المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. أحمد يوسف أحمد
د. أحمد يوسف أحمد

مصر وتركيا

الخميس 14/يناير/2016 - 05:25 م

تناولت تقارير صحفية أخيراً نقلاً عن مصادر دبلوماسية ما يمكن تسميته بمعضلة القمة الإسلامية القادمة المقرر أن تعقد فى أنقرة ، وتتمثل المعضلة فى أن مصر هى الرئيس الحالى للقمة بينما تركيا هى الرئيس المقبل ، وفى ضوء الحالة الراهنة للعلاقات المصرية - التركية من المؤكد أن مصر لن تشارك فى القمة بوفد على المستوى الرئاسى ومن ثم فسوف تكون هناك مشكلة بروتوكولية فى تسليم الرئاسة من مصر لتركيا.

ولذلك ذكرت تلك التقارير أن دولة عربية مغاربية قد اقترحت نقل القمة إلى الرياض بحيث تتسلم السعودية الرئاسة باعتبارها دولة المقر ثم تسلمها إلى تركيا وهو ما رفضته الأخيرة ، ولذلك ثار حديث حول وساطة سعودية محتملة بين مصر وتركيا قبل انعقاد القمة فى أبريل المقبل وهو أمر غير وارد فى تقديرى حيث لا توجد أى مؤشرات على تغيير يمكن أن يطرأ على السياسة التركية الراهنة تجاه مصر ، وعن نفسى لا يعنينى حل هذه المعضلة كثيراً، فالأساس أن الكرامة المصرية تحتم ألا تشارك مصر بوفد رئاسى وليرتب المعنيون بالأمر فى منظمة التعاون الإسلامى ما يرونه مناسباً لحل هذه المعضلة إجرائياً ، وأعلم أن البعض قد يختلف معى على أساس أن تركيا قوة إقليمية مهمة وأن من مصلحة مصر أن تكون لها علاقات تعاونية معها وهذا صحيح ، غير أن المشكلة أن الخبرة التاريخية للعلاقات المصرية - التركية تشير إلى نموذج انطوى عادة على أبعاد سلبية تضمنت حيناً هيمنة فعلية كما فى الخبرة العثمانية وحيناً آخر على تصادم مع السياسة المصرية كما حدث عقب الحرب العالمية الثانية بعد أن أصبحت تركيا جزءاً من المنظومة الأطلنطية ومن ثم مخلب قط لمشروعات الهيمنة الغربية على المنطقة ومن هنا كان الصدام مع مشروع التحرر العربى لثورة يوليو 1952 ، ولا ننسى فى هذا السياق اعتراف تركيا المبكر بإسرائيل وإقامة العلاقات معها .

وعندما وصل أردوغان وحزبه إلى السلطة فى تركيا بدا أن ثمة تغيراً جذرياً فى هذا النموذج التاريخى ، فقد اتبع نظامه سياسة خارجية قائمة على «تصفير» المشكلات وفى هذا السياق حلت معضلة العلاقات التركية - السورية التى كانت تعانى من مشكلة لواء الإسكندرونة بل إن تركيا بدت وكأنها صارت عربية أكثر من العرب فى سياستها الجديدة تجاه إسرائيل ، ولم تكن مغادرة أردوغان لندوة دافوس احتجاجاً على بيريز ومحاولة الباخرة التركية «مرمرة» فك الحصار عن غزة واعتداء اسرائيل عليها سوى أمثلة على هذه السياسة التركية الجديدة ، ثم ساندت تركيا ثورات الربيع العربى وارتفعت أعلامها فى أكثر من عاصمة عربية وبدا أن أوهام استعادة «الخلافة» العثمانية حاضرة سواء لاعتبارات قومية أو «أوروبية» بمعنى أن يكون تعزيز النفوذ التركى فى الوطن العربى رافعة للمطلب التركى المستحيل بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى ، ومع تمكن التيارات التى تنسب نفسها للإسلام من الوصول إلى السلطة فى مصر وتونس والصراع من أجلها فى أكثر من بلد عربى آخر بدا أن تركيا قد وجدت ضالتها واعتبرت أن مصير مشروعها الإمبراطورى معلقا بنجاح المشروع السياسى لتلك التيارات فألقت بثقلها فى كفتها وطاش صوابها عندما أفسد الشعب المصرى وقواته المسلحة هذا المشروع بعد أن انكشفت طبيعته الفاشية وظهر سوء أدائه فى الحكم ، ولذلك لم تتردد لحظة فى مناصبة النظام الجديد فى مصر العداء .

اعتبر أردوغان ونظامه أن ما حدث فى 30 يونيو انقلاب وأعلن أن حكومته لايمكن أن تحترم من يصلون إلى السلطة بهذه الطريقة أو أى مسئولين يعينهم الجيش وطالب بتدخل مجلس الأمن والجامعة العربية فى الشأن المصرى واعتبر أن علامة «رابعة» أصبحت إشارة دولية للتنديد بالظلم وأشاد بموقف الرئيس المعزول وأعلن أنه يحترمه ولا يحترم أبداً من قدموه للمحاكمة وطالب بإطلاق سراحه وجعل من تركيا غرفة عمليات كبيرة للإخوان المسلمين الفارين من مصر ، ولذلك كان طبيعياً أن ينفد معين الدبلوماسية المصرية من الصبر فأبلغت السفير التركى فى القاهرة فى 23 نوفمبر 2013 بأنه شخص غير مرغوب فيه وقررت نقل سفيرها من القاهرة نقلاً نهائياً وكان قد استدعى للتشاور منذ 15 أغسطس من السنة نفسها ، ولم تكتف تركيا بالمثابرة على موقفها السلبى تجاه النظام المصرى بل كانت تضع شروطها « للعفو « عن مصر كلما أثيرت مسألة إصلاح ذات البين معها ، فعليها إن أرادت العودة إلى جنة تركيا أن توقف « الاغتيالات السياسية « وتطلق سراح مرسى وتنظم انتخابات ديمقراطية أى أنها باختصار اعتبرت نفسها بديلاً عن الشعب المصرى وحكامه فى آن واحد ، ولم تفكر ولو للحظة أن تعيد النظر فى حساباتها الاستراتيجية الخاطئة حتى بعد أن بدأ العالم كله يدرك بالتدريج أن ما حدث فى مصر تعبير حقيقى عن إرادة شعب وبعد أن عادت مصر إلى كل المحافل الدولية التى كانت قد تشككت فى الطبيعة الشعبية لأحداث 30 يونيو .

 

وللأمانة فإن العنجهية وسوء الحسابات ليس مقصوراً على السياسة التركية تجاه مصر فقد أسقطت الطائرة الروسية الحربية لمجرد أنها اخترقت المجال الجوى التركى لثوانٍ حسب الادعاء التركى بينما تنتهك الأراضى العربية دون استئذان تارة بحجة نقل رفات رمز من رموز الإمبراطورية الآفلة وأخرى بحجة تدريب مقاتلى الإرهاب فأصبحت فى وضع لا تحسد عليه بعد العقوبات الروسية ووأد مخططاتها فى سوريا وتصدى الحكومة العراقية لتدخلها العسكرى فى العراق واضطرار الإدارة الأمريكية لنصحها بالانسحاب من العراق ناهيك بورطتها الكردية ، ولعل هذه النكسات المتتالية هى السبب فى محاولة تركيا ترميم الجسور مع إسرائيل والزعم بأنها تشترط لذلك رفع الحصار عن غزة . مشكلة تركيا أنها تحاول ارتداء ثوب فضفاض للغاية بالنسبة لحجمها ولذلك فهى تتعثر فيه خطوة بعد أخرى ، ولكل ما سبق فإن أى حديث عن تهدئة أو وساطة بين مصر وتركيا يجب أن يبدأ من السياسة التركية ، وبعد ذلك يكون لكل حادث حديث.

نقلاً عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟