تتجه الأزمة السورية إلى التفاقم. كانت، إلى وقت قريب، معارك ضد تنظيمات مسلحة، واليوم صارت حرباً بين قوى كبيرة، وهذا ليس مفاجئاً. ومهما كانت ذرائع أنقرة، فهي تلعب بالنار. ويدل توجهها السريع إلى الناتو على أنها تبحث عن التضامن، فيما الحلف الأطلسي لا يبدي حماسة. فتركيا ترى أن الخطر الكردي يفوق الخطر الداعشي. وسياساتها تتعارض مع سياسات الحلف. وتساءل كثر في اجتماعه لماذا لم تلجأ أنقرة إلى تحذيرات أخرى غير إسقاط الطائرة (الروسية). والحق أن هذه الحادثة أضرت بحلفاء تركيا، فهي جاءت بعد التقارب بين القوى الكبرى، إثر الهجمات الإرهابية في باريس وسيناء. ولكن إذا ثبت أن مجموعات مسلحة ممن تسمى المعارضة المعتدلة صفّت أحد الطيارين (الروسيين)، فقد تنهار العملية السياسية. ويرجَّح أن ترد موسكو على إسقاط المقاتلة من طريق العقوبات والحظر الاقتصادي، ويتوقع توقف مشاريع التيار التركي ومحطة الطاقة النووية. كما يمكن أن تطاول العقوبات الاستثمارات وقطاع الأعمال التركي في روسيا، على رغم مخالفة هذه الخطوة المنطق. ولا يستبعد ضرب المصالح التركية في سورية، مثلما بدأ يحصل (ضرب صهاريج النفط)، أو ضرب معاقل الجماعات المسلحة الموالية للأتراك. ويسع روسيا تعزيز دعمها الأكراد، لكن تركيا تملك ورقة قوية للردّ على دعم الكرد: دعم تتار القرم. لا يخفى أن تركيا تحمل مفاتيح البحر الأسود، وفي وسعها أن تخل ببنود اتفاق مونترو (المنظِّم لحركة الملاحة والتنقلات العسكرية) فتغلق حركة الملاحة فيه أمام السفن الروسية. خلاصة القول، إن الأزمة السورية أمام مفترق طرق الحلف أم التحالف. الأول يقضي بشد أواصر الناتو (طلب تركيا دعم الناتو بعد إسقاط الطائرة على رغم أن أنقرة استقلت، إلى حد ما، عن الحلف في السنوات الأخيرة). والخيار الثاني يؤدي إلى تحالفات موقتة - مثل التحالف ضد «داعش» - لا تقتضي إبرام معاهدات. وإذا غلب المبدأ الثاني، أمكن تجاوز حادثة إسقاط مقاتلة «سو-24». لكن التحالف الموقت لن يرسي أسس اتفاق دائم، فالتنافس سيبقى بين اللاعبين خارج إطار هذا التحالف. نقلا عن الحياة
* رئيس مجلس السياسات الخارجية والدفاعية، عن موقع «لينتا» الروسي،25/11/2015،
إعداد علي شرف