مصر تنتظر سرعة أكبر في أداء حكومة رئيس مجلس الوزراء، وتعاونا كبيرا ما بين البرلمان الجديد والحكومة. وأحسب أن «الصراخ» أو «العنتريات»، أو التدني في الحوار إلي مستوي البذاءات أو «حوار» الحارة المزنوقة، أو حوار الطرشان لن يحل شيئا من مشكلات مصر، ولن يبني وطنا نحن أحوج ما نكون لأن يسرع الخطي ليكون «نمرا قويا» علي نهر النيل. وهنا وقبل أيام من تقديم الحكومة المصرية برنامجها إلي البرلمان الجديد المنتخب فإن 7 مهام عاجلة تنتظر الحكومة والبرلمان معا.
المهمة الأولي.. خطة انتعاش اقتصادي هائلة، وتقوم علي تحول استراتيجي يرمي إلي تحويل الاقتصاد ليكون قائما علي التصدير، وتتولي الدولة قيادته وتحريكه بقوة بدلا من انتظار القطاع الخاص. وهنا فإن من أبرز الأمور أن تستهدف الحكومة نموا يصل إلي 10% سنويا بدلا من الطموحات المتواضعة، وعلي القائمين علي شئون الاقتصاد دراسة تجربة «النمور الآسيوية» ـ وبالذات الخطط التفصيلية ـ لكيفية تحقيق هذه المعدلات المرتفعة، وأيضا تجربة الصين في النمو الكبير والمتواصل لسنوات طويلة، ومن المفيد هنا أن نؤكد أن «عوائق الاستثمار» لاتزال قائمة، وأن المستثمرين لايزالون يشتكون. كما أن الحكومات المصرية المتعاقبة لم تنجح فعليا في جذب رؤوس الأموال المصرية والعربية إلي مصر، وهنا لابد من «خلية أزمة» لمناقشة سبل جذب «50 مليار دولار» استثمارات مصرية وعربية لمصر خلال 2016، وأحسب أن نموذج تحديد مشروعات بدراسات جدوي مصحوبة بموافقات نهائية يمكن أن توفر «بداية جدية» لأن «مصر تعني بيزنس».
ويرتبط بذلك أيضا: خطة محددة مرتبطة بجدول زمني لخفض معدلات البطالة، وتوفير 3 ملايين فرصة عمل حقيقية خلال الفترة المقبلة. زيادة حركة السياحة لتصل إلي 30 مليون سائح خلال 3 سنوات، وذلك من خلال فتح أسواق جديدة وحملة تسويقية ضخمة وتنويع المنتوج السياحي والتركيز علي زيادة الدخل والعائد المصري من حركة السياحة ـ وهنا هذه نقطة مهمة للغاية نظرا لسرعة توفير السياحة للتدفقات النقدية بالعملة الصعبة، ولذا فلابد أن يكون المستهدف الوصول بالدخل إلي 30 مليار دولار سنويا من السياحة.
وفي الوقت نفسه لابد من منح الرخصة الرابعة للمحمول، وعلي أن تكون لشركة الاتصالات المصرية، أو لشركة مساهمة مصرية جديدة، وأن يسمح للمواطنين بالاكتتاب بها بما لا يتجاوز 3% لأي فرد، وإعطاء أولوية لصناديق التقاعد وشركات الاستثمار التابعة للمؤسسات السيادية الوطنية. كما أن الحكومة عليها أن تضع «قطاع الثروة المعدنية» في قائمة أولوياتها إذا كنا نرغب في إحداث نهضة شاملة لاقتصاد البلاد، فمازال القطاع مهمشا ولا يحظي بالاهتمام المطلوب، وعلينا أن ندرك أن دولا مثل جنوب إفريقيا وأستراليا يعتمد فيها الاقتصاد علي الثروة المعدنية. وأحسب أن مصر يمكنها أن تحتل مكانة جيدة، وتجتذب استثمارات كبيرة في هذا القطاع الحيوي.
وتبقي هنا ضرورة أن تعكف وزارة التجارة والصناعة علي دراسة أسباب تدني الصادرات المصرية، وأن تقدم بالتعاون مع البرلمان خطة لزيادة الصادرات المصرية، وأن نصل إلي رقم 150 مليار دولار سنويا في غضون 3 سنوات ولعل ذلك يرتبط بضرورة التركيز علي افريقيا بوصفها «كلمة السر»، فضلا عن التركيز علي الأسواق العربية، ومحاولة تعزيز الوجود وتعويض الغياب في أمريكا اللاتينية.
ومن ناحية أخري فإن المهمة الثانية تتعلق بوضع «إستراتيجية شاملة لمكافحة الفقر»، ويرتبط بذلك ليس فقط خطة تنمية القري الـ 1000 الأكثر فقرا في البلاد.. بل إن المهم هو وضع خطة تنمية اقتصادية للنهوض بالصعيد حيث الفقر والتطرف، وهنا فإن وزارة التنمية المحلية مطالبة بالتعاون مع المحافظات أن تنشط في اعداد خطة محددة لمحافظات الصعيد لإيجاد فرص عمل، وعمل «حزمة جذب للاستثمارات»، والتعاون مع صناديق الاستثمار المصرية والعربية والدولية لجذب استثمارات للصعيد، فضلا عن تشجيع المحافظات علي التنافس والترويج لأنفسهم لوضع محافظاتهم علي خريطة الاستثمارات العربية والدولية.
والمهمة الثالثة: إصلاح الجهاز البيروقراطي للدولة. وهنا لابد من حل لمشكلة الترهل وانعدام الكفاءة وزيادة الأعداد والفساد، وعدم الرغبة في التطور. وأحسب أنه ليس خافيا علي أحد مشكلات الجهاز الاداري، ولا مشكلات المحليات، وقطعا الأحوال في الجهاز الاداري في المحافظات البعيدة لا تنتمي إلي العصر الحالي. كما أنه في الأغلب لا يمتلك العناصر البشرية المدربة التي يمكنها أن تضطلع بترجمة طموحات القيادة السياسية في تحول مصر إلي دولة ناهضة كبري.
والمهمة الرابعة: «ثورة شاملة للنهوض بالخدمات» وأحسب أن لا أحد يختلف علي أن الخدمات لاتزال مصدر شكوي للمصريين، وذلك فيما يتعلق بالصحة والتعليم وخدمات النظافة.. الخ وهنا لابد من نظرة شاملة ورؤي جذرية مبدعة، وربما الفصل ما بين إشراف الدولة علي الخدمات ومقدم الخدمة. ونرجو أن يتم التوسع في عملية تقديم الخدمات ليشمل كيانات كبيرة لمنظمات المجتمع المدني، ومؤسسات أهلية، وأشكال تعاونية بالإضافة إلي القطاع الخاص.
أما المهمة الحامسة العاجلة: «اصلاح شامل للتعليم». وأحسب أن الجميع يتفق علي ضرورة إصلاح التعليم ليكون مواكبا لعصره، ولسوق العمل، ولاحتياجات الدول العربية والافريقية والدولية. وهنا علينا أن ندرك أن أزمة الانغلاق باتت مستحيلة، وأن مصادر القوة لأي دولة تقوم بالأساس علي «الثروة البشرية» وابداعها. وهذه القوة توفر تحويلات للعاملين بالخارج ـ لدول مثل مصر والهند مثلا ـ كما أنها توفر رصيدا استراتيجيا هائلا مثلما فعلت الجاليات الهندية والصينية في نهضة الهند والصين (سيلكون فالى فى الدولتين)، ومن هنا فإن الأمر بحاجة لاستراتيجية شاملة، فضلا عن ضرورة أن يرتبط التعليم أكثر «بالعلم والتكنولوجيا»، وأن نصحح الخلل الذي نراه بالتركيز علي العلوم الاجتماعية.
ولعل المهمة السادسة «ترتبط» بتجديد الخطاب الديني».وهنا فإن الحكومة بالتعاون مع اللجنة الدينية بالبرلمان ودار الإفتاء ومؤسسة الأزهر مطالبين جميعا بترجمة هذه المهمة إلي واقع ملموس وبرامج محددة، ولعل ما يعين في المهمة التجاوب مع ما دعا إليه مفتي إريتريا الشيخ الأمين عثمان الأمين من ضرورة تفكيك الفكر التكفيري وتعريته من «نظرة القدسية». ودعا الرجل صراحة علماء الأزهر إلي مهمة محددة إلي «تنقية كتب التراث» وإلا سيبقي ذلك التراث مخزنا يجلب علي جسد الأمة فتنا وتفريقا بين جميع أبنائها». وفي الوقت ذاته طالبت دراسة حديثة لدار الإفتاء في مصر من أجل الخروج مما أسمته متوالية «العنف والمراجعة» إلي نقل فكر المراجعات إلي الآليات التعليمية في المدارس والجامعات، والاعتماد علي الأدوات الثقافية المتنوعة في نشر فكر المراجعات وتوثيقه وتسويقه، وإستثمار الأداة الإعلامية في نشر فكر المراجعات وكشف زيف الأقوال والممارسات الدموية، والعمل علي نشر هذه المراجعات للجميع.
وتبقي المهمة السابعة: «إنهاء حالة الفوضي الإعلامية وحل جذري لمشاكل الاعلام والصحافة والعاملين بها». وأحسب أن الحكومة والبرلمان معا عليهما أن يعملا بسرعة علي ذلك، والانتهاء من تشكيل المجالس والهياكل الإعلامية حتي يتسني وجود قنوات شرعية مستقرة تبحث المشاكل المزمنة، والفوضي والجهل والاحتكار والتي باتت تهدد الأمن القومي لمصر. نقلا عن الأهرام