المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د . أحمد سيد أحمد
د . أحمد سيد أحمد

تكلفة الفرصة الضائعة عربيا فى 2015 وما قبلها

الأربعاء 30/ديسمبر/2015 - 01:14 م
يطوى عام 2015 أوراقه على مشهد عربى ضبابى, تتمزق الصراعات والأزمات كثيرا من دوله ومجتمعاته,
فى مرحلة مهمة من تاريخه بدأت عقب ثورات الربيع العربى وامتدت لأكثر من خمس سنوات دون وجود أية بوادر فى الأفق توحى بوجود نهاية لهذه الحالة المأساوية, واستمرار حالة النزيف البشرى والمادى, حيث الصراع فى سوريا ومئات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين وتدمير شبه كامل لبنية الدولة ومؤسساتها وتحولها لساحة صراع واستقطاب بين القوى الإقليمية والداخلية, محصلتها النهائية مزيد من التدمير والقتل, وفشل الحلول السياسية حتى الآن فى وضع نهاية لتلك المأساة, وفى العراق مازالت آلة القتل والصراع السياسى الذى أخذ طابعا طائفيا, مستمرة حتى قبل الربيع العربى, وازدادت تعقيدا بعد تصاعد التنظيمات الإرهابية مثل داعش وسيطرتها على مساحات شاسعة من أراضيه, وما زال المنهج العسكرى والاستقطابى هو السائد فى التعامل مع المعضلة العراقية رغم فشله وتداعياته الكارثية على الشعب العراقى, ويعيش اليمن حالة اللادولة مع استمرار وتأزم الصراع بين قوات الشرعية والمتمردين الذين تدعمهم إيران.

وما بين تلك الحالات الثلاث الصارخة تتفاوت بقية الدول العربية فى أزماتها ومشكلاتها وتحدياتها, فليبيا تحاول الإمساك بتلابيب الحل السياسى كفرصة أخيرة لإعادة بناء الدولة ووقف تمدد الإرهاب, وتونس, والتى تعد النموذج الناجح للربيع العربى, مازالت تعيش حالة الاستقطاب السياسى وخطر الإرهاب الذى يهدد نموذجها, وبقية الدول العربية إما تعيش حالة استقطاب سياسى أو أزمات اقتصادية أو خطر الإرهاب, أو تحديات تمس وجود الدولة الوطنية ذاته.

القاسم المشترك فى المشهد العربى بكل حالاته وأوضاعه هو تكلفة الفرصة الضائعة لأكثر من خمس سنوات, فتداعيات هذه الصراعات والأزمات ليس فقط ما أفرزته من ضحايا من القتلى والجرحى واللاجئين وتدمير البنية الأساسية والمؤسسات, وإنما الأخطر هو حرمان العالم العربى من فرصة حقيقية فى تحقيق التنمية والتقدم والازدهار والتماسك, وفى الوقت الذى تتقدم فيه مناطق العالم الأخرى على اختلاف ظروفها فى قارات العالم, وتسير فى مسار التقدم والبناء, يسير العالم العربى فى مسار الصراع والحروب وأصبح الساحة العالمية الأولى والوحيدة الملتهبة بأزماتها وتناقضاتها. وبمنهج علم السياسة الحديث «ماذا لو» سار العالم العربى فى الطريق الصحيح كبقية شعوب ودول العالم, ماذا لو أن ثورات الربيع العربى سارت فى طريقها المنشود فى تحقيق الحرية والتنمية والكرامة والعدالة الاجتماعية ولم تنحرف عن مسارها وتنتهى إلى هذه النهايات بعد أن كانت مصدر إلهام لبقية الشعوب ونموذجا يحتذى, ماذا لو أن النظم العربية وظفت مواردها الطبيعية والبشرية الهائلة فى تحقيق التنمية والازدهار الاقتصادى ورفع مستويات شعوبها على جميع المستويات, ماذا لو أن آلة القتل والتدمير التى تعمل بكل كفاءة فى كثير من مناطق العالم العربى تم استبدالها بآلة البناء والتعمير, ماذا لو أن حالة التناحر والاستقطاب بين طوائف وأبناء الشعوب العربية تحولت إلى حالة من التماسك والتعايش والتكاتف على هدف مشترك فى بناء مجتمعهم باعتبار أنهم يواجهون مصيرا واحدا, ماذا لو استبدلت نظرية المباراة الصفرية فى إدارة صراعاتهم إما فائز أو خاسر, سواء بين أنصار النظم القديمة أو أنصار الثورات أو بين التيارات السياسية المختلفة سواء يسارية أو إسلامية أو ليبرالية, بنظرية التكامل وأن الكل فائز من التعاون والكل خاسر من الصراع وهو ما أثبتته تجربة الخمس سنوات الماضية. ماذا لو تم تحويل الاختلافات الدينية واللغوية والعرقية والسياسية من عامل تناحر وتصادم إلى عامل ثراء وتكامل فى إطار دولة القانون والمؤسسات ومبدأ المواطنة الذى يساوى بين الجميع فى الحقوق والواجبات. ماذا لو تكاتف العالم العربى فى مواجهة الخطر الأعظم وهو خطر الإرهاب بدلا من لعبة المصالح والحروب بالوكالة وهو ما ساهم فى انتشاره وتغلغله. ماذا لو أن الدور العربى كان بديلا للدور الخارجى, الذى كان سلبيا فى تفاعله مع أزمات ومشكلات العالم العربى وساهم فى تعقدها, ماذا لو تم حل الأزمات العربية بمنطق الإدارة السلمية والحلول السياسية التوافقية التى تستوعب الجميع بدلا من منهج التهميش والإقصاء والرهان على الحل العسكرى لحسم الصراع.

تكلفة الفرصة الضائعة للسنوات الخمس العجاف التى عاشها العالم العربى تمثلت فى فشل تحقيق الخيار الثالث ما بين الاستبداد والقمع وما بين الفوضى والإرهاب, ويتمثل فى خيار الديمقراطية والتنمية, والتى بالتأكيد ستكون فى صالح الجميع وتكلفتها أقل كثيرا جدا من تكلفة الصراع، بينما مكاسبها لا تقارن مع الحالة التى وصل إليها العالم العربى.

الأخطر هو أن تستمر الفرصة الضائعة للعالم العربى فى العام الجديد, وترتفع تكلفتها بحيث يصعب تعويضها, إذا لم يتغير المنهج والتناول مع أزماته وأن يكون هناك تقييم ومراجعة حقيقية من جميع أطراف المشهد العربى والتعلم من دروس المرحلة الماضية, وأن تكون هناك رغبة حقيقية وقدرة على إعادة تصويب المسار العربى لينتقل من حالة الرجوع إلى الوراء إلى حالة التقدم للإمام ووقف نزيف الخسائر وآلة القتل والدمار والهشاشة المجتمعية, وأن يشهد عام 2016 عزما صادقا نحو إطفاء البؤر الملتهبة فى مناطق الصراع فى ليبيا وسوريا والعراق واليمن, وأن تعاد اللحمة والتماسك المجتمعى للدول العربية التى تشهد استقطابات حادة, وأن يدرك الجميع أن هناك خيارين لا ثالث لهما, إما التماسك والتضامن, وهو ما يبدو مثاليا وإما الانزلاق إلى الهاوية واستمرار النزيف والفرص الضائعة وهو الأقرب إلى الواقعية.
نقلا عن الاهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟