المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
شارل مارلو
شارل مارلو

الذهب الأسود في «كردستان سورية»... «كردستاني»

الأربعاء 13/يناير/2016 - 11:17 ص

على الحدود العراقية – السورية في مشهان، يحث رجل الخطى في طريقه إلى محطة تكرير النفط الخام وتحويله إلى وقود. وهذه المحطة الباردة أُقيمت على ضفة «الطريق الدولي» الذي يربط بين بلدين مبتورين، وبين مدينتين مبقورتين: حلب، عاصمة شمال سورية، والموصل عاصمة شمال العراق. والمحطة تقع في الجهة السورية على بعد عشرين كيلومتراً من الحدود. والصمت يعم المكان حيث يجلس 3 رجال يشي الشبه بينهم برابطة أخوة وهم يحتسون الشاي ويقدّمونه لضيوفهم. التعب باد عليهم، وأحذيتهم بالية، ووجوههم جوفاء. تؤازر هؤلاء الرجال مجموعة من عشرات المسلحين. وفي هذه المحطة الخاوية تدور عجلة تجارة النفط في روج آفا، كردستان سورية. وتُقصَد المحطة لشراء النفط الخام. فسعر البرميل يتراوح بين 12 و15 دولاراً، في وقت يتراوح سعره في السوق العالمية بين 35 و40 دولاراً. وكلفة ملء شاحنة سعتها 22 طناً، أي 110 براميل، هي 1300 دولار فحسب.

ووراء المحطة، تعلو شعلتان في فضاء يغشوه السخام: مدخنة آبار النفط في خربة. وبدأت شركة نفطية مسجلة في لندن ومقرّبة من نظام الأسد (...) العمل في هذه الآبار عام 2008. وهي اضطرت إلى الانسحاب من الموقع في كانون الأول (ديسمبر) 2011، إثر فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على سورية. فأمسك نظام الأسد بمقاليد هذه الآبار إلى أن وقعت في يد «جبهة النصرة» في النصف الثاني من 2012. وفي هذه المرحلة، سحب النظام السوري جيشه واستخباراته من هذه المنطقة، وتركها في يد «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، وهو حزب انفصالي أسسه عبدالله اوجلان. وفي آذار (مارس) 2013، طرد هذا الحزب فلول جيش النظام من رميلان، البلدة النفطية. وفي آب (اغسطس) 2013، سيطرت القوات الكردية على آبار منطقة خربة.

وسعى الأكراد السوريون إلى إصلاح القطاع النفطي المدمر. قبل الحرب، كانت منطقتهم في أقصى شمال غربي سورية، تنتج 165 ألف برميل نفط يومياً، وفق سليمان خلف، وزير البترول في كردستان سورية. «واليوم، انخفض الإنتاج إلى 20 ألف برميل يومياً. فقبل الثورة، كانت عجلة 1250 بئراً نفطية تدور، ولم يبق منها قيد العمل غير 100- 200 بئر. ونأمل بإصلاح 400 بئر في الحقول النفطية، لكننا نفتقر إلى الوسائل (المادية). فالبترول السوري محاصر»، يقول خلف. ويملك الأكراد خبرات في استخراج النفط. وقبل الحرب، كان عدد العاملين في منشآته من الأكراد 3- 5 آلاف و500 في رميلان. ويروي محمد حسين العامل في آبار خربة أن عناصر «جبهة النصرة» لم يعرفوا كيف يشغّلون المنشآت: «كانوا يتركون النفط يتدفق في الحقل المجاور ثم تأتي الشاحنات لشفط نفط من التربة». وذات يوم في تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم، كانت نحو 20 شاحنة تنتظر تعبئة خزاناتها بالنفط الخام. ولكن ما وجهتها؟ «ليس هذا شأننا»، يقول محمد حسين. وشطر من النفط يصل محطات تكريره في مشهان. ويفصل أقل من 10 كيلومترات بين المحطة والآبار ومنشأة التكرير، والمحرقة في مشهان تقع في أبعد نقطة على الحدود السورية– العراقية التي بددها تنظيم «داعش». واليوم، يسعى الأكراد السوريون من جهتهم الغربية من الحدود، والأكراد العراقيون من الجهة الشرقية، إلى رأب هذه الحدود ووقف تداعيها. لكن جمع أوصال ما تقطّع عسير. فجذور الأكراد غير راسخة في هذه المناطق، ولا تعود إليهم السيطرة عليها، بل إلى القبائل العربية، ومنها قبيلة شمر على رأس كونفيديرالية قبائل قوية... وحين اندلعت الثورة، تحالفت هذه القبائل مع النظام السوري، ثم تعايشت مع «جبهة النصرة». واليوم، أبرمت اتفاقاً مع الأكراد، أسياد المنطقة الجدد، وشكّلت ميليشيا تأتمر بأوامرها: «جيش الصناديد». «الأكراد يسيطرون على آبار النفط، والشمر على محطات التكرير التي تقع في أراض عربية»، يقول رودي حسين، وهو صحافي كردي سوري مقيم في العراق.

تبدو عملية تكرير النفط كأنها تعود إلى العصر الصناعي الأول. ففي مشهان، خزانات قديمة غزاها صدأ يفوق نظيره في المسامير القديمة، ويشتعل فيها طوال اليوم نفط روج آفا. وملكية صهاريج النفط تعود إلى عائلات المدن- ومنها عائلات في كوباني تشغل 50 صهريجاً، أو عائلات في مشهان- أو إلى تعاونيات. وأنشأ عبدالعزيز محمد تعاونية مع 4 أصدقاء له من قرى مجاورة. واشترت هذه التعاونية 3 صهاريج تستوعب 27 برميلاً، ووظّفت 6 أشخاص. وتسعى تعاونية الأصدقاء إلى تكرير ما يوازي حمولة شاحنة يومياً، أي 110 براميل.

وحول محطات التكرير، تروح شاحنات وتأتي أخرى، وبينها شاحنة مصطفى (اسم مستعار) وبراميلها الستة. بدأ مصطفى العمل في القطاع النفطي حين بدأ يحمل الوقود على ظهره قبل عشرين عاماً. كان ينقل مشياً 40 ليتراً من البترول من العراق إلى سورية، أيام الحصار على النفط العراقي. واليوم، في عصر الحصار على النفط السوري، يشتري البترول من محطة التكرير ويبيعه في أطراف مدينة ديرك أو ديريك. ويختار الوقود وفق لونه: «الأصفر يشير إلى نوعية جيدة، لون الشاي إلى نوعية متوسطة، ويجب الاستغناء عن الوقود العسلي اللون.

وفي مكاتب بلدية رميلان، يقول الوزير سليمان خلف أن النفط المستخرج في روج آفا يذهب للاستهلاك المحلي. ولكن تحت رجليه تقريباً، يمر أنبوب غاز يصل سورية بالعراق أنشئ للتهرُّب من العقوبات على صدام حسين بين عامي 1991 و2003. ويبدو اليوم أن الأنبوب ينقل النفط من العراق إلى سورية. «لا تجارة بين «حزب العمال الكردستاني و «داعش»، فهذه التجارة بالغة الخطورة. والحل الأمثل (لتصريف النفط) هو تصدير نفط رميلان من كردستان سورية إلى كردستان العراق. ويومياً، يصدر 5 آلاف طن، اي 20 ألف برميل إلى 25 ألفاً. ويؤكد وسيطان أن «الكردستاني» يمسك بمقاليد البترول في روج آفا، ويسدد شطراً من العائدات إلى النظام السوري. وحين تصل الشاحنات إلى الجهة العراقية تنتظر دورها لتعبئة خزاناتها قرب معبر بيش خابور. ثم يتجه بترول «الكردستاني» من كردستان العراق إلى تركيا، على رغم المعارك الضارية بين جيش تركيا و «الكردستاني»، تنظيم عبدالله اوجلان. نقلا عن الحياة

* مراسل، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 5/1/2016، إعداد منال النحاس

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟