المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
عبد الفتاح الجبالي
عبد الفتاح الجبالي

مجلس النواب والرقابة على المال العام

الأربعاء 06/يناير/2016 - 04:23 م

بدأ العد التنازلى لبدء انعقاد مجلس النواب المصرى بتشكيله الجديد، لتبدأ مرحلة برلمانية جديدة ومهمة فى هذه الحقبة الدقيقة من تاريخ البلاد خاصة أنه سيترجم الاستحقاقات الدستورية إلى تشريعات وقوانين تنفيذية تحقق ما يصبو إليه المجتمع من تنمية وتقدم. وتعد الرقابة على المال العام أحد الأدوار الأساسية المميزة للبرلمان بل إن نشأة البرلمانات أساسا جاءت لتحقيق هذه العملية (فى ظل الشعار الشهير لا ضرائب دون تمثيل). من هنا كان من الضرورى العمل على تدعيم وتعزيز الرقابة المالية بصورة تجعلها قادرة على الحيلولة دون العبث بالمال العام أو إهداره.وتعد الموازنة العامة للدولة ومشتملاتها هى المحور الأساسى فى هذه العملية. فمن المعروف أن الغرض الأساسى من إعداد الموازنة ومناقشتها وإقرارها من جانب السلطة التشريعية، هو تحقيق نوعين من الرقابة الأولى دستورية والثانية اقتصادية ومالية.

ولهذا كان من الطبيعى أن تحظى بالاهتمام العالمى فأفردت اتفاقية الأمم المتحدة ضد الفساد العديد من المواد المنظمة لهذا الغرض وعلى رأسها المادة التاسعة والتى أشارت إلى ضرورة العمل على حسن إدارة الشئون العامة والممتلكات العمومية. مع العمل على استحداث قواعد وإجراءات تمكن الأفراد والمجتمع من الحصول على المعلومات السليمة فى التوقيت المناسب وتكوين ونشر المعرفة عن سياسات المالية وتطالب أيضا بضرورة تعزيز الشفافية فى الأموال العامة عن طريق شفافية كل الإجراءات المتعلقة باعتماد الموازنة العامة ووضع نظام محدد يتضمن معايير المحاسبة والمراجعة والرقابة وتطالب كذلك بوضع قواعد محددة لنظم التوظيف الحكومى تقوم على مبادئ الكفاءة والشفافية وتقدم أجورا كافية ومنصفة للعاملين، مع وضع مدونة سلوك للموظف العام، يوضح فيها العمل الوظيفى والأنشطة الأخرى التى يقوم بها.

وكلها أمور تهدف الى تعزيز الشفافية وتمكين مجلس النواب والمجتمع بوجه عام من مراقبة الحكومة ومحاسبتها. ويستلزم ذلك توضيح أهداف الموازنة وكذلك توزيع الإنفاق على البنود المختلفة بالإضافة إلى توفير بعض المؤشرات التى تساعد على متابعتها.

نتيجة لما سبق ذكره فقد أضحت الشفافية مسألة ضرورية ومهمة لجميع المجتمعات. فعندما تكون قواعد اللعبة السياسية المتبعة فى تسيير شئون الدولة واضحة وظاهرة للجميع فإن ذلك يساعد المواطنين جميعا على متابعة الطرق المعتمدة لتدبير شئون الدولة،ولتعزيز الشفافية والمساءلة فى إدارة الأموال العامة فالشفافية تتمحور حول حق المواطنين فى المعرفة وتستلزم نشر المعلومات حول ما يفترض الأدوار المختلفة لموظفى الحكومة ومؤسساتها وتحدد المسئوليات.تدابير مناسبة، ونظرا لهذه الأهمية وضرورة إتاحة الوقت الكافى لمناقشة مشروع الموازنة داخل البرلمان، فقد أدخلت التعديلات الدستورية التى جرت بدءا من مارس 2007 العديد من التعديلات على المواد المتعلقة بهذه المسألة إذ تم تعديل المادة الخاصة بطريقة وتوقيت عرض الموازنة العامة للدولة على مجلس النواب، وذلك عن طريق السماح للمجلس إدخال تعديلات عليها دون موافقة مسبقة للحكومة، كما كان عليه الوضع قبل هذه التعديلات، وثانيا بزيادة مدة المناقشة والنظر فى الموازنة عن طريق إلزام الحكومة بتقديم الموازنة قبل ثلاثة أشهر على الأقل من بدء السنة المالية الجديدة بدلا من شهرين. وهو ماترتب عليه إجراء العديد من التغييرات فى قانون الموازنة فصدر القانون رقم 109 لسنة 2008 والذى ألزم الجهات المعنية بتقديم مشروع الموازنة قبل بدء السنة المالية بستة أشهر على الأقل وإلزام الجهاز المركزى للمحاسبات بتقديم تقرير عن نتائج مراجعة الحسابات الختامية والميزانيات إلى وزارة المالية خلال شهر من تسلمه لكل ميزانية عمومية أو حساب ختامى كما ألزم وزارة المالية بإحالة مشروعات قوانين ربط الحساب الختامى للموازنات العامة وبياناته التفصيلية إلى مجلس النواب والجهاز المركزى للمحاسبات فى مدى أربعة أشهر من انتهاء السنة المالية. وكذلك ألزم الجهاز المركزى للمحاسبات بتقديم تقريره إلى مجلس الشعب فى موعد غايته خمسة أشهر من انتهاء السنة المالية.

وكل هذه التعديلات (الدستورية والقانونية) تهدف إلى تلافى السلبيات التى كانت قائمة، خاصة بعد السماح لمجلس النواب بتعديل الموازنة وهو ما سيجبر الحكومة على توضيح أهداف الموازنة وكذلك توزيع الإنفاق على البنود المختلفة حتى تتمكن من إقناع نواب الشعب بأهمية وضرورة الإجراءات التى تقترحها فى الموازنة. يضاف الى ذلك ما أشار اليه الدستور من أنه تجب موافقة المجلس على نقل أى مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة وكذلك على كل مصروف غير وارد بها، أو زائد فى تقديراتها وتصدر بقانون.

ويرتبط بما سبق تعديل المواد الخاصة بالحساب الختامى والتى أدت إلى تقليل الفترة بين نهاية السنة المالية وعرض الحساب الختامى على مجلس النواب لمناقشته والتصويت عليه، إذ إنه وفقا لما كان معمولا به فيما سبق، كان يتعين على وزارة المالية أن توافى مجلس الشعب بالحساب الختامى فى موعد أقصاه 31 مارس من العام التالى لانتهاء السنة المالية. وهى مدة طويلة كانت لا تتيح تحقيق الرقابة الفعلية وتحول دون تفعيل المساءلة البرلمانية للقائمين عليها،خاصة مع عدم وجود قدر كاف من الشفافية فى جميع مراحلها، وخلال مراحل تنفيذ الموازنة، مما يصعب معه معرفة ما إذا كان الإنفاق العام متماشيا مع الموازنة المعتمدة. ولذلك جاءت التعديلات الدستورية لتقليص المدة الزمنية بين انتهاء السنة المالية وعرض الحساب الختامى على مجلس النواب

 

وتجدر الإشارة إلى أن الرقابة المالية فى مصر تنقسم إلى نوعين رقابة قبل الصرف تتولاها وزارة المالية ورقابة بعد الصرف ويتولاها الجهاز المركزى للمحاسبات. وبالتالى أصبح دور الجهاز المركزى للمحاسبات محوريا فى صنع الموازنة ومراقبتها. وهى أمور تحتاج إلى ضمانات أساسية يأتى على رأسها ضمان استقلالية الجهاز، وهو ماتم وفقا لقانون الجهاز رقم 144 لسنة 1988 المعدل بالقانون رقم 157 لسنة 1998 حيث نص على أن الجهاز المركزى للمحاسبات شخصية اعتبارية مستقلة تتبع رئيس الجمهورية (مادة 1) والذى يصدر قراره بتعيين رئيس الجهاز لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد، كما نصت نفس المادة على أنه لا يجوز إعفاؤه من منصبه، ويكون قبول استقالته بقرار من رئيس الجمهورية. كما أناطت المادة 21 برئيس الجمهورية تعيين نائبى رئيس الجهاز.

وقد وضع القانون العديد من الكفالات التى تضمن قيام الجهاز بعمله على أكمل وجه بل إنه نص على أنه يجب عرض ملاحظات الجهاز على مجالس الإدارات المختصة خلال شهر على الأكثر من تاريخ إبلاغه، كما نص على أنه يقع باطلا كل قرار تتخذه الجمعيات العمومية أو مجالس الإدارات والمنعقدة للنظر فى إقرار الميزانيات والحسابات الختامية مالم يعرض ويناقش معها تقرير الجهاز عنها.

وترجع الأهمية فى ذلك إلى الدور الذى يلعبه الجهاز المركزى للمحاسبات حيث يقوم بمراجعة تنفيذ الموازنة ويرسل تقريره إلى مجلس النواب، ويرسل إلى وزارة المالية صورة من ملاحظاته أولا بأول وكذلك نسخة من تقريره النهائى المرسل إلى المجلس. وفى الوقت ذاته تقوم وزارة المالية بدراسة هذه التقارير والرد عليها إما بالتوضيح أو بالاتفاق مع وجهة نظر الجهاز على أن تتولى لجنة الخطة والموازنة إعداد تقرير متكامل حول كل هذه القضايا للعرض على مجلس النواب لمناقشته وطرح التوصيات المتعلقة بما يثار حول هذا الشأن.

ورغم ذلك فمازالت هناك عدة أمور أساسية، تحول دون تفعيل المشاركة المجتمعية فى هذه العملية منها عدم وجود وثيقة متكاملة وشاملة عن الموازنة تقدم للبرلمان إذ إن كل مايقدم عبارة عن بيان مالى يلقيه وزير المالية لا يحتوى على كثير من الأمور المهمة. فضلا عن غياب تفاصيل الاستثمارات العامة وفقا للقطاعات الوظيفية،يضاف الى ذلك عدم تحديد لجان استماع من خارج المجلس، خاصة من جانب الخبراء والأكاديميين والنشطاء من المجتمع المدنى فى مجالات التخصص، وليس المسئولين الحكوميين.

ولهذا فإن مجلس النواب الجديد أمامه مهام صعبة للغاية ولكنها أساسية لتحقيق الانطلاقة التى يتطلع اليها الشعب نحو غد أفضل ومستويات معيشة لائقة.

 

نقلاً عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟