المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

التقرير الصادم: الإخوان وبريطانيا ... تغير محفوف بالمخاطر

الإثنين 21/ديسمبر/2015 - 11:15 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د. محمود أحمد عبد الله
في تقرير جديد من نوعه، أصدرته الحكومة البريطانية حول الإخوان ونشاطها في بريطانيا وخارجها، نقع على تغير ملموس في علاقة بريطانيا والإخوان، تغير محفوف بالمخاطر. يبلغ التقرير مائتي صفحة، ونشرت منه النتائج الأساسية. وتنقسم بنية التقرير إلى جزأين. تناول الجزء الأول تاريخ الجماعة منذ بداية نشأتها حتى وصولها للحكم، فيما يتناول الجزء الثاني الإخوان في بريطانيا وشبكة علاقات الجماعة بالمجتمع البريطاني، واحتمالات علاقاتها بالجماعات المصنفة كجماعات إرهابية عبر العالم.
نشرت الحكومة البريطانية التقرير على موقعها، وأعده تشارلز فار السفير البريطاني السابق في السعودية، والخبير الأمني جون جنكيز. وقد وجه التقرير انتقادات عديدة للجماعة تمثلت في اعتبارها الحاضنة الأيديولوجية للفكر المتطرف، ومن عباءتها يخرج المتطرفون، بداية من كتابات سيد قطب. كما رأى التقرير أن الجماعة لا تشجع دمج المسلمين في المجتمع البريطاني، وترى فيه مجتمعا كافرا، لا يؤمن بقيم الإسلام. ويوجه التقرير الأنظار لعلاقة الجماعة بحركة الحماس التي تعتبر داخل بريطانيا حركة إرهابية. علاوة على انتقادات أخرى عديدة.
ورغم ما وجهه التقرير من نقد قاس للجماعة، يضعها في مصاف الجماعات الإرهابية بممارسات التحريض والدعم الأيديولوجي للتطرف، أعلن ديفيد كاميرون بأن الحكومة لن تحظر الجماعة لكنها ستكتفي بتشديد الرقابة عليها. وهنا يبرز سؤال: لماذا لجأ ديفيد كاميرون لإمساك العصا من المنتصف؟
وجه التقرير انتقادات عديدة للجماعة تمثلت في اعتبارها الحاضنة الأيديولوجية للفكر المتطرف، ومن عباءتها يخرج المتطرفون
أولا- بدايات العلاقة
يشير البعض إلى أن الجماعة حصلت على تمويل بداية ظهورها من المحتل البريطاني، وهذا التمويل هو بداية التعاون بين الطرفين، تعاون جاء بعد لأي. فالتعاون مع المخابرات البريطانية، كان يهدف في النهاية لإضعاف قوة "الوفد". وربما مثلت تقوية الإخوان بهدف تدعيم الفتنة الطائفية التي لطالما أججها الاحتلال، وعمل على إيقاظها، حتى يضمن استمرارها. وليست علاقة الجماعة ببريطانيا غريبة، بل إن مؤسسها كان على علاقة بالألمان، وتراسل مع هتلر قبل وصوله للحكم، تأييدا لمعارضة هتلر لوجود اليهود.    
ولكن العلاقة لا تقف عند هذه البداية، بل وتمتد منذ هجرة أفراد الجماعة لأوربا وتأسيس المراكز الإسلامية هناك بتمويل خليجي، أو بالأدق بتمويل سعودي كجزء من المكايدة السعودية للنظام الناصري. وفي لندن ولد واحد من أقوى المراكز الإسلامية في أوربا، وهو الحاضنة الأساسية لأفراد الجماعة.
يشير التقرير إلى الخطاب الحربائي للجماعة. حيث كانت تخاطب الغرب بوصفها حركة ديمقراطية تدافع عن الحرية، وتواجه العسكرة
ثانيا- انتقادات التقرير
قدم التقرير عددا من الانتقادات المهمة التي ينبغي النظر لها بعناية وتدبر. أولها تعارض القيم البريطانية الداعية لحرية التعبير والحرية الشخصية، واحترام الاختلاف، والتسامح والمساواة ورفض التمييز، مع القيم التي يدعو لها الإخوان. فالجماعة بذلك حجر عثرة أمام اندماج البريطانيين المسلمين في مجتمعهم، وهم بذلك يمثلون خطرا داهما في المستقبل. والواقع ان البرامج الموجهة لدمج المتطرفين، تسعى دومًا لغرس تصور أساسي وهو أن "تكون بريطانيا يعني أن تكون مسلما". فاندماج الفرد في الكل الاجتماعي البريطاني يتطلب بالضرورة تحقق شرط المواطنة والشعور بالعضوية في المجتمع البريطاني كشرط مبدئي قبل الإيمان بدين معين. ولعل ما تقوم به حركة الإخوان يصب في صالح اليمين المتطرف الذي يدعي أن المسلمين يمثلون خطرا على بريطانيا، ووصلت دعايتهم المبالغة إلى حد ادعاء أن هناك مدنا ستخضع مع الوقت للشريعة الإسلامية مع زيادة عدد المسلمين بها، أو القول بأن بريطانيا ستتحول خلال عشرين عاما إلى دولة تحكمها الشريعة الإسلامية. وهو ما يتناقض مع الديموجرافيا البريطانية. حيث يصل تعداد المسلمين 4.4% من نسبة عدد السكان في بريطانيا.
كذلك وجه التقرير انتقادات لتأييد الجماعة لحركة حماس في فلسطين، ولما قامت به من أعمال عنف تجاه إسرائيل، علاوة على تأييدها الضمني لما قامت به القاعدة في أمريكا، حين ادعت أن حادث الحادي عشر من سبتمبر هو حادث مختلق من جهة الإدارة الأمريكية لتخويف العالم من المسلمين، بدلا من إدانة الفعل الإجرامي الذي تسبب في كارثة إنسانية. وهو ما يتأكد في العلاقات التي أقامتها الجماعة مع "الجماعة الإسلامية" التي تكونت من آسيويين شاركوا في محاربة أفغانستان. ما يوجهه التقرير بوضوح هو نقد النزعة الدموية لدى الجماعة، وعدم إدانتها لأعمال العنف الدموي، وتورطها في بياناتها المكتوبة بالعربية للتحريض عليه. بل أشار إلى أن بدايات التحريض وممارسة العنف تعود إلى حسن البنا الذي قبل الاستخدام السياسي للعنف، وارتكبت الجماعة أعمال عنف ضد مسئولين حكوميين في الحكومة المصرية.
وفي الواقع إن التقرير يشير إلى الخطاب الحربائي للجماعة. حيث كانت تخاطب الغرب بوصفها حركة ديمقراطية تدافع عن الحرية، وتواجه العسكرة. وهو ما ردده أحد قادتها وهو عمرو دراج ردا على التقرير نفسه، واصفا الجماعة كتنظيم ديمقراطي. بينما على الطرف الآخر توجه خطابها للعرب باعتبارها حركة تدافع عن الإسلام والمسلمين أمام هجوم العلمانيين. ولعلنا نتذكر ما حدث بعد الثلاثين من يونيو عندما وقف أحد قادة الجماعة في إحدى الدول العربية وهو يخاطب الجماعة قائلا إن العلمانيين لم تعجبهم الانتخابات التي أتت بالإسلاميين، فانقلبوا عليها، وعزلوا الرئيس المسلم. ونستطيع أن نجد الأمر ذاته في خطاب المرشد العام للجماعة، عندما أراد ضم أصوات شباب الثوار لتقف إلى جوار جماعته، تحت دعوى الدفاع عن النظام الديمقراطي والحرية. فيما يرى التقرير أن سقوط الجماعة عن الحكم نتاج لعدم تقديمهم نموذجا للحكم الديمقراطي أو الاعتدال الفكري.
وكان ثالث الانتقادات أن الجماعة لم تقم بمراجعة فكرية للجذور والمسلمات الفكرية لها. لقد استطاع التقرير أن يشير لذلك مرتين. الأولى عندما أشار أحد أعضاء الجماعة إلى أن المواد التي يقدمونها للجمهور البريطاني المسلم لا تزال على الأيديولوجيا القديمة، ولم تجر تغييرات عليها، بما يهدد علاقة المواطنين البريطانيين المسلمين بوطنهم. والثانية عندما أشار التقرير إلى أن الجماعة لم تعاود التفكير في طروحاتها مرة أخرى، لكنها مصرة على أفكارها.
يدين التقرير علاقات الخليج بالجماعة ومسئوليته عن تمويلها
ثالثا- إشكاليات أساسية
إن التقرير الحالي هو استجابة بريطانية لوضع شديد التعقيد. فمن ناحية مثل الإخوان المسلمين الجماعة المساندة للنظام السياسي البريطاني عندما ساعدته في الكشف عن المتشددين الذين دخلوا لبريطانيا، ومكنت السلطات من أحد أهم المتشددين. ومن ناحية ترتبط الحكومة بعلاقات مصلحة مع الخليج، وبأقوى دولتين فيه وهما السعودية والإمارات. وقد خرجت تشكيكات في التقرير، تزعم أن الإمارات ضغطت للخروج بالنتائج الحالية، مقابل أن تضخ مئات المليارات، أو تزعم أن أحد أفراد واضعي التقرير كان سفيرا سابقا لبريطانيا لدى السعودية، حيث صرح أحد النواب البريطانيين بأن الرجل في مأزق. ولكن هذه التشكيكات مردود عليها وتحمل تناقضاتها. فالتقرير يدين علاقات الخليج بالجماعة ومسئوليته عن تمويلها. أما كون السفير البريطاني أحد واضعي البريطاني، فالرجل في النهاية يعمل لصالح بريطانيا وليس لصالح السعودية.
على أن التشككات الحقيقية يطرحها دوجلاس موراي، تشككات تتعلق بالحكومة البريطانية، وفي قدرتها على مواجهة الجماعة، وفي الإجراءات التي طرحتها. فقد جاءت لغة رئيس الوزراء مراوغة. فهو يقر بأن الجماعة تقدم قيما تتعارض مع قيم المجتمع البريطاني، وفي نفس الوقت لن يقوم بحظرها، بل سيضعها قيد المراقبة. وهنا يطرح موراس عددا من الأسئلة الصعبة. إذ يتساءل كيف يمكن للمنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين ـ التي وردت أسماؤها في التقرير، ولا يزال بعضها على صلة وثيقة بحماس ـ كيف يمكن اعتبارها منظمات خيرية في حين توصف بـ"المتطرفة" من جهة الحكومة البريطانية؟، وما الإمكانات المتاحة لـ"لجنة الجمعيات الخيرية" وغيرها من السلطات المختصة بالتحقيق، ومتابعة تلك الجمعيات الخيرية التي يوصف أعضاؤها بالتطرف؟ وماذا عن أعضاء الجماعة والتابعين لها الذين يقومون بالتدريس في الجامعات أو يعملون في الهيئات العامة الأخرى في بريطانيا؟ وماذا عن الكليات التي تقبل المال من المنظمات المرتبطة بالإخوان؟ كيف يمكن أن يستمر التبرع بعد نتائج هذا التقرير، وما الإجراءات التي ستتخذ بأثر رجعي لملاحقة الذين شاركوا في هذه الأعمال؟
علاوة على هذه التشككات، فالتقرير سوف يتسبب في تغيير موازين السلطة في الجانب الفلسطيني، وموازين القوى التي تكون فيها الجماعة طرفا مشاركا. فلن تجد حركة حماس التمويل الذي تحتاج إليه من المنظمات البريطانية الخيرية، وهو ما سيُصعّب موقفها. علاوة على ذلك ستقل فرص التأييد الذي كانت تحصل عليها الجماعة في أوربا، وسيكون للتقرير أثره في بلدان أخرى، وربما نجد تقارير أخرى في ألمانيا، أو فرنسا، أو أن تحرك بريطانيا الأمر داخل الاتحاد الأوربي، وهو ما سيضعف موقف الجماعة، ويقلل من مصادر التمويل التي اعتمدت عليها سلفا. وهو ما سنجد أثره في الوضع السوري بالذات.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟