المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
هنري كيسنجر
هنري كيسنجر

النظام عالمي جديد يجبه تفكّك الدول

الأربعاء 02/مارس/2016 - 11:09 ص

في نهاية الحرب الباردة، تباينت نظرة الروس والأميركيين الاستراتيجية الى الشراكة بين بلديهم، وإذ ذاك استُخلصت كل رؤية من عِبَر التجارب الأخيرة. وتوقع الأميركيون أن تؤدي مرحلة من انحسار التوتر الى تعاون بنّاء فـــي المسائل الدولية مع روسيا. وشعر الروس بالفخر إزاء تحديــــــث مجتمعهم. لكن مساعي التحديث شابها الانزعــــاج من تغيّر حدود روسيا. وأدرك كثر في البلدين أن مـــصير روسيا والولايات المتحدة متشابك ومترابط. وتـــصدّرت الأولويات حفظ الاستقرار والحؤول دون انتــــشار أسلحة الدمار الشامل وإرساء نظام أمني في أوراسيــــا علــى حدود روسيا الطويلة، والتعاون في مجال الطاقة. وشرعت الأبواب على التجارة والاستثمار.

وبدا في الولايات المتحدة، أن نهاية الحرب الباردة ترسخ إيمانها التقليدي في أن الثورات الديموقراطية آتية لا محالة. و(إثر طي الحرب)، حسبت أميركا أن تمدّد النظام الدولي الذي يحتكم الى القانون، ممكن. لكن تجارب روسيا التاريخية كانت مختلـــفة وأكثر تعقيداً. فهي بلد اجتاحته جيوش أجنبية طوال قرون من الشرق ومن الغـــرب، وهو يرى أن لا مناص من ربط الأمن بأسس جيو - استراتيجية، الى الأسس القانــــونية. فحدود روسيا انتقلت من نهر الإلب ألف ميل الى الشرق نحو موسكو. والتـــحدي اليوم هو دمج المفهومين أو الرؤيتين، القانونية والجغرافية السياسية، فــــي مفهـــوم متماسك. لكن إذ ندمجهما نجبه مشكلة فلسفية: كيف للولايات المتحدة التعـــاون مــع روسيا، وهي بلد لا يقاسمها قيمها ولكنه من أركان النظام العالمي؟ وكيــــف لروسيا السعي وراء مصالحها الأمنية من غير أن يعمّ الذعر دول الجوار فيتكــــاثر (عدد) الخصوم؟ وهل في الإمكان حيازة روسيا مكانة محترمة في الشؤون الدولــــية لا تقلق أميــركا. وهــل في وسع هذه السعي الى قيمها من غير أن يشعر بأنها تُــفرض (على الآخرين)؟ ولن أقترح جواب الأسئلة هذه. لكنني أدعو الى البحث فيها.

ويرفض عدد من المعلقين، روس وأميركيون على حد سواء، احتمال التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في نظام عالمي جديد، وهم يرون أن حرباً باردة جديدة تدور بين البلدين. وتقتضي مصالحهما الطويلة الأمد عالماً يخرج من الاضطرابات المعاصرة الى توازن جديد أكثر تعدداً للأقطاب وأكثر عولمة. واليوم، طبيعة الاضطرابات غير مسبوقة. فإلى وقت قريب، كانت الأخطار الدولية تترافق مع تعاظم قوة دولة مهيمنة. لكن أخطار اليوم غالباً ما تنجم عن تفكك سلطة دولة، وتعاظم عدد الأقاليم الخارجة عن السيادة. ولا يسع أي دولة، مهما كانت قوية، جبه مترتبات فشو قوة الفراغ. وهذا تحدٍّ يقتضي تعاوناً مستداماً بين الولايات المتحدة وروسيا وغيرهما من الدول الكبرى. ويجب ضبط عوامل التنافس في تذليل النزاعات التقليدية في نظام ما بين الدول، ضبطاً يقيد التنافس ويحول دون تكرار المشكلة.

وثمة مسائل حاسمة أمامنا، وأوكرانيا وسورية هما أكثرها إلحاحاً. وفي الأعوام الأخيرة، خاض البلدان مناقشات دورية من غير أن يحرزا تقدماً. وهذا غير مفاجئ. فالمناقشات جرت في غياب إطار استراتيجي مجمع عليه. وكل مسألة هي مرآة مسألة استراتيجية أوسع. وتبرز الحاجة الى إدراج أوكرانيا في إطار بنية أوروبية ودولية أمنية، فتكون الجسر بين روسيا والغرب وليس القاعدة الأمامية لأي منهما. وجليّ أن المجموعات المحلية والإقليمية في سورية عاجزة عن التوصّل الى حل من تلقاء نفسها ومن غير مساعدة. وفي وسع مساع أميركية – روسية تُنسق مع غيرهما من القوى الكبرى، إرساء سلام في الشرق الأوسط وربما في أصقاع أخرى. وتحسين العلاقات بين روسيا وأميركا يقتضي الحوار حول النظام العالمي الناشئ. لكن، ما هي النزعات التي تقوّض النظام العالمي القديم وترسم وجه الجديد؟ وأي تحديات للمصالح الأميركية والروسية تنجم عن التغيرات؟ وأي دور يرغب كل بلد منهما في أن يؤديه في تشكيل النظام العالمي الجديد؟ وكيف نوفق بين مفاهيم متباينة عن النظام العالمي استخلصت من تجارب تاريخية مختلفة؟ والغاية هي تطوير مفهوم استراتيجي تستند إليه العلاقات الأميركية - الروسية ويحتكم إليه في إدارة الخلاف بينهما. وفي الستينات والسبعينات، رأيت أن العلاقات الدولية تغلب عليها الخصومة والتنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي... ومذ ذاك تغير العالم دراماتيكياً. ففي العالم المتعدد الأقطاب الناشئ، روسيا هي عنصر حيوي في أي توازن دولي.نقلا عن الحياة

* مستشار الأمن القومي الأميركي ووزير الخارجية الأميركي في ولايتي الرئيسين نيكسون وفورد، من خطاب في مركز غورباتشوف في موسكو، عن «ذي ناشنل إنترست» الأميركي، 4/2/2016، إعداد منال نحاس.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟