المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

خيارات متعددة: العلاقات السعودية الإيرانية بين آفاق التعاون واحتمالات الصراع

الخميس 11/فبراير/2016 - 12:51 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
إبراهيم نوار

خلال خمسة أيام من الأسبوع الأول في 2016 اهتزت السعودية لثلاثة تطورات ساخنة، أولها كان الإعلان عن فشل التهدئة في اليمن واستمرار عاصفة الحزم، وثانيها كان إعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، وثالثها كان الإعلان عن مشروع لبيع أسهم شركة أرامكو كبرى شركات النفط في العالم. جاءت هذه التطورات المتلاحقة خلال الفترة من 2 يناير إلى 7 يناير، لتتسبب في إرباك المشهد في الشرق الأوسط وربما في العالم كله.

وسيتعين على السعودية في العام 2016 أن تواجه تبعات العواصف الثلاث في آن واحد، وهو ما يمثل اختبارا سياسيا صعبا لنظام يبدو وكأنه ينتقل من مرحلة أبناء عبد العزيز إلى مرحلة تالية لم تكتسب ملامحها بعد.

وفي هذا السياق فإننا سوف نشير إلى ارتباط عواصف "الحزم" و"النمر" و"أرامكو" وتبعاتها بالقضايا والمحددات التالية: المصالح المشتركة بين إيران والسعودية، وعلاقة كل من البلدين بالصراعات الدائرة في الخليج وشرق المتوسط، وأوبيك وسوق النفط، ووضع إيران في النظام الدولي، وأخيرًا آفاق التعاون واحتمالات الصراع

 

1- المصالح المشتركة بين إيران والسعودية

تظهر أرقام التجارة بين البلدين أن قيمة الصادرات السعودية إلى إيران في عام 2014 تقدر بنحو 97.4 مليون دولار، في حين تبلغ صادرات إيران إلى السعودية 111 مليون دولار. وهذه الأرقام تمثل قيمة متواضعة جدا من التجارة الكلية للبلدين، فقيمة صادرات السعودية عام 2013 بلغت 633 بليون دولار، مما جعلها خامس أكبر مصدر في العالم، في حين أن إيران صدرت خلال العام نفسه ما قيمته 48.9 مليار دولار لتحتل المكانة الـ 57 في جدول المصدرين على مستوى العالم. وبناء عليه فإن قطع العلاقات التجارية بين البلدين لن يؤدي إلى خسائر تذكر لاقتصاد أي منهما. وتستورد السعودية من إيران الفستق والسجاد، في حين تستورد إيران من السعودية زيت الطعام وبعض المعلبات الغذائية.

وتعتبر شركة صافولا السعودية لزيت المائدة والمنتجات الغذائية من أكبر الشركات السعودية المصدرة إلى إيران. وتحقق الشركة من مبيعاتها في إيران ما يصل إلى 13% من إيراداتها الكلية. لكن الشركة أعلنت أن استثمارتها في إيران ستبقى على حالها وستحافظ عليها الشركة. وفي السعودية أيضا تقوم شركة "إيكيا" السويدية للأثاث ومنتجات الأخشاب ببيع السجاد الإيراني في فروعها في المملكة، لكنها قررت وقف عرضه والتعاقد مع منتجين آخرين. وقد أعلنت إيران في 7 يناير 2016 فرض حظر على الواردات من المملكة العربية السعودية ووقف رحلات الحج والعمرة.

إن أسعار النفط التي كانت في العادة تصعد عندما تقبل منطقة الشرق الأوسط أو الخليج على أزمة، أصبحت الآن تنخفض دون أي اعتبار للوضع المتأزم في الشرق الأوسط

ويقدر عدد الحجاج الإيرانيين بنحو 100 ألف حاج سنويا، وهو ما يعادل 5% من العدد الإجمالي للحجاج في موسم الحج عام 2015. بينما تقدر إيران أن عدد مواطنيها الذين يزورون السعودية سنويا لأداء العمرة يبلغ نحو 500 ألف شخص. ويعتبر الحج من مصادر الدخل المهمة في السعودية إضافة إلى العمرة. وتقدر الإيرادات السنوية التي تحصل عليها السعودية من اللحج والعمرة بنحو 18.6 مليار دولار (2014) منها 8.5 مليار دولار من الحج. وتقدر غرفة تجارة جدة متوسط إنفاق الحاج أو المعتمر بنحو 5000 دولار خلال فترة أداء المناسك، وهذا يعني من الناحية العملية أن خسارة الحجاج الإيرانيين سوف تكلف السعودية 500 مليون دولار. وإذا اضفنا إلى ذلك توقف المعتمرين عن الزيارة سيكلف المملكة نحو 3 بلايين دولار سنويا. وكانت السعودية قد أعلنت فعلا وقف التجارة ورحلات الطيران مع إيران ضمن حزمة الإجراءات التي أعلنها وزير الخارجية السعودي في 4 يناير 2016.

 

2- علاقة كل من البلدين بالصراعات الدائرة في الخليج وشرق المتوسط

دخلت إيران على خطوط الصراع في لبنان بصورة مباشرة في أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي. فقد احتلت جزر الإمارات الثلاث في السبعينيات، وتدخلت في لبنان بإرسال قوات من الحرس الثوري الإيراني في الثمانينيات، وأعلنت تشكيل "فيلق القدس" ليكون ذراعها العسكري المباشر في العالم العربي، ثم تدخلت في العراق في أوائل التسعينيات وفي غزة، وتدخلت بطرق غير مباشرة في البحرين وفي اليمن وفي جزر القمر. ونجحت إيران في إقامة قاعدة لها من المؤيدين والحلفاء في كل أنحاء العالم العربي تقريبا، وأقدمت منذ أوائل القرن الحالي على إقامة وتطوير شبكة إعلامية قوية تتخذ من لبنان قاعدة لها.

أما المملكة العربية السعودية التي لعبت وتلعب دائما (باستثناءات محدودة خصوصا في عهد الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز) دورا محافظا في السياسة العربية، فإنها هي الأخرى تلعب أدوارا مهمة في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن والخليج. وبعد أن فشلت السياسة السعودية في محاولات يائسة لاحتواء الرئيس السوري بشار الأسد منذ تسعينيات القرن الماضي، فإنها الآن تتبنى رسميا الدعوة لإسقاطه إما طواعية باختياره هو وإما باستخدام القوة المسلحة ضده. وفي هذا السياق فإن السعودية ترعى تنظيمات طائفية سنية وتتولى تمويلها وتدريبها وتسليحها بالمشاركة مع الولايات المتحدة وتركيا لغرض الإطاحة بالأسد. وتشارك السعودية في التحالف الدولي ضد داعش الذي تقوده الولايات المتحدة. أما في اليمن فقد تدخلت القوات السعودية تدخلا مباشرا تحت غطاء "قوات التحالف العربي" التي تقاتل من أجل تثبيت وتعزيز قوة الحكومة اليمنية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي ضد المتمردين التابعين لعبد الملك الحوثي وللرئيس السابق علي عبد اللـه صالح. أما في البحرين فقد أرسلت السعودية قوات خاصة لدعم ملكها في مواجهة الانتفاضة التي عمت البلاد عام 2011.

وهكذا فإن كلا من الخصمين السعودية وإيران يشتبك، من زاويتين متناقضتين، مع صراعات مناطق شرق البحر المتوسط والخليج العربي والقرن الأفريقي.  

 

3- أوبك وسوق النفط

تشترك السعودية وإيران في عضوية منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك مع غيرهما من دول الخليج ودول غير عربية خارج المنطقة مثل نيجيريا في أفريقيا وفنزويلا في أمريكا اللاتينية. وتعمل هذه المنظمة على أن تضمن  من خلال التنسيق بين أعضائها أن تحصل على نصيب عادل من سوق صادرات النفط العالمية، وأن تضمن أيضا الحصول على سعر عادل لصادراتها النفطية. لكن تطورات الصادرات والأسعار في سوق النفط في الوقت الحاضر تشير إلى حدوث العكس، فنصيب أوبك من السوق يقل مقابل زيادة نصيب الدول المصدرة غير الأعضاء، وأسعار السوق تتراجع، بينما أوبك عاجزة عن اتحاذ موقف موحد لمنع تراجعها.

الأخطر من ذلك في الوقت الحاضر، إن أسعار النفط التي كانت في العادة تصعد عندما تقبل منطقة الشرق الأوسط أو الخليج على أزمة، أصبحت الآن تنخفض دون أي أعتبار للوضع المتأزم في الشرق الأوسط، والذي قد يؤدي إلى اضطراب الإمدادات النفطية من المنطقة إلى أسواق العالم.

وقد تراجعت أسعار النفط منذ عام 2014 حتى الآن بنسبة 70% . وليس من المتوقع أن تتماسك أسعار النفط خلال العام الحالي 2016 بسبب تباطؤ الطلب العالمي ووجود فائض في الأسواق يقدر بنحو مليوني برميل يوميا.

ليس من المتوقع أن تتماسك أسعار النفط خلال العام الحالي 2016 بسبب تباطؤ الطلب العالمي ووجود فائض في الأسواق يقدر بنحو مليوني برميل يوميا

الأخطر من ذلك إن رفع العقوبات الإقتصادية عن إيران بمقتضى الاتفاق النووي بينها وبين مجموعة 5+1 من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الطلب على نفط إيران، وزيادة استثمارات الشركات النفطية هناك. وهذا في حد ذاته من شأنه أن يغري إيران برفض أي اقتراح لتخفيض الإنتاج. وفي هذه الحالة فإن فيضانا من إنتاج النفط الخام من الحقول الإيرانية القديمة والمحتمل اكتشافها من المرجح أن يقود إلى مزيد من انخفاض الأسعار في سوق النفط الخام. أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة التي قررت إزالة الحظر الطوعي على صادراتها من النفط ستصبح هي الأخرى لاعبا نشطا في سوق تصدير النفط العالمي.  

 

4- وضع إيران في النظام الدولي وإزالة العقوبات

تنتطر إيران خلال الشهر الحالي صدور قرار بإلغاء الحظر على صادراتها النفطية والاستثمارات الأجنبية في القطاع النفطي وغيره، وإلغاء تجميد أرصدة الحكومة الإيرانية في البنوك الأجنبية، وغير ذلك من العقوبات التي كانت قد صدرت ضدها.  وطبقا لتقديرات البيت الأبيض الأمريكي، فإن إيران قد شحنت إلى الخارج كميات من اليورانيوم المخصب التي كانت تكفيها لصنع قنبلة نووية في مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر. المخزون الحالي من اليورانيوم المخصب في إيران يطيل مدة قدرة إيران على إنتاج سلاح نووي من 3 أشهر عند توقيع الاتفاق النووي مع القوى الكبرى إلى 9 أشهر حاليا. ومن المفترض أن يستمر شحن كميات مخصبة بقصد توسيع الفاصل الزمني بين اتخاذ قرار بإنتاج سلاح نووي وبين إنتاجه بالفعل إلى 12 شهرا.

وفي إيران تبدي القيادة السياسية الإيرانية حرصا كبيرا على إعلان نجاحها في موضوع رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، للحصول على أرصدتها المجمدة (نحو 100 مليار دولار)، وفتح الباب لنمو اقتصادي أسرع، وتحقيق درجة أعلى من الحرية في التعامل مع العالم الخارجي. وفي هذا السياق فإنه ليس في مصلحة إيران في الوقت الراهن تقديم مبررات لخصومها لوقف تنفيذ الالتزامات الواردة في أتفاق 5+1 وإثبات أنها طرف موثوق فيه على المستوى الدولي.

 

5- التصعيد أم التهدئة

تبدو الصراعات الحالية بين إيران وبين السعودية في اليمن وشرق المتوسط وفي سوق النفط مرشحة للمزيد من التصعيد. لكن العلاقات بين الدول لا تجري وشأنها وإنما يخضع مسار هذه الصراعات لحسابات دقيقة ولاعتبارات تتعلق بالظروف المحيطة بما في ذلك مواقف الحلفاء. وطبقا للمعطيات الحالية فإن المملكة العربية السعودية سوف تكون حريصة على أن ينحصر الصراع بينها وبين إيران فيما يمكن وصفه بمتغيرات الحرب الباردة، التي ستتضمن زيادة التسلح في مواجهة نمو الصناعة العسكرية الإيرانية، ورفع درجة الاستعداد الإستراتيجي داخل البلاد لمواجهة احتمالات أي تصعيد إيراني، ورفع مستوى الحرب الإعلامية والنفسية ضد إيران، إضافة إلى محاولة تطويق إيران بعدد من حلفاء السعودية، وتوسيع نطاق التحالفات السعودية في جنوب آسيا وفي آسيا الوسطى إلى جانب تعميق العلاقات مع كل من مصر وتركيا.

تبدو الصراعات الحالية بين إيران وبين السعودية في اليمن وشرق المتوسط وفي سوق النفط مرشحة للمزيد من التصعيد

وسوف تكون أخطر ساحات المواجهة في الصراع بين القوتين هي مناطق الحرب بالوكالة، في اليمن وفي سورية. ولن يمنع ذلك من احتمال حدوث مناوشات بحرية بين السعودية وإيران.

أما من ناحية إيران فإنها سوف تزيد من شحن وتعبئة طائفة المسلمين الشيعة في الخليج وفي المنطقة الشرقية السعودية على وجه الخصوص. وسوف تكثف إيران استخدام مؤسساتها الإعلامية الناطقة بالعربية ضد السعودية. وستزيد إيران ضغوطها على نقاط الضعف الخليجية مثل البحرين مستخدمة ذراعها العسكري القوي في العالم العربي الذي يتكون من كتائب حزب اللـه اللبناني ومن فيلق القدس. ومن المتوقع أن تزيد حدة الصراع في اليمن وأن تلجأ إيران إلى تكثيف ضرب المدن الحدودية السعودية بالصواريخ إلى الحد الذي يمكن أن يؤدي بالسعودية إلى تهجير بعض سكان مدن أبها وجيزان ونجران وخميس مشيط.

ومع ذلك فإن احتمالات التهدئة ليست منعدمة تماما، خصوصا في حال تدخل قوى نافذة للوساطة بين الطرفين. لكن احتمالات التهدئة هي أقل وأضعف بكثير من احتمالات التصعيد.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟