منذ موت معمر القذافي في 2011، على وقع ثورة انزلقت إلى
حرب أهلية وحظيت في البداية بدعم ائتلاف عسكري دولي غربي- عربي وتأييد دول الجوار
عملية إطاحة الديكتاتور المسن، تشظت ليبيا وانفجرت. وعمّتها المواجهات بين أجنحة
متحاربة وتحالفات متفاوتة. وفي 2015، بدا أن مشاركاً جديداً في النزاع يهدد بزعزعة
البلد أكثر فأكثر.
فـ «داعش» بلغ ليبيا، وأعلنت حركات جهادية ليبية الولاء
لأبي بكر البغدادي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014. وبايع كذلك عدد من التنظيمات
الإرهابية في الجزائر ومصر وتونس ونيجيريا، البغدادي. وليبيا هي واسطة العقد في
المنطقة وهي قد تتحول بؤرة داعشية، رمزياً ومادياً. فهي مشرّعة على القارتين
الأفريقية والأوروبية في آن. وقبل بروز «داعش» في ليبيا، كانت البلاد موئل جهاديين
وثيقي الصلة بمجموعات مثل «أنصار الشريعة». وبعض هذه المجموعات اندمج في «داعش»
كما حصل في سرت، وبعض آخر تحدى نفوذه وعارضه في درنة، ورصت مجموعات أخرى الصفوف في
مواجهة خصم مشترك (القوى المتحالفة مع برلمان طبرق والجنرال حفتر) في بنغازي.
وتتباين أحوال مدن ليبيا ويلفها الغموض.
فمآل المجموعة المتمركزة في صبراتة في جوار العاصمة
طرابلس، غامض، في وقت تمضي قدماً عملية بسط «داعش» نفوذه في المنطقة الحدودية مع
تونس. ولكن ما «طبيعة» علاقة المجموعات الموالية لـ «القاعدة» بـ «داعش»؟ لا يخفى
أن ليبيا تشتمل على مناطق (في الجنوب على وجه التحديد، وفي أجدابيا إلى الشرق)
انتخبتها كتائب «القاعدة في بلاد المغرب العربي»، ملاذاً آمناً. والتقدم الداعشي
الضخم هو تقدم عددي. فثمة حركة نزوح برية كبيرة لجهاديين يقاتلون في عدد من الدول
إلى ليبيا. و800 من المقاتلين الليبيين الداعشيين في سورية والعراق عادوا إلى
بلدهم في 2015، وفق تقرير أممي. وفي سنة واحدة، تصدر تنظيم «داعش» القوى النافذة
في ليبيا، وبلغ عديد رجاله حوالى 3 آلاف مقاتل. وألحق هذا التنظيم المهانة بأكثر
الميليشيات نفوذاً في مصراتة.
وطوال عام، بسط مقاتلو «داعش» نفوذهم في الجنوب، وأنشأوا
معسكرات تدريب في الجفرة. وتدرب منفذو عمليات تبناها «داعش» في تونس، في ليبيا.
وهناك أعد المقاتلون العدة للهجمات، ومنها الهجوم على متحف باردو في آذار (مارس)
المنصرم، وهجمات حزيران (يونيو) على مقربة من سوسة. وليس «ممثلو» الخلافة الداعشية
في تونس، وهم أعضاء «أجناد الخليفة» الذين تركوا الولاء لـ «القاعدة»، سوى واحدة
من حلقات المجموعات الداعشية في البلاد. فتونس هي «رجل عليل ومصاب بالجهادية».
وبعض العناصر تسللوا من الحدود الليبية والجزائرية. وعمليات التسلل هذه تساهم في
تعقيد مكافحة التمرد.
والمواجهات بين الفرق الليبية، المتحالفة مع البرلمانين
المتنافسين (في طرابلس وطبرق) متواصلة، على رغم إبرام اتفاق نهاية 2015 يرمي إلى
إنشاء حكومة وحدة وطنية، ورص الصفوف في مواجهة «داعش». واقتنص التنظيم فرصة سنحت
نتيجة الاضطرابات والاقتتال المزمن، وعزز نفوذه. فعدد من المجموعات الجهادية في
ليبيا بايع أبو بكر البغدادي، كما يلاحظ شارلي وينتر من مؤسسة «كيليام». وتتوجه
وثيقة «داعشية» نشرت بالعربية إلى جهاديي المعمورة كلها، وهي تتغنى بـ «حسنات»
ليبيا: فهي جبهة تسمح بـ «تخفيف الضغط على بلاد خليفة الشام والعراق»- وهي قلب
«داعش»-، و«الاستفادة من موقع جيو استراتيجي مشرّع على البحر والصحراء والجبال
وعلى 6 دول: مصر والسودان وتشاد والنيجير والجزائر وتونس». ومن اليسير بلوغ الساحل
الليبي «ولو على متن قارب بدائي». والموارد الليبية «الداعشية» كبيرة: الإتجار
بالبشر والعائدات النفطية ومخازن السلاح. وتخلص الوثيقة الداعشية إلى أن ليبيا هي
«منصة لا نظير لها لمهاجمة الدول الأوروبية والسفن».
وإلى اليوم، يتعثر نفوذ «داعش» في الساحل الليبي، مصب
آبار البترول. لكن خطر «داعش» في ليبيا لا يستخف به. ويعم القلق الجزائر ومصر
والنيجر وتشاد من قدرة التنظيم على استقطاب الجهاديين المحليين، ومن حصول هؤلاء
على مركبات تيسّر نقلهم السلاح أو تكون الجسر إلى تنفيذ عمليات في الصحراء، على
نحو ما حصل حين هاجم مختار بلمختار، الجهادي الأخطر في هذا الجزء من العالم، مجمع
الغاز الجزائري في أميناس، على الحدود الليبية مطلع 2013. وهذه العملية وجهت رسالة
إلى السلطة الجزائرية مفادها أن «نواة اقتصادها هي في مرمى (الجهاديين)»، يقول
قادر عبدالرحيم، الباحث في مركز العلاقات الدولية والاستراتيجية الفرنسية. وقد
يسرع «داعش» وتيرة تمدده في ليبيا فيعلن «خلافة» جديدة فيها. وتسعى عملية «بركان»
الفرنسية إلى صد» داعش» انطلاقاً من 5 دول ترابط فيها قوات فرنسية: من موريتانيا
إلى تشاد، مروراً بمالي وصولاً إلى بوركينا فاسو والنيجر. ولكن لا غنى عن دعم
الجزائر ومصر للحؤول دون بلوغ «داعش» غاياته في الصحراء.
وعلى رغم تواضع المرابطة الداعشية في ليبيا، بدأت عدوى
التنظيم تسري في القارة الأفريقية. فحركة «بوكو حرام» النيجيرية بايعت «داعش»،
فحملت اسم ولاية (داعش في) أفريقيا الغربية منذ آذار (مارس) 2015، وهي ترسل، اليوم
مقاتلين عبر تشاد إلى ليبيا حيث يتدربون ويتسلحون، بعد أن طردهم الجيش النيجيري من
المدن التي وقعت في قبضتهم عام 2014 في شمال شرقي البلاد. ويخشى ادريس ديبي،
الرئيس التشادي، التحام بوكو حرام بـ «داعش» في ليبيا، فيتعاظم نفوذ التنظيم في
أفريقيا. وثمة مقاتلون صوماليون في ليبيا لم يتضح بَعد من يوالون. بعض المصادر
أشار إلى تدريب مقاتلين ماليين وموريتانيين ومتحدرين من دول أفريقيا الغربية، في
ليبيا. ويُخشى أن يتحول هؤلاء إلى خلايا «داعش» في دولهم. وإلى كانون الأول
(ديسمبر) المنصرم، بلغ عدد الفرنسيين في «داعش» الليبي خمسة. وطوال عقد، انتشرت
المجموعات الجهادية المسلحة في 3 مناطق في القارة الأفريقية: في القرن الأفريقي
والصومال حيث أبصرت حركة «الشباب» النور في 2006- وهي تحالفت مع «القاعدة» ثم
تمددت إلى دول مجاورة مثل كينيا وتنزانيا-؛ وفي الصحراء وبلدان الساحل (من
موريتانيا إلى جيبوتي)؛ وفي حوض بحيرة تشاد حيث تمددت حركة «بوكو حرام» من شمال
نيجيريا إلى تشاد والنيجر والكاميرون. نقلا عن الحياة
مراسل، عن
«لوموند» الفرنسية (عدد أور سيري)، 13/2/2016، إعداد منال نحاس