تقتضي العملية العسكرية والديبلوماسية الناجحة ضد «داعش»، بلوغ ثلاثة أهداف حربية:
1) خنق «داعش» مالياً ولوجيستياً. ونقطة ضعف هذا التنظيم، انتشاره في إقليم تحيط به قوى الخصم. وشريان حياة هذا الكيان، التهريب والتحويلات المالية وحركة عبور مجنّديه من أصحاب الكفاءات اللوجيستية وغيرهم عبر ثغرات حدود الأردن وتركيا وغيرهما من الدول. وإحكام القبضة على الحدود وسدّ الثغرات هما السبيل الى خنق «داعش». فيضطر هذا التنظيم الى العمل في الخفاء إثر الحؤول دون نزوله على الحاجات الحيوية للسكان الواقعين تحت قبضته. فيخسر إذذاك «جاذبيته»، أي القدرة على الاستقطاب. وفي مثل هذه الحال، يسهل القضاء عليه بواسطة أدوات مكافحة الإرهاب التقليدية. والخيار الثاني أمامه (داعش)، تجييش كل قواته في معركة عسكرية تخرق الحصار عليه، وتحقق فوزاً عسكرياً رمزياً. لكن خوض مثل هذه المعركة يكشف قواته وتصبح في مرمى الخصم.
والسبيل الى خنق «داعش»، رصّ صفوف القوى الإقليمية والدولية الوازنة والنافذة: تركيا وإيران والسعودية والولايات المتحدة وروسيا والدول الأوروبية. وهذه الدول عقدت العزم على مكافحة «داعش». وتعاونها لا غنى عنه، في وقت أن الحرب الأحادية لا ترتجى منها فائدة. فالهلال الخصيب ومنافذه البحرية حيوية في الحسابات الجيوسياسية، لذا، التنافس على السيطرة عليه محتدم. والقوى الإقليمية كلّها اليوم تساهم في قتال «داعش»، لكنها لا تجمع على القضاء عليه. فبعضها يتوسّل به الى تقويض مصالح الخصوم. وحريّ بحلفاء الضرورة، التعاون والاتفاق على رسم إقليمي جديد. لذا، يجب طمأنة تركيا الى أن الأكراد، ولو كانت قضيتهم عادلة، لن يفوزوا بدولة مستقلة. وليس تسليح البشمركة أفضل السبل الى طمأنة أنقرة. فهذه القوات الكردية قد يسعها وضع اليد على الموصل والرقة، لكنها عاجزة عن «الإمساك» بالأرض والحؤول دون عودة «داعش».
2) التوصل الى صيغة يقبلها سنّة العراق وسورية. وقبل القضاء على «داعش»، تمسّ الحاجة الى جواب عن سؤال حيوي: من يحلّ محل شبه الدولة الداعشية؟ ويجافي المنطق حسبان أن نظامي دمشق وبغداد يسعهما، إثر قتل المسخ الجهادي، حكم الأقاليم التي كان يبسط هيمنته عليها. وإذا لم يغيّر هذان النظامان نهج الحكم وأسلوبه، فحظوظهما ضعيفة في التربّع محل «داعش». فيعيد التاريخ نفسه، إذ تبقى العوامل على حالها. فينتفض سنّة العراق وسورية مجدداً. لذا، آن أوان تعديل الحدود هناك، والحضّ على إنشاء دولة سنّية في جوار دجلة والفرات والإقرار بأن اتفاقات سايكس – بيكو مضى عليها الزمن. فالحياة كتبت لهذه الاتفاقات نحو قرن من الزمن. وفي كل الأحوال، الحدود في هذه المناطق يعاد رسمها على وقع مذابح وعمليات تطهير إتني، سواء وافق المجتمع الدولي أم لا. وعليه، تبرز الحاجة الى تأطير عملية رسم الحدود مجدداً. فإنشاء دولة سنّية إثر هزيمة «داعش»، سيطمئن دولة خليجية بارزة، ويجيز نشرها قوات برية في هذه الأقاليم، إثر التزام وقف دعم، سواء كان مباشراً أم غير مباشر، الحركة السلفية في أوروبا.
3)الحفاظ على مصالح فرنسا الاستراتيجية في المنطقة: تأمين الطرق البحرية الحيوية التي تربط أوروبا بآسيا في شرق المتوسط وقناة السويس والبحر الأحمر والمحيط الهندي. فالصناعة والاقتصاد الفرنسيين وثيقا الارتباط بحركة النقل الحر في هذا المحور المائي. وإذا سدّت هذه الممرات المائية، لا يبقى أمام فرنسا غير سلك طريق رأس الرجاء الصالح - وهو أطول بـ25 في المئة من الطرق السابقة، وكلفة عبوره مرتفعة أكثر بـ20 في المئة. ويجب الحؤول دون بلوغ «داعش» المتوسط والوحدة بين الجبهات الجهادية الأربع المتناثرة بين العراق – وسورية وشبه جزيرة سيناء وليبيا ومنطقة الساحل في الصحراء الأفريقية. فالوحدة الإقليمية أو البرية بين هذه الجبهات تفاقم عسر محاربة هذه القوى. ومن المفيد المساهمة في الحفاظ على استقرار إسرائيل (من طريق دعم حل سياسي للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي)، ولبنان، وهما دولتان ترتبطان بفرنسا بعلاقات وثيقة.
وحريّ بفرنسا التحالف مع مصر الجنرال السيسي الذي يمسك بمقاليد قناة السويس. وتعاونهما يرمي الى ضمان أمن شرق المتوسط والبحر الأحمر، وهما نقطة التقاء الجبهات الجهادية الثلاث. ويبدو أن مصر هي حجر راسخ في العاصفة الشرق أوسطية، شأن تركيا وإسرائيل وإيران والإمارات العربية.
نقلاً عن الحياة