المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
 أمينة شفيق
أمينة شفيق

جهازنا الإداري‏..‏ ومحاولة تطويره

الأحد 21/فبراير/2016 - 11:07 ص

عندما أرادت الحكومة وضع قانون الخدمة المدنية فتحت حوارا مجتمعيا غريبا بعض الشيء. تحاورت مع نفسها. لقد تحاورت مع المسئولين في عدد من أجهزة الدولة والبعض من الخبراء المهتمين بالموضوع ولكنها لم تتحاور مع من يهمهم الأمر أومن يمثلونهم من نقابات سواء كانت رسمية أو متواجدة علي الساحة دون اعتراف ولكن لها تأثير وتحمل آراء واجبة الاستماع لأنها تضم أجنحة من العاملين الأجراء في مواقع عمل حكومية وغير حكوميةكثيرة. بالإضافة إلي هذا الحوار الذاتي فإن القانون صدر عشية افتتاح المؤتمر الاقتصادي مما أعطي إحساسا إن هدف القانون ليس الإصلاح الإداري قدر ما هدف التوجه إلي المؤتمر وللمشاركين فيه.

كما أن القانون تمسك بذات المنهاج الذي سارت عليه كافة قوانين الجهاز الحكومي بدءا من قديمها إلي جديدها وهو إحالة العديد من مواده إلي اللائحة حتي باتت اللائحة أهم من القانون لأنها تناولت التعامل وتفسير23 مادة أساسية من القانون بحجة عدم الرغبة في إثقال القانون ذاته وإتاحة الفرصة للمرونة اللازمة عند التطبيق. فأثقلت اللائحة وخففت القانون. بمعني عملي معروف( لدي العديد من العاملين في جهازنا الإداري) إتاحة الفرصة للمئات التفسيرات والشكاوي والدعاوي القضائية. فإذا كنا نريد تطوير الجهاز الحكومي وتحسين أدائه فعلينا أن نتعامل مع القانون بشكل حديث وصريح ولا يحمل أي تأويل, كما ان علينا الإقلال من هذه الإحالات. ولذاحدث أن لحظة تطبيق القانون بهذه اللائحة التي تساعد علي المرونة في التطبيق قامت الدنيا, وعلت الأصوات... ألم يحدث هذا؟

وقد تابعت العديد من الحوارات والآراء والكتابات التي تناولت وناقشت هذا القانون. كما أني وجدته, قبل عرضه علي مجلس النواب الجديد, مطبوعا وبجانبه يعرض مطبوعا آخر يحمل عنوان اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية. وفي حقيقة الأمر شعرت بحالة استفزاز شديدة بالرغم من أني لست من المستفيدين أو من المتضررين من هذا القانون. فأنا لست إلا من المهتمين بأمن واستقرار ومستقبل هذا الوطن.وتساءلت, فكيف للحكومة كجهاز تنفيذي أن توجد خلافا بينها وبين عدد هائل من العاملين في جهاز الدولة في هذا التوقيت تحديدا. كيف؟ ألم ينتبه أو يسمع هؤلاء المسئولون عن الاحتجاجات التي نظمت بالعشرات وشارك فيها الآلاف؟

كما إني كغيري من المهتمين بالشأن العام, تابعت ما قيل من آراء ومحاورات ووجدت عددا هائلا من النقابيين والقانونيين والخبراء والوزراء السابقين والبعض من الحاليين يوافقون علي مبدأ التطوير وتحسين الأداء الحكومي وبالتالي يناصرون مبدأ إصدار القانون ويقفون معه يساندون عددا كبيرا من مواده. ولكنهم يتحفظون علي عدد من مواده كما يعارضون الكثير من مواد اللائحة. والهام في هذا الموضوع أن المتحاورين لا ينقسمون إلي جبهتين متعارضتين, واحدة تقف دائما مع عدد من المواد والثانية تقف متربصة دائما بالأولي تخالفها الرأي وتؤيد أو ترفض مواد أخري ولكنهم ينقسمون ما بين مؤيد أو معارض حول هذه المادة ثم يعودون ينقسمون ويتجمعون مرة أخري حول مادة ثانية. هكذا كان الاتفاق والاختلاف بين المتحاورين.

مثلا اتفق عدد من النقابيين مع عدد من الخبراء علي فكرة تضييق مجال ترحيل أيام إجازات الموظف السنوية وتحويلها إلي عائد مادي, فالمفروض أن يراعي المجتمع والدولة والحكومة وجهة العمل, صحة الإنسان ومنحه الفرصة لكي يستمتع براحة سنوية يجدد فيها قدراته علي العمل والإنجاز.ولا يعني أن يرحل موظف أيام إجازته من عام لآخر حتي يتكون لديه رصيد من مئات الأيام او الشهور أنه محب لعمله ومنتج ويخاف علي مصالح المواطنين, بقدر ما يعني أنه يبدد من قدراته العقلية والبدنية مقابل البعض من المال الذي قد يستفيد منه أو يبدده هو الآخر في وقت لاحق. ففي الكثير من الأحيان يكون المجتمع أكثر حرصا علي مصالح الافراد من حرصهم علي ذواتهم.إتفق البعض من النقابيين مع عدد من غير النقابيين علي ذلك.كما اتفق الجميع علي أنه من الخطأ ألا يحدد القانون عدد ساعات العمل لأن ذلك مع القواعد والمعايير الدولية التي وقعت عليها الدولة منذ عقود زمنية. وتعجب عدد من المتحاورين علي هذا الخطأ الذي وقع فيه واضع القانون دون مراعاة لالتزام الدولة بمعايير التشغيل الدولية.وبالرغم من علمنا جميعا أن من أوائل بنود أي عقد عمل يوقع بين عامل وصاحب عمل يتناول عدد ساعات العمل ثم الأجر.

نسي الخبراء الذين وضعوا القانون أن أشهر الصدامات العمالية الكبيرة مع أصحاب العمل والتي يحتفل بها العالم في اليوم الأول من شهر مايو عيدا للعمال, والتي نحتفل بها في بلادنا بأن يكون يوم اجازة مدفوعة الاجر للجميع, هي تلك الصدامات التي جرت في مدينة شيكاغو الأمريكية في القرن التاسع عشر تحت شعار ثماني ساعات عمل وثماني ساعات راحة وثماني ساعات راحة ونوم. بما يعني أن صاحب العمل له عند العامل ثماني ساعات فقط. في حين حق العمل يمتد بالمتبقي من الساعات لراحته ولنومه.

كما توافقت الآراء حول إعادة النظر في المادة التي تتناول العلاوات السنوية وتحددها بالنسبة التي قد لا تتوافق أو تساير التضخم وتقلبات السوق. واعتبروا نصها الحالي لا يتماشي مع مبدأ العدالة الاجتماعية.

كما أن القانون طبق علي الموظفين دون أن تستكمل مواده الهامة تطبيقها. ومثال علي ذلك فكرة تقييم الرئيس لمرءوسه بناء علي معايير موضوعية علمية تساعد المجد في استمرار اجتهاده وتعرف غير المجتهد علي أخطائه لتتحدد في الحالتين العلاوات سواء العادية أو الاستثنائية وبما يسمح لذوي التقديرات المتراجعة التقدم بطلب التدريب للحصول علي فرص أفضل. وقد صرح أحد الوزراء السابقين إن هذا القانون وفي هذه المادة تحديدا يحتاج إلي البدء في تدريب القيادات العليا التي ستتحمل مسئولية التقييم أولا, بحيث تتعرف وتتدرب علي أسس ومعايير التقييم. فلا يعقل أن تقيم القيادات الحالية, بكل ما لها وما عليها, مرؤوسيها دون أن يتم تدريبها علي الموضوعية والمعايير السليمة للتقييم.

وأتذكر أني كنت منضمة إلي إحدي المنظمات غير الحكومية التي أعير عدد من موظفي الحكومة إليها وطلب مني تقييم عملهم حتي ترسل الي مواقع عملهم لتتحدد أوضاع علاواتهم. ولما كنت من غير هؤلاء الذين عملوا في جهاز الدولة فقد حاولت, وأقول حاولت, أن أجتهد وأعطي لكل منهم حقه. فإذا بثورة ضدي وكادوا يتهمون بخيانة الوطن لأني تجرأت ولم أعط لكل زميل منهم درجة ممتاز. وقالوا لي بكل صراحة هو فيه موظف حكومة بياخذ اقل من ممتاز؟ ولما سألت أمال إحنا بنشتكي ليه من البيروقراطية وانخفاض إنتاجية جهاز الدولة وموظفيه؟ أجابوا لا ده حكاية ثانية نبقي نتناقش فيها بعدين.

لذلك صرح ذات الوزير السابق في حديثه بأنه يؤيد القانون بعد إدخال بعض التعديلات عليه. علي ان يكون التطبيق بالتدرج. نبدأ أولا بالتدريب ونضع جدولا زمنيا لا يقل عن ثلاث سنوات. خلالها يكون التطبيق المتدرج يسير بيسر بحيث تمر السنوات الثلاث وقد اكتمل تطبيق القانون. وقال ذات الوزير السابق إنه عندما كان في موقعه التنفيذي قام بتدريب عدد من العاملين في جهازه وكانوا سعداء بما إكتسبوه من مهارات جديدة بحيث طالب عدد آخر من العاملين في ذات الجهاز تكرار التجربة معهم وعليهم. بمعني أن العاملين في جهاز الدولة يسعون للتطور اذا تواجدت الفرصة الجادة أمامهم.

تعطينا تجربة قانون الخدمة المدنية دروسا ونحن مقدمون علي مشاريع قوانين جديدة كقانون التأمين الصحي وقانون المحليات وقانون تنظيم الإعلام والصحافة وقانون النقابات وغيرها الكثير. وهي كلها قوانين تشتبك مع جماهيرمتنوعة وذات مصالح متباينة. وهي جماهير تعلمت ان تقول ما تريد وما يمليه عليها مصالحها كجماعات وليس كما يملي عليها من عل, باسم المصالح العليا للمجتمع. وعادة لا تتعارض المصالح العليا للوطن مع مصالح الجماعات من الإجراء.وحتي لو اريد تنفيذ مصلحة عليا مؤقتة للوطن تتطلب عطاء من جماعات الإجراء فلابد أن تكون بالرضاء والتوافق ضمانا للتقدم المتواصل الذي لا تعترضه التصادمات الإجتماعية. اؤيد فكرة إعادة فتح الحوار المجتمعي المنظم حول القانون وأقف مع التدرج في التطبيق والبدء بالتدريب. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟