المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

مخاطر تفكيك الدولة: ليبيا بين إرهاصات التحول الديمقراطي

الخميس 14/يناير/2016 - 11:21 ص
المركز العربي للبحوث والدراسات
د.أحمد موسى بدوي

المتأمل لحالة مصر وليبيا وتونس بعد الربيع العربي، يكتشف دون جهد، المشتركات والتداخلات بين الحالات الثلاث، خيوط ملضومة تربط حركة التحول بينها. في العامين 2011، 2012، هبت رياح مواتية لتيار الإسلام السياسي في البلدان الثلاثة، ثم تغير اتجاه الريح في 2013، 2014 وحتى الآن، التغير في مصر احتاج لجراحة غائرة، بينما نجحت تونس في التحول بفضل مرونة نخبتها السياسية المدنية والدينية على السواء، وبقيت ليبيا في مهب الريح، طيلة الوقت وحتى ديسمبر الماضي، الذي شهد توقيع اتفاقين بين الأطراف الليبية، أحدهما برعاية أممية والآخر برعاية الجمهورية التونسية. وهذا المقال محاولة لتعقب الأزمة الليبية منذ بدايتها وحتى لحظة التوقيع على اتفاق الصخيرات. وسؤاله: هل تشهد ليبيا في المستقبل تحولا نحو الديمقراطية، أم أن محاولات تفكيك الدولة وزرع الإرهاب، سوف تتغلب على إرادة الليبيين.

أولاً: لماذا اندلعت الثورة في ليبيا

        خلال فترة حكم القذافي، اشتبكت ليبيا مع قضايا وأزمات وطموحات خارجية، استنزفت الكثير من موارد الدولة، وبقي المواطن الليبي، مرهونًا بنظام حكم، يعتمد الذاتية أسلوبا في إدارة أمور البلاد، تسيطر على الحاكم، رغبة في التفرد والتمرد على الواقع الإقليمي والعالمي، يدشن أفكاره وقراراته ملفوفة بالغموض، وتشوش الهدف. ومع ذلك ورُغْمِه، فقد شهدت ليبيا نهضة ثقافية، عالية الجودة، ممتدة الأثر، أدت إلى تخفيض معدلات الأمية، وزيادة معدلات القيد في المدارس الثانوية والجامعات، وهي النهضة التي سيكون لها أثر أكيد في تغيير السلوك السياسي للمجتمع القبلي الليبي كما سنرى لاحقًا.

في مثل هذه الظروف، المليئة بالمتناقضات، تحدث أزمة داخل الحس المشترك السياسي والاجتماعي الليبي، فمن جهة لا يملك هذا الحس منع تسويغ ممارسات الحاكم، أو معارضة أفكاره وقراراته، فيضطر العقل الجمعي الليبي، بما يملك من وعي، إلى تحويل مسار الفعل المشترك العام، إلى التسويغ المطلق لقرارات الحاكم المطلق. لم يكن القذافي الحاكم الوحيد من بين العرب الذي تعامل مع شعبه بهذه الطريقة، إلا أنه بزهم جميعا في التطرف الحاد في ممارسة السلطة المطلقة.

على أية حال فإن اندلاع الثورة في ليبيا لم يكن بسبب الفساد أو تدهور الأحوال الاقتصادية، أو غياب العدالة الاجتماعية، ولكن السبب الرئيس والجوهري  في انطلاق الثورة الليبية، هو الرغبة في الخلاص من نظام حكم فردي قمعي، مارس كل موبقات الحكم المطلق، فقد اختزل القذافي، الدولة في شخصه، لذلك حين سقط، حدث سقوط الدولة دفعة واحدة.

ثانياً: القوى المؤثرة في ثورة فبراير2011

حين انطلقت ثورة فبراير، كانت على الأرض أربع قوى أساسية: (1) الشباب الثائر: يمثلون جماهير الطبقة الوسطى المتعلمة، الحالمين بمجتمع ديمقراطي جديد، غير المنتمين لقوة سياسية بعينها، المنتشرين في كل المدن الليبية. (2) القبائل الليبية: والتي ساندت رغبة أبنائها من الشباب الثائر، في توجهاته، وشذ عن هذه القاعدة، عدد من القبائل، التي ترتبط عصبيا بقبيلة القذافي، وقد انضم لهذه القبائل عدد آخر بعد ذلك. (3) جماعة الإخوان المسلمين: ترجع نشأة جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا إلى عام 1949، عقب فرار ثلاثة من الإخوان المتهمين باغتيال النقراشي باشا رئيس الحكومة المصرية آنذاك. ثم استقبلت ليبيا موجة ثانية من الإخوان في أعقاب محاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1954.  وهكذا انتشر تنظيم الإخوان في الداخل الليبي، دون أن يكون له دور سياسي ملحوظ، لا سيما مع مجيء القذافي في 1969، وإصدار قانون حظر قيام الأحزاب في 1972.

  على أية حال لم يكن تنظيم الإخوان في ليبيا، مفجرًا  لثورة فبراير، تماما كحال إخوان مصر، وإنما لحق بالثورة بعد بلوغ كتلتها الحرجة، ولكون تنظيم الإخوان الليبي، يمتلك الكوادر في الداخل، والدعم غير المشروط من الخارج، فقد تمكن سريعًا من تصدر المشهد وتأسيس كتيبة (17فبراير)، التي تعد من أهم الكتائب العسكرية، التي مارست دورًا مهمًا في تحديد مسار الثورة، وتولت المسئوليات الأمنية في المدن الليبية الرئيسية. ويلاحظ أن الإخوان كانوا من أوائل القوى الثورية التي أعلنت عن حزبها (العدالة والبناء). 

(4) الحركة الإسلامية الليبية من أجل التغيير: ولعبت دورا بارزا في ثورة فبراير، حيث دعمت الجبهات بخبراتها العسكرية والتدريبية، نتاج تجربتها في أفغانستان، ويأتي عبد الحكيم بالحاج على رأس هذه الجماعة، الذي ظل بعيدا عن الإعلام حتى سقوط طرابلس، حيث ظهر بوصفة شخصية رئيسية اضطلع بقيادة المجلس العسكري في طرابلس، وتمت مأسسة الجماعة من خلال تشكيل حزب "الوطن".

 

ثالثاً: تهيئة المسرح الليبي لحضانة التنظيمات الإرهابية

يبدو أن الأمور كانت تتجه بشكل متسارع نحو تفكيك الدولة الليبية، فقد جرى الإعداد لضرب القوات النظامية الليبية على عجل مريب، والأمر لم يكن يحتاج التدخل العسكري، لأن سقوط القذافي كان آتيًا لا محالة. ونرى أن الجامعة العربية والناتو، ارتكبا جناية في حق الشعب الليبي،  بتدمير البنية الأساسية للجيش الليبي، فقد حرم هذا التدخل ليبيا من وجود مؤسسة عسكرية تقيم الأمن، وسمح لكل فصيل بتدبير أموره في المنطقة التي استحوذ عليها يوم سقوط القذافي.

خلال فترة ولاية المؤتمر الوطني، جرت أسوأ ممارسة سياسية، فالتيارات الإخوانية والسلفية، أدارت العمل داخل المؤتمر، بطريقة همجية تعسفية، الاحتكام فيه للقوة

وترتب على هذا الفراغ، خاصة بعد انتخابات المؤتمر الوطني العام، ظهور العديد من التنظيمات المتطرفة الصغيرة – أنصار الشريعة وغيرها- التي ترتع في الأراضي الليبية، دون وازع، وتسعى إلى إعلان الدولة الاسلامية. وجاء إعلان أنصار الشريعة في مدينة درنة، مبايعة تنظيم داعش، بمثابة تهيئة المسرح الليبي لحضانة جديدة للإرهاب في كامل الشمال الأفريقي، وربما أبعد من ذلك شمالا وجنوبا، فقد تزامن مع هذا الحدث، ثلاث مبايعات أخرى لداعش بالغة الدلالة هي: أنصار بيت المقدس في مصر، وأنصار الشريعة في تونس، وجند الخلافة في جنوب شرق الجزائر. وليس مستبعدًا أن يبايعه مستقبلا، بقية تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، وتنظيم بوكو حرام المتمركز في نيجيريا والممتد شمالًا في كل من تشاد ومالي والنيجر.

رابعاًً: المؤتمر الوطني العام 2012.. مأساة  ما بعد الثورة

ارتبط مشهد ما بعد سقوط القذافي، بالأحداث الجارية في مصر وتونس، ففي تلك الفترة، بدأت تظهر عورات الهيمنة الإخوانية على الحكم في مصر وتونس، وتفاعل المواطن الليبي مع هذه الأحداث بقدر كبير من المسئولية المثيرة للإعجاب، ساعد على ذلك انخفاض مستوى الأمية داخل القبائل الليبية، كما ذكرنا، فجاءت نتائج انتخاب المؤتمر الوطني العام، الذي حل محل المجلس الوطني الانتقالي، معبرة عن رغبة أكيدة لدى الليبيين في التأسيس لدولة جديدة لا قمعية ولا دينية. ومن أسف فلم تكتمل فرحة المواطن الليبي بثورته ولا بمجلسه المنتخب، كيف ذلك؟

تكون المؤتمر الوطني العام من (200 عضو، منها 120 فرديا، 80 بالقائمة)، ودلت نتائج الانتخاب  على انحياز المواطن، للتيار الوطني بقيادة محمود جبريل، فحصل هذا التيار على (39 مقعدا من 80 مقعدا)، مقابل (17) مقعدا لحزب العدالة والبناء. وتقاسمت الأحزاب الأخرى بقية مقاعد القائمة. غير أن مشكلة هذا المؤتمر كامنة في الفائزين بالمقاعد الفردية، وقد نشطت قوى الإسلام السياسي، وعلى رأسها العدالة والتنمية، في استقطاب هذه المقاعد، بأسلوب الترغيب والترهيب، ما وضع التيار الوطني في موقف صعب داخل المؤتمر، فقدرته على حشد الأصوات الفردية لم يتجاوز (50 عضوا)، أي أنه امتلك ما يقرب من (90 عضوا من 200 عضو جملة أعضاء المؤتمر الوطني) ما يعني أنه غير قادر على تنفيذ أجندته الوطنية.

وخلال فترة ولاية المؤتمر الوطني، جرت أسوء ممارسة سياسية، فالتيارات الإخوانية والسلفية، أدارت العمل داخل المؤتمر، بطريقة همجية تعسفية، الاحتكام فيه للقوة، وصار من المألوف تمرير القرارات عنوة داخل لجان المؤتمر، تحت تأثير القوة العسكرية للميليشيات الإخوانية والسلفية، مع تعقب المخالفين، بالترهيب، الذي يصل حد السحل أو الاختطاف أو القتل، أو على الأقل منع الأعضاء المعارضين من دخول البرلمان، أثناء عمليات تمرير القرارات.

وقبيل انتهاء ولاية المؤتمر الوطني العام، ظهر للوجود كيانان جديدان على الساحة الليبية، أحدهما عسكري، متمثلا في جيش الكرامة الذي يقوده اللواء خليفة حفتر، مستهدفًا تطهير ليبيا من الارهاب والعصابات والخارجين عن القانون، مع الالتزام ودعم العملية الديمقراطية السارية وفق خارطة الطريق المعلنة في أعقاب سقوط القذافي. ثم تأسس كيان سياسي، في 25 مايو 2014، أي بعد الإعلان عن عملية الكرامة بأسبوع واحد، وسمي  بالمجلس الأعلى للمدن والقبائل الليبيّة: الذي يتبنى موقفًا مختلفًا من الثورة، ومن الصراع الدائر، حيث يرفض بشدة قوانين العزل السياسي، ويطالب بحلول ليبية بمرجعية العرف القبلي، بعيدا عن الأجندات الإقليمية والدولية.

 

خامساً: انتخابات مجلس النواب2014 ورفض الديمقراطية

جرى التحضير لهذه الانتخابات في مناخ بالغ السوء، وفي ظل هيمنة عسكرية من قبل الكتائب، وفي سياق أحداث عنف مستمرة، ودعاوى انقسام حالة في الشرق الليبي، وإشاعة أوهام تروج أن الليبيين غير قادرين على ممارسة الديمقراطية بشكلها الحضاري، في محاولة استباقية لضرب الهيئة التشريعية الجديدة (مجلس النواب) قبل أن تولد. ومع ذلك نجحت المفوضية العليا للانتخابات، في الوصول بالعملية الانتخابية إلى بر الأمان، وفقا للمعايير الدولية الحاكمة.

ومع ذلك ورغم سيطرة الميليشيات الدينية على الأرض، فقد مُنيت أحزاب الإسلام السياسي بخسارة كبيرة، ولم تحصل إلا على ثلاثين مقعدًا. ومعهم فشل النواب المؤيدين للفيدرالية في شرق ليبيا، فلم تتجاوز مقاعدهم ثمانية وعشرين مقعدًا. فيما تأكد حصول التيار المدني الديمقراطي على 50 مقعدًا، وبقية المقاعد موزعة على نواب ليست لهم انتماءات إيديولوجية محددة، ويغلب عليهم الانتماء القبلي أو العرقي، وغالبيتهم من المستقلين المعارضين للفيدرالية والتيار الإسلامي، مقتربين من المبادئ التي قام على أساسها المجلس الأعلى للمدن والقبائل الليبية.

وتفاقمت الأزمة الليبية، في أعقاب إعلان المفوضية نتيجة الانتخابات، وتحديد يوم الإثنين الموافق الرابع من أغسطس 2014، موعدا نهائيا للتسليم والتسلم بين المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب المنتخب، وهو الأمر الذي لم يحدث، لأن التيار الديني بكل فصائله، لا يقر بهذا النهج الديمقراطي، ولا يعترف به إلا إذا ضمن ركوب السلطة، والنتيجة أننا الآن أمام سلطتين إحداهما – المؤتمر الوطني العام- تأبى تسليم السلطة، والأخرى مجلس النواب غير قادر على بسط سلطته على كامل التراب الليبي. الأولى تملك السلاح والعتاد والإيديولوجيا، ودعم بعض القوى الإقليمية العابثة في الشأن الليبي، والثانية تملك الرأي العام الليبي، والاعتراف الدولي، وبقية الجيش الذي دمرته قوات الناتو.  

سادساً: مسارات حل الأزمة الليبية

في ظل هذا التشرذم والانقسام، يبدو خطر تفكيك الدولة الليبية، وعودتها للحالة الطبيعية، منذرًا وماثلًا أمام العيان. وصارت ليبيا مرشحة لكي تصبح أكثر مناطق العالم تهديدا للأمن والسلام العالميين. ما دفع الجميع نحو التفاوض. ودارت رحى المفاوضات في ثلاثة مسارات تديرها أطراف خارجية فاعلة في المسألة الليبية، ليس من بينها جامعة الدول العربية التي اكتفت بمنح مباركتها لتدخل الناتو في ليبيا ثم غطت في سبات عميق:

(1) الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي، وكلاهما يديران عملية التفاوض الأساسية بين الفرقاء، ومن هذا المسار خرج اتفاق الصخيرات الأخير. (2) دول الجوار (منفردة) حيث تسعى دول الجوار، خاصة (مصر، تونس، الجزائر) كل على حدة، رعاية مفاوضات جانبية بين أطراف ترى من وجهة نظرها أنها   تسهم في حلحلة الأزمة، ومن هذا المسار خرج اتفاق تونس الأخير، وتوج باجتماع مالطا بين عقيلة صالح رئيس البرلمان، ونوري أبوسهمين رئيس المؤتمر الوطني. (3) مجموعة دول الجوار (مجتمعة)، يمثلها وزراء خارجية دول الجوار الليبي، اجتمعت أكثر من مرة، غير أنها ككيان، لا تملك إلا الدعم دون الضغط، بسبب اختلاف رؤى هذه الدول من الأزمة.

سابعاً: اتفاق الصخيرات

  انطلق هذا المسار منذ 14 شهرًا تقريبا، تحت إشراف الأمم المتحدة، التي أوفدت مبعوثها الأممي     برناردينو ليون، ويبدو أن الرجل لم يكن لديه تصور دقيق عن الأوضاع الليبية، منطلقًا من رؤية تتسم بعدم المرونة، كما يرى بعض المحللين، بسبب  تجاهله لدور القبائل الليبية، وتحفظه المستمر على دور اللواء خليفة حفتر، دون أن يقابل هذا التحفظ موقفًا مشابهًا من ميليشيات فجر ليبيا، وإصراره على إضافة بنود  للاتفاق رغم اعتراض كل الأطراف الليبية عليها، وبالجملة، فإن ليون حين أعلن صياغة الاتفاق النهائي، وحدد السقف الزمني للتوقيع، رفض المؤتمر الوطني التوقيع، ما اضطر ليون إلى تقديم استقالته، لينوبه فيما بعد مارتن كوبلر.

يبدو خطر تفكيك الدولة الليبية، وعودتها للحالة الطبيعية، منذرًا وماثلًا أمام العيان. وصارت ليبيا مرشحة لكي تصبح أكثر مناطق العالم تهديدا للأمن والسلام العالميين

وفي ظل المستجدات في منطقة الشرق الأوسط، وبتأثير من الأزمة السورية وأزمة الهجرة غير الشرعية، وكذلك تمدد تنظيم داعش وأنصار الشريعة في ليبيا، والأحداث الإرهابية التي شهدتها العاصمة الفرنسية، وإصدار بيان اتفاق المبادئ في تونس، كل هذه العوامل، دفعت القوى الدولية وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا إلى الضغط على الأطراف، والتلويح بفرض العقوبات على المعرقلين، ما أسهم بشكل كبير في التوقيع على الاتفاق يوم الخميس 17 ديسمبر 2015 في الصخيرات. المؤيد بقرار مجلس الأمن في 23 ديسمبر، وبيان مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية في 24 ديسمبر.

ميزة اتفاق الصخيرات أنه يمكن الأطراف المتصارعة من المشاركة في مستقبل ليبيا على نحو شبه متوازن، حيث تتقاسم السلطة ثلاث مؤسسات دولة رئيسية، كما يلي: (1) البرلمان الليبي (برلمان طبرق) هو ممثل السلطة التشريعية في المرحلة الانتقالية التي تستمر لمدة عامين. (2) المجلس الأعلى للدولة، ويتشكل من أعضاء المؤتمر الوطني، وهو مجلس استشاري للحكومة. (3) المجلس الرئاسي يضم ستة أعضاء يمثلون أقاليم ليبيا، برئاسة فايز السراج، الذي سيتولى رئاسة حكومة الوحدة الوطنية، ومعه نائبان ممثلان عن المؤتمر الوطني والبرلمان.

ثامناً: اتفاق  تونس- مالطا

 في إطار سعي أوربا إلى إتمام الاتفاق الليبي، عقدت إيطاليا اجتماعا دوليا في العاصمة روما يجمع كل القوى الدولية والإقليمية لبحث الأزمة الليبية، وذلك في يوم 13 ديسمبر بهدف التعجيل بالوصول إلى تسوية سياسية بين الفصائل المتنازعة، وقبيل الاجتماع تفاجأ الجميع بإعلان الأطراف المتنازعة عن توصلهم إلى اتفاق ناجم عن حوار سرّي كانت قد استضافته ضاحية قمرت بالعاصمة التونسية قبل أيام من لقاء روما، وأسفر عن اتفاق وقع عليه كل من عوض عبد الصادق عن المؤتمر الوطني وإبراهيم عميش عن برلمان طبرق، مؤكّدين أن بنوده لن تكون سارية المفعول سوى بعد المصادقة عليه من قبل الهيكلين الأصليين في ليبيا وينص اتفاق المبادئ على:

(1) العودة إلى الشرعية الدستورية المتمثلة في الدستور الليبي السابق (دستور الملكية). (2) تهيئة المناخ لإجراء انتخابات تشريعية في مدة أقصاها عامين. (3)  تشكيل لجنة من عشرة أعضاء تتولى العمل على المساعدة في اختيار حكومة وفاق وطني ونائبين لرئيس الحكومة خلال أسبوعين. (4) تشكيل لجنة تتولى تنقيح الدستور.

ميزة اتفاق الصخيرات أنه يمكن الأطراف المتصارعة من المشاركة في مستقبل ليبيا على نحو شبه متوازن، حيث تتقاسم السلطة ثلاث مؤسسات دولة رئيسية

ويبدو من هذه البنود المبدئية، أن الاتفاق يحتاج إلى جهود تفاوضية كبيرة حتى يمكن إبرامه في صورة نهائية، لأن فكرة العودة إلى الملكية الدستورية، سوف تُوَاجَهُ بمعارضة كبيرة داخل المجتمع الليبي. وسبق أن رفضها الشباب الليبي وخرج ضدها في مظاهرات عارمة في أعقاب الثورة، كما أنها فكرة تعيد للأذهان السيناريوهات الكولونيالية القديمة بتقسيم ليبيا إلى أقاليم. ويبدو كذلك أن  لقاء مالطا الذي جمع لأول مرة  بين رئيس البرلمان والمؤتمر الوطني، لمباركة اتفاق تونس، ما هو إلا مناورة سياسية تستهدف تعطيل عملية التفاوض الجارية في الصخيرات منذ أكثر من عام، والحيلولة دون توقيع الأطراف على الاتفاق، وتأكيدًا على رغبة التعطيل هذه، أعلن صالح وأبو سهمين حجب صلاحية ممثليهما في المفاوضات التي تشرف عليها الأمم المتحدة في الصخيرات.

تاسعاً: ماذا بعد الاتفاقين؟

بعد إتمام اتفاق المبادئ في تونس، ثم اتفاق الصخيرات تبادل الجميع الاتهامات، فالمعترضون على اتفاق تونس ـ مالطا، من كلا الجانبين، يذهبان إلى أن هذا الاتفاق ينسف كل الجهود، ويعود بالمفاوضات لنقطة الصفر من جديد، والوضع الليبي لا يتحمل هذا المسار التفاوضي. وتتمثل حجج المعترضين على اتفاق الصخيرات في أنه لا يمثل جديدا ولا يختلف عن الصياغة التي وضعها ليون من قبل ورفضها المؤتمر الوطني. كما أن عددا من أعضاء برلمان طبرق المؤيدين لصالح، يرفضون الاتفاق، على أساس أنه لم يحدد وضع قائد الجيش الليبي اللواء خليفة حفتر، ولا دوره في المرحلة القادمة. وكلا الطرفين يرفض أحد بنود الاتفاق التي تتيح التدخل العسكري الأجنبي في ليبيا بعد موافقة الحكومة. ولديه تحفظات كبيرة على شخصية فايز السراج، ويشبهون دوره بدور أحمد جلبي في العراق.

هناك خطورة في استمرار المسارين معا، لأنه يعني بحسب بنود الاتفاقين، ظهور حكومتين، ويدور الجميع في ذات الحلقة المفرغة. لذلك فإن الجهود الدولية الحالية تنصب في حث جميع الأطراف على الانخراط في مسار الصخيرات. وتجري حاليا مفاوضات مكثفة وسرية برعاية سلطنة عمان بين رئيسي البرلمان والمؤتمر الوطني، تستهدف تعديل موقف صالح وأبو سهمين من اتفاق الصخيرات، لتوحيد الصفوف والجهود.

 وفي هذا السياق يحسب للقبيلة الليبية، مواقفها الواعية، فقد عقد المجلس الأعلى للمدن والقبائل الليبيّة يوم الإثنين 21 ديسمبر ندوة في تونس أعرب فيها عن دعمه لمسار المصالحة الذي ترعاه الأمم المتحدة، لكنه في نفس الوقت طالب بتفعيل العفو التشريعي العام وإطلاق سراح الأسرى المحسوبين على نظام القذافي وإيقاف الملاحقات في حق الليبيين المهجرين بالخارج وإلغاء أحكام الإعدام الصادرة في حق العديد من الليبيين على خلفية الخلافات السياسية. هذه القبائل المجتمعة في تونس لها وزنها أيضا على المستوى الميداني، كما ذكرنا في بداية المقال، وأغلبها ليس ممثلا في الهياكل التي تتفاوض سواء في مسار تونس ـ مالطا أو في مسار الصخيرات، بحكم أن هذه القبائل وقيادتها محسوبون على نظام معمر القذافي. هذه القوى وغيرها من القوى ذات النفوذ المحلي قد تكون قادرة على تعطيل المجهودات الرامية إلى الخروج من الأزمة إذا لم يتم مراعاة مصالحها والتطرق إلى مطالبها، فعزلها عن المسار التفاوضي قد يؤدّي إلى إعادة إنتاج أزمة جديدة داخل الأزمة الحاليّة، وربما يتمكن السراج رئيس حكومة الوحدة الوطنية في معالجة هذه المشكلة، بإشراك مجلس القبائل، بصورة ما في دائرة صنع القرار.

على أية حال، فإن هذه الانقسامات والمواقف المتباينة المتزامنة قد أدخلت ليبيا في أجواء مرحلة مكاشفة جديدة. ومع ذلك  فإننا نذهب إلى أن مسار اتفاق الصخيرات، بعد التوقيع عليه ودعم مجلس الأمن وجامعة الدول العربية له، هو المسار الذي سيحدد ملامح المستقبل الليبي، لتبدأ معركة استعادة الدولة في ليبيا، التي نأمل أن تكون في الاتجاه الديمقراطي الصحيح.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟