المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. نصر محمد عارف
د. نصر محمد عارف

ما وراء السياسة: أسئلة مسكوتٌ عنها

الإثنين 30/نوفمبر/2015 - 10:43 ص

لم يمر علم السياسة فى مصر والعالم العربى بمثل حالته التى هو عليه الآن، فقد أوشك أن ينتهى كعلم؛ ويتحول إلى أدوات برجماتية لتسويغ وتبرير أيديولوجيات وسياسات حزبية، حيث تحول من كان يفترض فيهم انهم علماء سياسة إلى سياسيين وناشطين ووزراء ومستشارين ومذيعين، وخرج الكثير منهم عن وقار العلم، وتحول للدعاية البهلوانية فى قنوات محلية أو إقليمية، وفى نفس الوقت أصبح لقب «أستاذ علوم سياسية» يدعيه باحثون لا علاقة لهم بالأستاذية، وأساتذة من تخصصات أخري، وحاصلون على الدكتوراه لم يقوموا بالتدريس فى أى جامعة، أو خريجون جدد مروا بإحدى الجامعات وألقوا محاضرة أو أكثر هنا أو هناك، حالة من الفوضى المزرية التى توشك بإعلان موت العلم ذاته. فى ظل هذه الوضعية من غياب العلم والمنهج العلمى أصبح كل من يستطيع الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعى عالما فى السياسة لا يشق له غبار، يفتى فى أحداث دولية ومحلية غاية فى التشابك والتعقيد، ولا يقبل عن رأيه بديلا ومن السهل أن يتهم المتخصصين بأى من التهم المعلبة الجاهزة، بحيث صارت أمتنا أصواتاً عالية زاعقة بلا عقل أو منطق، والعالم من حولنا يخطط لنا، ويقرر لنا وينفذ ما يقرره، ونحن كعرب ومصريين، بكل بلاهة، نشتبك فى معارك قررها الآخرون، وننحاز إلى خيارات هى من صميم مصالح أطراف خارجية، كل هذا يحدث جهاراً نهاراً بدون مؤامرة، بل فى واضحة النهار. وهنا سوف أطرح مجموعة من التساؤلات المشروعة التى تساعد على كشف ما وراء الظواهر السياسية التى نعايشها، ونختلف حولها، ونتقاتل عليها:

أولا: لماذ حاصر الغرب حكومة الإنقاذ الإسلامية فى السودان، وحشد كل قواه ضدها من الأمم المتحدة إلى اتحاد الكنائس العالمى حتى نجح فى تقسيم السودان وانفصال جنوبه، ووضع دارفور على خطى الجنوب، وشرق السودان فى الطريق لذلك؟…ولماذا حشد الغرب كل قواه لدعم الإسلاميين فى مصر وليبيا الذين جاءوا من نفس الخلفية التنظيمية والفكرية التى جاءت منها نخبة الإنقاذ فى السودان؟…ما الفارق بين الاثنين؟…لماذ يعادى أولئك، وينصر هؤلاء بكل قوة وحماس؟…هل الغرب حقا يريد أن يدعم طموحات شعوبنا فى الديمقراطية والحكم الرشيد؟ وهل يريد لشعوبنا التنمية والتقدم والازدهار؟، ولماذا حارب تجربة الإخوان فى السودان ومازال، ودعمها فى مصر وليبيا وسوريا ومازال؟ فى عامى ٢٠٠٨ و٢٠٠٩ نشرت وزارة الخارجية الأمريكية وكذلك وزارتا خارجية الدنمارك وبلجيكا تقارير عن الشيخوخة فى العالم، وكانت خلاصة هذه التقارير أن أوروبا وأمريكا واليابان سوف تتحول إلى دار مسنين كبيرة بحلول عام ٢٠٥٠، وأن الجنس الأبيض مهدد بالانقراض لانه تراجع من نسبة ٢٨٪ من عدد سكان العالم عام ١٩١٥ إلى ١٨٪ من سكان العالم عام ٢٠١٥، وأن أوروبا تواجه خطر تغيير ديموغرافى يجعلها دولا إسلامية. وهنا يرى بعض الباحثين أن دعم أمريكا وأوروبا للإسلاميين فى العالم العربى من أحد أهدافه تفريغ الغرب من المسلمين غير المندمجين ثقافيا فى المجتمعات الغربية، ودفعهم للعودة إلى بلادهم بعد أن يصل الى الحكم فيها أحزاب ينتمى إليها معظمهم. وهناك من يرى أن الدول الغربية أدركت أن الأحزاب الإسلامية هى الأقدر على تفجير مجتمعاتها من الداخل، واثارت كل الأزمات التاريخية التى تم من خلالها إسقاط الدولة العثمانية، واستعمار العالم العربى ابتداء من مشكلة الأقليات الدينية إلى إشكاليات التعامل مع الحداثة بكل تجلياتها، لذلك كان دعم الأحزاب الإسلامية فى مصر وليبيا وسوريا هو الطريق الأقصر لإستراتيجية الفوضى الخلاقة فى العالم العربي، وقد مثل حكم الإسلاميين فى العراق نموذجا يمكن تعميمه؛ لأنه أدى إلى تفجير المجتمع العراقي؛ ووضع العراق على طريق الدولة الفاشلة تمهيداً لإنهاء وجود الدولة العراقية ذاتها.

ثانيا: لماذا كل هذا الدعم السلبى والإيجابى للتنظيمات الإرهابية فى سوريا والعراق وليبيا؟، والدعم السلبى هنا بالتواطؤ… ولماذا يتم تمكين تنظيمات مثل داعش من إستقطاب الآلاف من الشباب من خلال استغلال الدعاية الغربية لمحاربة داعش من خلال تحالف وهمى من عشرات الدول، دون أن يكون لهذه الدعاية من حقائق على الأرض؟ لقد أطلقت الدول الغربية حملات دبلوماسية ودعائية تظهر أنها تحارب داعش، وقد استخدمت داعش تلك الدعاية فى استقطاب الشباب المتحمس من العالم الغربى والعربي، وفى نفس الوقت لم تقم الدول الغربية وتحالفها الدولى بالنيل من قوة داعش فى شىء؛ بل على العكس أدت إلى تقوية داعش، وتوسيع الأراضى التى تسيطر عليها. هناك من يرى أن وراء هذه السياسة هدفا غربيا تتشارك فيه أوروبا وأمريكا؛ وهو تفريغ تلك الدول من الشباب المسلم الذى يحمل جنسيتها، وفى نفس الوقت يتبنى أفكاراً عنيفة وإرهابية ويمثل خطراً على المجتمعات الغربية ومستقبلها، لقد فتحت الدول الغربية الباب أمام شباب من جنسيتها للتوجه إلى سوريا والانضمام لداعش، ولم تمنعهم رغم علمها بذلك وقدرتها عليه، وذلك لتصدير ظاهرة العنف إلى البلاد العربية، والتخلص نهائيا من هذه الظاهرة من خلال خلق بيئة جاذبة لتلك العقول المريضة خارج أوروبا، ولذلك لم يتحرك الغرب بصورة جادة إلا بعد أحداث باريس.

ثالثاً: هل نحن أمام مواجهة سياسية، أم مواجهة حضارية السياسة واجهتها؟ هل تأييد الغرب للإسلاميين فى العالم العربى يعنى تخلى الغرب عن حالة المواجهة مع الحضارة الإسلامية، والتعامل معها كعدو حضاري؛ أم أنه تغيير ذكى لأدوات الصراع، وتوظيف المسلمين لكى يتخلص الجيد منهم من الردىء، وهنا الغرب هو الذى يحدد الجيد والردىء وليس المسلمون؟ فى عام ٢٠١٠، أصدر مركز السياسة الأمنية فى أمريكا وهو بيت خبرة تابع للحزب الجمهوري، تقريرا عنوانه “الشريعة: تهديدٌ لأمريكا”، خلاصة التقرير الذى يقع فى ١٧٧ صفحة أن الخطر الحقيقى الذى يمثله الإسلام لا يأتى من الجماعات الإرهابية والمتطرفة والعنيفة، وإنما يأتى من التيارات التى تدعو إلى الإحياء الحضارى الإسلامى فى العلوم والثقافة والفكر والفنون والعمارة، لأن إحياء الحضارة الإسلامية، وإعادتها إلى ذلك النموذج المنفتح على العالم كما كان فى العصور الوسطى الأوروبية فيه تهديد لتفرد الحضارة الغربية وانفرادها بالعالم، وهو ما يهدد القوة الأمريكية فى العالم على المدى الطويل. خلاصة القول أن هناك أعماقاً أبعد مما يراه الكثيرون، وأن وراء السياسات العالمية أبعادا حضارية، ورحم الله أستاذ المستقبليات المغربى الدكتور المهدى المنجرة الذى نشر كتاباً بعد ضرب العراق ١٩٩١ عنوانه «الحرب الحضارية الأولي»، فهل ذات الحرب ما زالت المستمرة إلى الآن؟ ….كثيرون يراهم البسطاء حماة للدين مثل الحكومة التركية، وهم فى الحقيقة أدوات الحرب الحضارية العميقة التى ستقود إلى تفكيك مجتمعاتنا، وحينها لن يكون هناك مكان تتحقق فيه أحلام الحالمين بالخلافة والدولة والشرعية والشريعة. نقلا عن الأهرام

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟