سبيل استعادة الفلوجة. وهم يحمون حدودهم الطائفية، ولن يدعوا بغداد تسقط. لكنهم لا يستعجلون عودة الأقلية السنية الى الحياة السياسية العراقية. فعودتهم تقتضي تقاسم السلطة. وترى دول عربية أن عدوّها اللدود إيران، ولا تحرك ساكناً أمام «داعش». ويرغب الإيرانيون في احتواء «داعش»، لا القضاء عليه. فهو يحول دون بروز ائتلاف عربي سنّي أساء إليهم في حربهم مع عراق صدام حسين. ويسرّ إسرائيل أن ترى «حزب الله» يقاتل ضد العرب، وسورية إذ تنهار، وإيران تنزلق أكثر فأكثر في حرب مضطربة، وأن ينسى العالم القضية الفلسطينية. فالدول الإقليمية كلها لا تعد لشن حرب استعادة الأرض من «داعش». وشأن هذه الدول، لا تعد الولايات المتحدة لمثل هذه الحرب. فالاستراتيجية الأميركية اليوم ركنها شنّ حرب من بُعد بواسطة هجمات جوية. ولا ترغب واشنطن في إرسال قوات برية، وتلتزم استراتيجية احتواء، وتردي الإرهابيين من طريق ضربات الدرون.

لكن لا سبيل الى الفوز بالحرب من غير قوات برية. وحدها فرنسا ترغب في القضاء على «داعش». لكن لا يسعها شن حرب على جبهتين: الشرق الأوسط ومنطقة الساحل الأفريقي. ولسان حال فرنسا هو العين بصيرة واليد قصيرة. وحال «داعش» من حالها. فهذا لا يملك القدرة على بلوغ مآربه. فإثر سيطرته السريعة على رقعة أراض واسعة في الشرق الأوسط، تقتصر نجاحاته اليوم على تصدّره عناوين الصحف وانشغال رواد وسائط التواصل الاجتماعية به، على ما كانت نجاحات «القاعدة». وبلغ نظام «داعش» أقصى إمكاناته.

وركن مشروع «داعش» التوسّع الإقليمي وبثّ الرعب في أوصال أعدائه. لكن «داعش» ليس «دولة «إسلامية». فهو، على خلاف طالبان، لا ينضوي في حدود مكانية محددة. وهو أقرب الى خلافة تستند الى منطق الفتح المتواصل - أي احتلال أراض جديدة واستقطاب مسلمي العالم. وأفلح «داعش» في استمالة آلاف المتطوعين الذين سقطوا في شباك دعواه الى إسلام شامل لا يمتد في أصقاع العالم ولا يقتصر على الشرق الأوسط. لكن التوسّع الداعشي ضيق الآفاق. فهذا التنظيم انتشر فحسب في مناطق يغلب عليها عرب سنّة يرون أنه يدافع عنهم. ومدّ «داعش» يصطدم بالكرد شمالاً، والشيعة العراقيين شرقاً، والعلويين، إذ يدعمهم الروس، غرباً. والى الجنوب، ينظر اللبنانيون بعين القلق الى اللاجئين السوريين. والأردنيون غاضبون على «داعش»، ووقع عليهم إعدام الطيار الأردني (معاذ كساسبة) وقع الصدمة. والفلسطينيون لم يقعوا في حبال «داعش». وإذ بلغ طريقاً مسدوداً في الشرق الأوسط، هرب «داعش» الى الإرهاب المعولم.

وشنّ سلسلة هجمات على «حزب الله» في بيروت، والروس في شرم الشيخ، وهجمات باريس. وهذه الهجمات ترمي الى النفخ في مشاعر الرعب، أي التمسك بهالة الخوف. لكن على خلاف ما اشتهى «داعش»، أجّج إعدام الطيار الأردني المشاعر الوطنية الأردنية. ورصت هجمات باريس صفوف الفرنسيين وراء الحرب على «داعش». والإرهاب المعولم لا تُرتجى منه فائدة استراتيجية شأن القصف الجوي من غير قوات برية. ولم ينجح «داعش» في استمالة المسلمين المقيمين في أوروبا إليه، ولم يجنّد إلا من هم على الهامش.

ولن تجدي نفعاً حملة برية غربية حاشدة على «داعش» رداً على هجمات باريس، ويرجح أن تنزلق الى رمال نزاعات محلية لا قاع لها. وفرص حملة عسكرية برية بالتنسيق مع اللاعبين المحليين ضعيفة. فمصالح هذه القوى متباينة. ومثل هذه الحملة يقتضي التوصل الى اتفاق سياسي بين أبرز اللاعبين الإقليميين، أي إيران والسعودية. ودرب النزاع مع «داعش» طويلة، إذا لم تنهر على وقع مشاريع التوسّع المزمن أو على وقع التوتر بين المتطوعين الأجانب والسكان العرب المحليين. و»داعش» ألدّ أعداء نفسه. نقلا عن الحياة

 * أستاذ في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا، صاحب «الجهل المقدس»، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 17/11/2015، إعداد منال النحاس

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟