المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

التوافق القلق: سيناريوهات العلاقة بين الرئيس والبرلمان

الأحد 20/ديسمبر/2015 - 11:09 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. يسرى العزباوى
تحكم نصوص الدستور العلاقة بين الرئيس والبرلمان، وبالتالى فالعلاقة بينهما محددة سالفًا، بموافقة الشعب على الدستور، ولا يمكن توغل السلطة التنفيذية على التشريعية بأى حال من الأحوال، ولكن ثارت التخوفات فى الفترة الماضية من تزايد الحديث من قبل بعض أعضاء مجلس النواب عن ضرورة تعديل الدستور، بما يسمح بتقييد صلاحيات السلطة التشريعية لصالح الرئيس، الذى يعمل ليلًا نهارًا من أجل إنجاز المشروعات القومية الكبرى، فى ظل الإرهاب عابر القارات، وتفتت وتشرذم البرلمان الجديد، والذى سيطرت فيه أحزاب رجال الأعمال على الأكثرية، فضلًا عن وجود عدد آخر من رجال الأعمال بالفعل نال شرف تمثيل الشعب، وبناء عليه، فقد تعمل هذا الفئة على تحقيق مصالحها على حساب مصالح الشعب الذى ثار ضد الفساد وتوغل رأس المال على السلطة السياسية.
فى الواقع، هى وجهة نظر تحترم، ولكن فى المقابل وجهة نظر أخرى، لديها تخوف ومبررات لعدم تعديل الدستور: أول هذه المبررات، أن الدستور لم يوضع بعد موضع التطبيق والتنفيذ، وبالتالى لا نعرف بالضبط ما المواد التى بحاجة إلى تعديل، وهل هى تلك المواد التى تقع فى باب نظام الحكم فقط، أم هناك مواد أخرى لن تستطيع الدولة المصرية تحقيقها فنعدلها بالمرة؟.
ثانيًا، الرسائل السياسية من التعديل، حيث سوف يفهم الغرب خطأ، بأن السيسى يريد تكريس السلطات فى يده. وبناء عليه سيكون هناك مزيد من الضغوط الدولية والتشكيك فى النظام السياسى الجديد. وثالثًا، حالة التربص الإخوانى التركى القطرى، والذى طالما شكك فى شرعية النظام الجديد، ويستخدم فى هذا الإطار كل ما يمتلك من وسائل للتنكيل والتشويه لكل الإنجازات التى تحققت فى عهد الرئيس السيسى، ورابعًا، وأخيرًا، اتساع الهوة بين الرئيس والمؤيدين له، خاصة مع تخوف البعض من مجيء رئيس بعد السيسى يسيء استخدام السلطات الممنوحة له، وبالتالى نكون أمام صناعة سلطوية جديدة.
أكد دستور ٢٠٠٤ فى مادته الخامسة والرابعة على الفصل بين السلطات والتوازن بينها وتلازم المسئولية مع السلطة، وأن الشعب هو صاحب السيادة، وهو مصدر السلطات
أولا- البرلمان وإدارة الانتقال الديمقراطي
البرلمانات بصفة عامة لها دور مهم فى تعزيز الديمقراطية، وتقوم بوظائف أساسية محددة فى نظم الحكم الديمقراطية المعاصرة، فمن خلالها ـ كما تكشف عن ذلك تجربة الدول الأوروبية ـ يمكن للشعب ممارسة السلطة ومناقشة كل القضايا التى يهتمون بها، فهى أداة تواصل أساسية بين مطالب الجماهير ومؤسسات الدولة، وهى الوسيلة التى عن طريقها يمكن تمثيل جميع فئات المجتمع فى مؤسسات الحكم، وضمان مشاركتهم فى عملية صنع القرارات والسياسات العامة، كما هى أيضًا المؤسسة التى يمكن من خلالها للشعب، وممثليهم فى البرلمان، ممارسة دور الرقيب على أداء السلطة التنفيذية، والتصديق على ميزانية الدولة. ولهذا كله، يعد البرلمان هو المؤسسة الأم التى من خلالها يحافظ النظام السياسى بأكمله على شرعيته.
وعلى الرغم من عدم اهتمام بعض الباحثين بالمؤسسة التشريعية عند حديثهم عن الديمقراطية، فـ«روبرت دال» مثلا لم يضع البرلمان ضمن معاييره السبعة للديمقراطية التى تتجاهل البعد المؤسسى فى ترسيخ الديمقراطية بشكل عام، إلا أن المدخل المؤسسى يظل مهمًا عند تحليل مستقبل الديمقراطية فى الدول التى تمر بمراحل انتقالية. فعلى سبيل المثال، يرى «لارى دياموند» أهمية للقيود التى تفرض على السلطة التنفيذية من مؤسسات أخرى كالبرلمان والقضاء وأدوات المحاسبة الأخرى، وعرّف الديمقراطية بالتركيز على أهمية الفاعلين المنتخبين، القابلين للمحاسبة، وأهمية خضوع العسكريين للسلطة المنتخبة، بجانب قواعد أخرى لم يذكرها «دال» كحكم القانون ووجود ضمانات لحماية الأقليات.
وهذا المدخل المؤسسى فى تعزيز الديمقراطية لا يهتم فقط بالقواعد والهياكل القانونية، وإنما يهتم بشكل عام بالمؤسسات باعتبارها لاعبًا رئيسيًا ضمن أطر اقتصادية واجتماعية وثقافية، ويهتم أيضًا بمعالجة سلوك النخب داخل أطر مؤسسية معينة، وأثر هذا السلوك على النظام السياسى، أى أن هذا المدخل يرى أن الظاهرة السياسية تتأثر بالبناء المؤسسى وبالتقاليد والقواعد التى يضعها الفاعلون، وهى تحدد وتفرض قيودًا على تحركات الأفراد وإراداتهم وحساباتهم.
وللمفارقة، فقد تواكب هذا التطور المنهجى مع تراجع دور البرلمانات وغيرها من المؤسسات الرسمية فى عملية صنع القرارات ورسم السياسات من الناحية العملية فى العديد من الديمقراطيات الغربية، فى مقابل تصاعد دور جماعات الضغط والأحزاب ووسائل الإعلام، حيث تهيمن جماعات الضغط والمصالح بشكل ملحوظ على مؤسسات صنع القرارات والتشريعات فى الولايات المتحدة على سبيل المثال، على نحو أفضى إلى تغيير الأكاديميين لتعريف علم السياسة، حيث أصبح التعريف الأكثر انتشارًا له على أنه «علم الجماعات المتصارعة من أجل القوة».
إلى جانب ذلك، بعد موجات التحول الديمقراطى التى شهدها العالم فى العقدين الأخيرين من القرن العشرين، تُجرى معظم دول العالم انتخابات من نوع ما، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من مليار شخص فى العالم يُدلون بأصواتهم فى انتخابات ديمقراطية تنافسية لاختيار حكامهم وممثليهم فى مؤسسات صنع السياسات واتخاذ القرارات، ولكن يشهد نحو نصف دول العالم فقط انتخابات توصف بأنها ديمقراطية وتنافسية، حيث طوّر الحكام أدوات وأساليب للتلاعب فى عملية الانتخابات technology of manipulation بغرض تحقيق مقاصد غير تلك التى تُرجى من الانتخابات الديمقراطية، وعلى رأسها الحصول على الشرعية أمام الجماهير والتخفيف من حدة الضغوط المطالبة بالإصلاح واحترام حقوق الإنسان فى الداخل والخارج. وفى المنطقة العربية لم تؤد الانتخابات التى تجريها بعض أنظمة الحكم إلى انتقال ديمقراطى واحد، ناهيك عن تحول ديمقراطى حقيقى.
وفى إطار محاولات النظام السياسى المصرى الجديد بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، قيادة عملية تحول ديمقراطى، تأتى أهمية المؤسسة التشريعية ممثلة فى مجلس النواب، كخطوة أخيرة من «خريطة المستقبل» التى أعلن عنها فى بيان ٣ يوليو ٢٠١٣، والتى انتظرها ليس فقط المصريون، ولكن العالم أجمع الذى يترقب عن كثب إنجاز هذه المرحلة من تكوين مؤسسات الدولة المصرية، كما تتمثل أهمية هذا المجلس، والذى يعكس تفضيل المشرع الدستورى بنظام الغرفة الواحدة بدلًا من نظام الغرفتين الذى طبق فى مصر منذ عام ١٩٨٠ فى ظل دستور عام ١٩٧١، ليس فقط فى أداء وظائفها الأساسية ممثلة فى الرقابة والتشريع، فى أنه سيكون مطالبًا بالعمل سويًا مع السلطة التنفيذية فى الاستجابة إلى طموح عموم المصريين، فيما يتعلق بتحقيق أهداف ومبادئ الثورات المصرية «٢٥ يناير و٣٠ يونيو»، والخاصة بتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وسن وتعديل مجموعة من التشريعات التى تضمن ذلك، وعلى نحو بتوافق مع الدستور الجديد.

أن الوظيفة التشريعية للبرلمان تنصرف أساسًا إلى وضع القوانين. وهذه الوظيفة هى التى تجعل البرلمان من أهم سلطات الدولة، باعتباره ممثل الأمة
ثانيا- سلطات مجلس النواب في دستور 2014
تمارس البرلمانات عددًا من الوظائف، تتراوح فى مجالها ونطاقها من دولة إلى أخرى، وذلك حسب الإطار الدستورى السائد والأسلوب المعتمد فى توزيع اختصاصات السلطة، وكذلك تبعًا لمدى التطور الديمقراطى فى الدولة. وعامة، هناك نوعان من الوظائف للبرلمان، الأول عام، وتمارسه البرلمانات باعتبارها هيئة ممثلة للشعب، ومن ذلك دورها فى صنع السياسات العامة وإقرار خطط التنمية وإقرار الموازنة العامة للدولة. والنوع الثانى ذو طبيعة فنية، وهو ما يعرف بالدور التشريعى والرقابى، الذى تقوم به البرلمانات فى مواجهة السلطة التنفيذية.
وفى هذا الإطار، يمكن القول بأن السلطات المقررة لمجلس النواب المصرى فى دستور ٢٠١٤ متباينة بالكلية عن تلك التى كان يتمتع بها فى دستور ٢٠١٢ أو حتى تلك التى نص عليها فى دستور ١٩٧١.
١ ـ الوظيفة التشريعية: نصت المادة ١ من باب نظام الحكم فى دستور ٢٠١٤، فى الفصل الأول الخاص بالسلطة التشريعية، على أن يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وجاء هذا النص إيمانًا من واضعى الدستور بأهمية الوظيفة التشريعية للبرلمان تاريخيًا وسياسيًا، فمن الناحية التاريخية، تجسدت قيم الديمقراطية فى إنشاء نظام للحكم يعتمد على تمثيل الشعب، ومأسسة المشاركة والمساواة بين المواطنين، وارتكز هذا النظام على وجود هيئة تقوم بدور النيابة عن هذا الشعب فى تقرير أمور حياته.
والجدير بالقول، إن وظيفة التشريع تعد أبرز ما يقوم به البرلمان بصفة عامة، حتى إن التسمية المرادفة للبرلمان فى مختلف الثقافات المعاصرة هى المؤسسة أو السلطة التشريعية. وبرغم أن المبادرة باقتراح القوانين وصياغتها فى هيئة مشروعات تأتى غالبًا من جانب السلطة التنفيذية، فإن ذلك لا ينفى دور البرلمان فى مناقشتها وتعديلها قبل الموافقة عليها، وكذلك اقتراح قوانين جديدة. ومن المهم معرفة أن القوانين ليست مجرد رخص وعقوبات يصدرها المشرع، وإنما القانون تعبير عن إرادة المجتمع وأولوياته، التى يجسدها المشرع فى صورة قواعد عامة تحكم التفاعلات بين الأفراد والجماعات وتنظم العمل والعيش المشترك بينهم. فالتشريع يأتى تاليًا لوضع الأولويات السياسية وتحديد ملامح السياسات العامة المرغوبة، ولا يتم فى فراغ، ومن هنا، نستطيع التحدث عن سياسة تشريعية. والذى يعبر عن تلك السياسة التشريعية هو منظومة القواعد والقوانين الموضوعة وكيفية وضعها وطريقة إنفاذها.
ومن الأهمية القول، بأن الوظيفة التشريعية للبرلمان تنصرف أساسًا إلى وضع القوانين. وهذه الوظيفة هى التى تجعل البرلمان من أهم سلطات الدولة، باعتباره ممثل الأمة ولأنه الذى يسن القوانين ويعدلها ويلغيها، ومن الضرورى موافقته على كل المشروعات والقوانين التى تقدمها السلطة التنفيذية. أضف إلى ذلك أن تنفيذ سياسة الحكومة يتوقف عادة على ثقة البرلمان، وأن القوانين هى التى تحدد مجالات النشاط الحكومى. كما أن مبدأ الشرعية يحد من قدرة السلطة التنفيذية على تعديل هذه القوانين من تلقاء نفســها، وإن كانت تستطــيع - فقط - أن تحدد طريقة تنفيذها. كذلك، فإن السلطة القضائية لا تطبق إلا القوانين التى تقرها السلطة التشريعية.
وفى إطار ذلك، منح دستور ٢٠١٤ الحق فى سن التشريعات لكل من رئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، ولكل عضو فى مجلس النواب، وذلك وفقًا لنص المادة (١٢٢). حيث يحال كل مشروع قانون مقدم من الحكومة أو من عُشر أعضاء المجلس إلى اللجان النوعية المختصة، لفحصه وتقديم تقرير عنه. ولا يحال الاقتراح بقانون المقدم من أحد الأعضاء إلى اللجنة النوعية، إلا إذا أجازته اللجنة المختصة بالمقترحات، وإذ رفضته اللجنة وجب أن يكون قرارها مسببًا. وكل مشروع قانون أو اقتراح بقانون رفضه المجلس، لا يجوز تقديمه مرة ثانية فى ذات دور الانعقاد.
أما بالنسبة لمشروع الموازنة العامة للدولة فقد نص الدستور على تتقدم به الحكومة لمجلس النواب قبل تسعين يومًا على الأقل من بدء السنة المالية الجديدة، ولا يكون نافذًا إلا بعد الموافقة عليه. ويمتلك المجلس الحق فى أن يعدل النفقات الواردة، عدا تلك التى ترد تنفيذًا لالتزام محدد على الدولة. والجدير بالقول، وفقًا لنص المادة (١٢٤)، أنه لا يجوز أن يتضمن قانون الموازنة أى نص يكون من شأنه تحميل المواطنين أعباء جديدة.
ومن الأهمية هنا، التنويه إلى أن الدستور المصرى قد ألزم البرلمان الجديد بإصدار ثلاثة قوانين محددة، هى قوانين بناء وترميم الكنائس، وندب القضاة، والعدالة الانتقالية، وذلك فى الدور الأول من الفصل التشريعى التالى لإعداد الدستور ( م٢٣٥، م٢٣٩، م٢٤١).
٢ ـ الوظيفة الرقابية: أكد دستور ٢٠٠٤ فى مادته الخامسة والرابعة على الفصل بين السلطات والتوازن بينها وتلازم المسئولية مع السلطة، وأن الشعب هو صاحب السيادة، وهو مصدر السلطات. وبناء عليه حافظ الدستور على أشكال الرقابة المتعارف عليها. فهناك ثلاث صور أساسية للرقابة، يكمل بعضها البعض حتى تستقر الديمقراطية ويتحقق التوازن بين السلطات على نحو يعكس الإرادة الشعبية للمواطنين. يتمثل النوع الأول من الرقابة، فى تلك التى يمارسها البرلمان على الحكومة. حيث يعتبر البرلمان سلطة رقابة سياسية على السلطة التنفيذية تحاسبها وتراقب تصرفاتها وأعمالها وقراراتها، ويستطيع البرلمان من خلالها التحقق من مشروعية تصرفات السلطة التنفيذية وأعمالها ومدى استهدافها الصالح العام، ويكون له مراجعتها وإعادتها إلى الطريق الصحيح إذا انحرفت.
ومن ناحية ثانية، فكما أن البرلمان يمارس وظيفة رقابية على الحكومة، فإنه يخضع فى الوقت نفسه لنوع من رقابة الحكومة عليه أيضًا، فإذا كان أعضاء البرلمان يستطيعون استجواب الوزراء، وسحب الثقة من الحكومة إذا ثبت التقصير، فإن الحكومة قد تلجأ إلى حل البرلمان وفقًا لحالات محددة، وفى هذه الحالة تطلب الحكومة من رئيس الدولة حل البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة، فإذا اختار الناخبون نفس أعضاء البرلمان تقريبًا كان معنى هذا أنهم يؤيدون البرلمان ضد الحكومة، وهنا يجب على الحكومة أن تستقيل، أما إذا انتخب الناخبون برلمانًا مختلفًا، فمعنى هذا أنهم يؤيدون موقف الحكومة، فتستمر فى العمل.
وهناك صورة ثالثة للرقابة، وهى التى يمارسها الرأى العام على البرلمان ذاته. وقد تكون تلك الرقابة الاجتماعية على البرلمان موسمية، أو تكون دائمة. فالأولى تتم عند تشكيل البرلمان، وتتمثل فى موقف الناخبين تجاه أعضاء البرلمان وقت الانتخابات، حيث يعتبر تجديد اختيار الأعضاء نوعًا من الرقابة الدورية التى يمارسها الرأى العام على البرلمان. أما الرقابة الدائمة فتتم طوال فترة عمل البرلمان، ويمارسها المجتمع من خلال وسائل الإعلام، سواء من خلال متابعة أداء الأعضاء أو أداء المجلس ككل، وهى نوع مهم جدًا من الرقابة الشعبية على البرلمان.
وفى هذا الإطار، حدد الدستور المصرى سبع وسائل لرقابة مجلس النواب على السلطة التنفيذية، وهى السؤال (م١٢٩)، والتقدم باستجوابات (م١٣٠)، وطلب المناقشة العامة (م١٣٢)، وإبداء الرغبات (م١٣٣)، وطلب الإحاطة (م١٣٤)، وتشكيل لجان تقصى الحقائق (م١٣٥)، وتقديم المواطنين مقترحات لمجلس النواب (م١٣٨)، وذلك إلى جانب سحب الثقة من الحكومة، وذلك عقب استجواب مقدم لها (م١٣١). وبذلك لم يختلف دستور ٢٠١٤ عن دستور ٢٠١٢ فى جميع تلك الوسائل والآليات، باستثناء الخطوات الإجرائية الخاصة بتلك الآليات، إذ اشترط دستور ٢٠١٤ مناقشة الاستجوابات المقدمة بحد أقصى ٦٠ يومًا من تقديمها، كما ألزم دستور ٢٠١٤ الحكومة بالرد على الأسئلة فى ذات دور الانعقاد. وأخيرًا، يقوم البرلمان بذات الدور الذى يقوم به مع رئيس الجمهورية، حال اتهام رئيس الوزراء وأى من أعضاء الحكومة بانتهاك أحكام الدستور والخيانة العظمى أو أية جناية أخرى (م ١٧٣).

اتسم النظام المصرى على مر التاريخ، بأنه نظام يلعب فيه رأس الدولة سواء كان سلطانًا، أو ملكًا، أو رئيس دور محورى، وربما كان هو القلب الصلب للنظام وللتفاعلات السياسية
ثالثا- سيناريوهات العلاقة
اتسم النظام السياسى المصرى على مر التاريخ، بأنه نظام يلعب فيه رأس الدولة سواء كان سلطانًا، أو ملكًا، أو رئيس دور محورى، وربما كان هو القلب الصلب للنظام وللتفاعلات السياسية، وبالتالى انعكس ذلك فى أن رأس الدولة كان عادة ما يجمع فى يده جميع السلطات والصلاحيات. لكن مع تطور الأوضاع السياسية والاحتكاك بالتجارب والنظم السياسية الحديثة، والتى تتسم فيها مؤسسات الدولة والعلاقات بينها بالتعقيد وتفتيت السلطات وتوزيعها بين المؤسسات، بدأ تحول نوعى جديد نحو مزيد من تشتيت السلطة وإخراج بعض السلطات والصلاحيات من يد رأس الدولة لصالح المؤسسات السياسية الحديثة والمستحدثة مثل البرلمان.
وهنا يجب الإشارة إلى محددات ثلاثة تتحكم فى مسارات ومستقبل العلاقة بين مجلس النواب ورئيس الجمهورية، وهى كما يلى:
١ـ محددات دستورية، حيث أعطى الدستور للرئيس حق حل مجلس النواب عند الضرورة، وبعد استفتاء الشعب، ولسبب غير الذى حل من أجله المجلس السابق. كما أقر الدستور (م١٦١) بحق المجلس فى إقالة الرئيس بسحب الثقة منه، وعقد انتخابات مبكرة، وذلك بطلب مسبب من أغلبية نواب البرلمان، وموافقة ثلثى النواب، على أن يعرض الأمر على الاستفتاء الشعبى، الذى يعقبه حل البرلمان إذا ما رفض الشعب إقالة رئيسه. كما يحق لمجلس النواب اتهام الرئيس بانتهاك الدستور أو الخيانة العظمى أو أية جناية أخرى، وذلك بطلب من أغلبية النواب، وبموافقة الثلثين (م ١٥٩). إضافة إلى ذلك يقدم رئيس الدولة استقالته لمجلس النواب، كما يحق لرئيس الدولة تعيين ٥٪ من نواب البرلمان، وما يعادل ٢٣ نائبًا على الأقل، فضلًا عن حق الرئيس فى دعوة البرلمان فى اجتماع عادى وغير عادى.
٢ ـ محددات تشكيل الحكومة، حيث أقر الدستور حق رئيس الجمهورية فى تكليف رئيس لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فإذا لم تحصل حكومته على ثقة الأغلبية خلال ٣٠ يومًا، يكلف رئيس الجمهورية رئيسًا لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد المجلس (م١٤٦). وبالتالى، فإن الحكومة لن تراقب وتساءل من البرلمان فقط، ولكن أيضًا رئيس الجمهورية الذى له حق تفويض جزء من اختصاصاته لرئيس الوزراء (م١٤٧)، وإعفاء الحكومة من أداء عملها بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، أو إجراء تعديل وزارى بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة المجلس (م١٤٧).
٣ ـ حجم ونوعية الأغلبية البرلمانية، فإذا كانت الأغلبية لأحزاب متوافقة، أو موالاة، مع الرئيس فإن هذا يعنى أن الرئيس سيكون قد أحكم سيطرته على النظام السياسى بشكل كامل، مما سيغيب معه أى دور رقابى للبرلمان على الرئيس وحكومته. أما إذا حدث الاحتمال الأضعف أى صارت الأغلبية البرلمانية تعارض الرئيس وقامت بتشكيل الحكومة، فإن الحكومة ستكون مدعومة من السلطة التشريعية فى مواجهة الرئيس المدعوم شعبيًا، وهو ما سيفرض تحديات عملية، وقد يتعرض النظام السياسى لحالة من الشلل بين قطبى السلطة التنفيذية والتشريعية، وهو ما سيجبرهما معا أو أحدهما على اللجوء إلى الشعب من خلال الاستفتاء على بقاء الطرف الآخر، بما يمتلكه ـ كما سبق القول ـ من صلاحيات دستورية.
بناء على المحددات السابقة، يمكن تحديد ثلاثة سيناريوهات متوقعة للعلاقة بين الرئيس والبرلمان، تقع جميعها على خط مستقيم، يقع اثنان منها على طرفى النقيض، وأحدها فى المنطقة الوسط، ويميل للمراوحة بين النقيضين.
أولا: الوئام الكامل، وهو السيناريو الأكثر تفاؤلًا، حيث تتسم العلاقة بين الرئيس ومجلس النواب بالتعاون الكامل، وهو ما يعنى الاتفاق بينهما، الذى يصل إلى حد التطابق على الأجندة التشريعية، وعلى الخطة والموازنة العامة للدولة وغيرها من التشريعات التى يحتاجها الرئيس لتنفيذ رؤيته الخاصة بتحقيق التنمية وعودة الأمن ومواجهة المخاطر الخارجية.
وفى ضوء هذا السيناريو، بالتأكيد تكون الأغلبية فى البرلمان من الأحزاب المساندة والداعمة لثورة ٣٠ يونيو٢٠١٣، بالإضافة إلى المستقلين الذين ينتمون إلى التيارات القومية المدنية والليبرالية. وفى ظل هذا السيناريو يستطيع الرئيس تمرير حكومته من البرلمان دون الرجوع إلى الحزب أو الائتلاف الحائز على الأغلبية فى البرلمان من المرة الأولى، وهو ما سيحرص الرئيس عليه فى أول اختبار له لشكل العلاقة بينه وبين البرلمان.
وعلى قدر المميزات لهذا السيناريو توجد بعض العيوب، من بينها قدرة الرئيس على تمرير ما يشاء من قوانين وقرارات دون إدخال تعديلات جوهرية عليها من قبل البرلمان. وبالتالى لن يؤدى البرلمان مهامه الأساسية ممثلة فى التشريع والرقابة بالكفاءة المطلوبة أو المتوقع لبرلمان جاء بعد ثورتين، وهو ما سيجعل الحكومة أيضًا أكثر قوة من البرلمان، وهذا غير مطلوب فى مرحلة الانتقال الديمقراطى.
٢ ـ سيناريو الإخضاع للتوافق، وهو سيناريو وسطى، وهو الأقرب للواقع، حيث يتبع كل من الرئيس والبرلمان سياسة «العصا والجزرة» تجاه الطرف الآخر، حيث سيحافظ كلاهما على شعرة معاوية ممتدة بينهما. بمعنى آخر، أن العلاقة بينهما يسودها شكل من أشكال التعاون فى بعض الفترات تارة، ونوع من الجذب فى فترات أخرى، ولكنها لن تصل إلى حد الصدام، وهنا سيحاول كل طرف منهما إعمال حقوقه وسلطاته التى كفلها له الدستور، وربما يحدث ذلك عندما تختلف الأجندة التشريعية للرئيس عن تلك التى للبرلمان، أو عندما يقوم البرلمان بإدخال تعديلات جوهرية على بعض القوانين التى يقترحها الرئيس أو حكومته فى حال تشكيله هو للحكومة.
ويتحقق هذا السيناريو فى عدة حالات، الأولى إذا استطاع أحد الأحزاب أو الائتلافات تشكيل أغلبية برلمانية، ورفض التشكيل الأول للحكومة الذى يتم عن طريق رئيس الدولة، وقام هذا الائتلاف فيما بعد بتشكيل الحكومة. والحالة الثانية، هى موافقة الحزب أو الائتلاف على تشكيل حكومة الرئيس، ولكنه يختلف مع الرئيس أثناء الدورة البرلمانية على وضع الأجندة التشريعية، أو على تمرير بعض القوانين التى يرى فيها الرئيس والحكومة ضرورة ملحة لاستكمال خطة عمل الحكومة.
ومن الأهمية القول، إنه فى حال تحقق هذا السيناريو سيكون لمجلس النواب دور مهم وأكثر فاعلية فى تحقيق عملية التحول الديمقراطى، حيث سيسمح بتفعيل مبدأ التوازن بين السلطات، بما لا يغل يد الرئيس وحكومته فى تنفيذ خطط التنمية، أو إدارتهم للملفات السياسية والاقتصادية المختلفة.
٣ ـ سيناريو المواجهة، وهو السيناريو الأكثر تشاؤمًا، والأقل احتمالية فى الحدوث، ويتحقق هذا السيناريو فى ظل عدة احتمالات: الأول، هو حصول حزب من أحزاب رجال الأعمال على أكثرية عددية فى البرلمان، وتشكيله للحكومة، والاحتمال الثانى، هو حدوث انشقاق بين القوى المدنية والليبرالية والمستقلين داخل البرلمان، وقيام هذه القوى المختلفة بالتكتل ضد الأجندة التشريعية للرئيس، وفى هذه الحال ربما يلجأ كل طرف إلى الدستور، حيث يقوم الرئيس بتهديد البرلمان بالحل، وذلك لأنه تحققت من وجهة نظره حالة الضرورة التى نص عليها الدستور، وحينئذ يشرع الرئيس فى إجراء استفتاء شعبى لحل البرلمان، وفى ذات الوقت يقوم البرلمان بسحب الثقة من الرئيس والدعوة لعقد انتخابات رئاسية مبكرة، خاصة أن البرلمان سيوجه إليه تهمة انتهاك الدستور للرئيس.
وخطورة هذا السيناريو، هو أنه يدخل البلاد فى دوامة جديدة من حالة الفوضى السياسية مرة أخرى، حيث يحاول كل طرف حشد أنصاره فى مواجهة الطرف الآخر، وهنا تكمن الخطورة فى اللجوء إلى شرعية «الميدان» مرة ثانية، فبدلًا من الانتقال إلى بناء هياكل مؤسسات الدولة وإحداث الاستقرار الدستورى والانتهاء من المرحلة الانتقالية الثانية، تدخل مصر فى مرحلة انتقالية جديدة، ولكن هذه المرة لن تستقر فيها البلاد بأى حال من الأحول، وبذلك أيضًا ينشغل الرئيس والبرلمان معًا عن خططهم لتحقيق التنمية ومحاربة الإرهاب والاستجابة لمطالب عموم المصريين الخاصة بتحقيق الكرامة الإنسانية والحرية. والخلاصة، فإن السيناريو الثانى هو الأقرب إلى الواقع، حيث التعاون تارة والجذب تارة أخرى بين السلطة التشريعية والتنفيذية، وذلك بسبب التركيبة الحزبية والسياسية والاجتماعية الجديدة للبرلمان، وعدم وجود أغلبية لحزب أو لتيار سياسى واحد، كما أن أى ائتلاف داخل البرلمان لن يستطيع أن يجبر الأعضاء على الموافقة على طول الخط، وبالتالى فهو مهدد بانسحابات وانشقاقات بشكل مستمر، وهو ما سوف يرهق الدولة وزعيم الأغلبية فى ذات الوقت.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟