المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. هشام مراد
د. هشام مراد

مصر وفرنسا

السبت 02/يناير/2016 - 11:04 ص

تشهد العلاقات المصرية الفرنسية إنطلاقة غير مسبوقة منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مقاليد الأمور فى البلاد. ولاشك أن أبرز مظاهر ذلك التقارب يتمثل فى صفقات السلاح المتعاقبة التى تم إبرامها إبتداء من فبراير الماضى. وليست هذه هى المرة الأولى التى تشترى فيها مصر السلاح من فرنسا. فقد سبق وأن حصلت على طائرات ميراج 5 فى بداية السبعينات حينما تلكأ الإتحاد السوفييتى فى ذلك الوقت فى تعويض مصر عما تفقده من سلاح وفى تزويدها بالمتطور منه. كما تعاقدت مصر أواخر عام 1981 على شراء طائرات ميراج 2000، وكانت هى أولى الدول الأجنبية المستوردة لهذا الطراز، بعد أن بدأت تتحول نحو شراء السلاح من الدول الغربية، وفى مقدمتها الولايات المتحدة، فى أعقاب التوقيع على إتفاقية كامب ديفيد عام 1978 ومعاهدة السلام مع إسرائيل فى العام التالى. ولم تكن تلك هى الأسلحة الوحيدة التى حصلت عليها مصر من فرنسا، وإن كانت هى أهمها لأن المقاتلات هى السلاح الأكثر تطورا من الناحية التكنولوجية، إذ إستوردت مصر كذلك أنواع مختلفة من الصواريخ مثل كروتال المضادة للطائرات عام 1980.

إلا أن الصفقات الأخيرة تكتسى أهمية خاصة من ناحيتين، ترتبط الأولى بتنوع وإتساع المجالات الحربية التى تغطيهاالأسلحة المتضمنة فى تلك الصفقات والتى تتراوح بين المقاتلات الحديثة ووحدات البحرية المتقدمة والتى تزود الجيش المصرى بقدرات وإمكانيات لم تكن متاحة له من قبل. فحاملة طائرات الهليكوبتر "ميسترال"، التى تعاقدت مصر على شراء إثنين منها، تستطيع نقل 16 طائرة هليكوبتر وعشرات الدبابات ونحو 1000 جندى للقيام بعمليات الإنزال البرمائى. وهى تمنح الجيش إمكانيات الدفاع عن الأمن القومى فى أماكن النزاعات المسلحة التى قد تهدد المصالح القومية المصرية مثل ليبيا واليمن وكذلك ضمان أمن الملاحة فى مضيق باب المندب الذى يتحكم فى المجرى الملاحى لقناة السويس. كما تمتلك تلك الأسلحة قدرات تكنولوجية متقدمة تتعدى مثيلاتها فى الصفقات السابقة مع فرنسا. وتأتى المقاتلة رافال متعددة المهام، التى تعاقدت مصر على شراء 24 منها، فى المقدمة لقدراتها العالية والمتنوعة. يضاف إلى ما سبق، تعاقد مصر على شراء فرقاطة "فريم" متعددة المهام وأربع طرادات "جويند" مضادة للغواصات. وهى تتفاوض حاليا على شراء طائرات هليكوبتر إن إتش 90 الفرنسية لتزويد حاملتى "ميسترال" بها.

ومن جانب أخر، فإن الأهمية الخاصة لتلك الصفقات تنبع من السياق السياسى الذى تمت فى نطاقه وبالتالى من مغزاها السياسى. فتلك الصفقات، التى أبرمت فى وقت قياسى نظرا لإلحاح التحديات الأمنية، أتت على خلفية التوتر فى العلاقات بين مصر والولايات المتحدة بسبب إختلاف وجهات النظر حول تطور الأوضاع السياسية فى مصر ومحاولة واشنطن إستخدام مساعداتها العسكرية السنوية لمصر، والتى تبلغ 1.3 مليار دولار، للتأثير على سياسات النظام المصرى بهذا الشأن. فقد علقت الولايات المتحدة فى الربع الأخير من 2013 تسليم المعدات العسكرية الثقيلة لمصر، ومن بينها المقاتلات إف 16 والقطع اللازمة لدبابات إم 1 أبرامز وصواريخ هاربون المضادة للسفن. وقد عدلت واشنطن من موقفها فى مارس الماضى وقررت إستئناف تسليم تلك المعدات. ومن المرجح أن سياسة تنويع مصادر السلاح التى سعت إليها مصر باتجاه روسيا وفرنسا، فى أعقاب محاولة واشنطن إستخدام معونتها العسكرية للتأثير على السياسة الداخلية المصرية، قد حدت بالرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى تعديل سياسته، حيث أدرك حدود -أو محدودية- تأثير بلاده فى هذا الشأن. ففضل تدارك الأمر لمنع مزيد من تراجع العلاقات. ولكن عناصر عدم الثقة مازالت قائمة ويؤكدها قرار الإدارة الأمريكية بتقييد قدرة مصر على الحصول على المعدات الثقيلة بتمويل من المساعدة العسكرية، إعتبارا من عام 2018. ووفقا للرؤية الأمريكية الحالية، فإن الأسلحة الجديرة بتمويل المعونة العسكرية هى الأسلحة الخفيفة و"الذكية" اللازمة لمكافحة الإرهاب وتأمين الحدود وحماية أمن وسلامة عبور السفن فى قناة السويس. وعلى خلفية تلك التطورات فى العلاقة مع الولايات المتحدة، جاء قرار مصر بتنويع مصادر السلاح لكى يبعث برسالة واضحة إلى واشنطن فى شأن محاولات التدخل فى شئونها الداخلية ولكى يعمل على تقليل الإعتماد عليها فى مجال السلاح. ولا يعنى ما سبق أن هناك رغبة فى القطيعة من أى من الدولتين مع الأخرى. فالعكس هو الصحيح. فالولايات المتحدة بحاجة لمصر لخدمة مصالحها فى المنطقة، كما أن مصر بحاجة للولايات المتحدة على المستويات السياسية و الإقتصادية والعسكرية. كما أنه من الصعب إيجاد بديل للسلاح الأمريكى على المدى القصير والمتوسط، حتى وإن تم تقليل الإعتماد عليه. والواقع هو أن العلاقات المصرية الأمريكية، بعد التغييرات الكبيرة التى شهدتها مصر فى السنوات التى أعقبت ثورة يناير 2011، تمر بمرحلة البحث عن نقطة توازن جديدة تأخذ فى إعتبارها مصالح كلا الطرفين. ولا يبدو أنه من الممكن التوصل إلى ذلك التفاهم قبل إنتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة فى نوفمبر القادم.

وقد أدى تقارب المصالح و الرؤى بين القاهرة وباريس إلى تمهيد الطريق لتوقيع صفقات السلاح. وساهم سببان رئيسيان فى تسهيل وتسريع هذه المهمة. أولها رغبة فرنسا الشديدة فى تسويق طائرة الرافال. فمنذ دخولها الخدمة عام 2006، تعثرت كل محاولات تصدير المقاتلة. وكانت الحكومة الفرنسية تعلم أن إبرام أول صفقة لبيع الطائرة سيفتح الطريق لمزيد من المبيعات. ولذلك عندما أبدت القاهرة رغبتها فى شراء الرافال، بادرت باريس بتسهيل إجراءات إتمام الصفقة، بما فيها تمويل نصف قيمة العقد البالغ 5.9 مليار دولار من خلال قرض ميسر تقدمه البنوك الفرنسية. وبالفعل فإن إتمام الصفقة المصرية، الذى تم خلال خمسة أشهر فقط وهو رقم قياسى بالنسبة لمفاوضات تصدير السلاح، تبعه توقيع صفقتين لبيع الرافال مع الهند (36 طائرة) وقطر (24). وبفضل تلك الصفقات سوف تحتل فرنسا للمرة الأولى فى عام 2015 المركز الثانى، بعد الولايات المتحدة، بين الدول المصدرة للسلاح فى العالم، متخطية بذلك روسيا والصين اللتان كانتا تسبقانها فى عام 2014. وهناك ثانيا السياسة الإستقلالية التقليدية التى تتبعها فرنسا داخل المعسكر الغربى و التى تدفعها أحيانا لإتباع سياسات مخالفة لسياسات الولايات المتحدة. فبريطانيا تميل تقليديا لأسباب تاريخية وجغرافية لإتباع سياسة خارجية أكثر إرتباطا بالسياسة الأمريكية، بينما تنصب إهتمامات المانيا الخارجية لأسباب جغرافية وإقتصادية على أوروبا الشرقية. أما فرنسا المطلة على البحر المتوسط فإنها تتبع سياسة أكثر نشاطا من جارتيها الأوروبيتين السابقتين تجاه العالم العربى والشرق الأوسط بصفة عامة، وهو ما يجعلها تميل لإتخاذ مبادرات أكثر جرأة وقوة، بما فيها مبيعات السلاح. نقلا عن الأهرام

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟