المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
 أمينة شفيق
أمينة شفيق

الإصلاح الإداري سيظل إصلاحا جزئيا

الأحد 06/مارس/2016 - 11:28 ص

سيظل الالتحاق بالوظيفة الحكومية لفترات زمنية قادمة، أحد طموحات الغالبية العظمى من الشباب المصريين الباحثين عن العمل. ولا يعود ذلك لوعى كامل منهم بأهمية ذلك الجهاز الذى يشكل إلى يومنا هذا العمود الفقرى للدولة المصرية ولقدرتها على التماسك ولاستمرارها كدولة، وإنما لأسباب أخري. من هذه الأسباب أن هذه الغالبية العظمى من الشباب تنتمى إلى الأسر التى لا يسمح لها وضعها الاجتماعى بتوفير التعليم الخاص الراقى الذى يكسب خريجيه إمكانيات تقنية وعلمية بجانب لغات أجنبية مضافةإلى لغتهم الأم، تساعدهم على الالتحاق بتلك الوظائف الجديدة فى المؤسسات الحديثة التى تعمل فى مجالات الإنتاج والخدمات والاتصالات المرتبطة بالسوق الإقليمية أو العالمية. كما أنها المؤسسات التعليمية الحديثة التى تستطيع تـأهيلهم لتأسيس ثم ادارة اعمال خاصة. وفى ذات الوقت لا يكسبهم التعليم الحكومى المهارات المطلوبة لسوق العمل الجديدة. ومن هذه الأسباب أيضا تلك الثقافة القديمة - الحديثة المتوارثة التى هى نتاج للاقتصاديات النهرية التاريخية التى تنظر إلى الدولة بمؤسساتها، كالمؤسسة المنظمة الحقيقية الوحيدة للحياة الاقتصادية والاجتماعية. ولكن يكمن السبب الأهم وهو أن سوق العمل فى مصر سوق غير منظمة ولا تسير حسب قواعد قانونية ثابتة تساعد الساعين للعمل على قبول الفرص المطروحة فيها سواء كانت فى القطاع الكبير أو الصغير، الحكومى أو غير الحكومى على السواء. وربما يكون السبب الرابع هو فقدان السوق المصرية للتنظيم والانتظام المعروفة فى أسواق العمل فى البلدان المتقدمة.

ويجب ألا ننسى أننا فى فترة تاريخية وجيزة غيرنا وبدلنا فى نظامنا الاقتصادى بحيث جعلنا المواطنين يقفزون من نظام إلى آخر بسرعات متباينة لا يستطيع المواطن البسيط استيعابها وفهم إطارها السياسى بذات سرعة تبدلها وتغيرها. فى خلال ستين عاما تنقلنا بين عدة نظم سياسية واقتصادية، تعاونية ديمقراطية ثم تحول إلى الاشتراكية ثم انفتاح إلى الرأسمالية المحلية ثم الانفتاح الأكبر على السوق العالمية بسلعها وباستثماراتها. ولا يفوتنا أن خلال فترة الستين عاما هذه كانت لنا تباينات مختلفة تجاه العملية الاقتصادية. فى مرحلة كان شعار «إنتاجنا يبدأ وينتهى من الإبرة إلى الصاروخ» لتنتقل بالتوجه إلى أهمية السياحة للدخل القومى العام. تتغير البوصلة فى كل فترة تاركة وراءها مواطنا حائرا قد لا يستطيع مسايرة كل فترة على حدة.

كما أنه فى البلدان المتقدمة تعترف الدولة كما يعترف المجتمع بانتظام المواطنين فى تنظيماتهم. يكون لأصحاب الاعمال منظماتهم وللعمال منظماتهم وللفلاحين منظماتهم وللمهنيين منظماتهم وللتعاونيين منظماتهم. وهى منظمات مستقلة يدور بينها ومع الدولة الحوار المجتمعى الذى يسهم فى تنظيم سوق العمل والمساهمة فى وضع القواعد العامة للتشغيل وكذلك الانتاجية وعقد اتفاقيات العمل الجماعية المتضمنة لسلم الأجور ومكافأة نهاية الخدمة والسلامة المهنية والحقوق التأمينية. وهنا تقوم الدولة بدور المشارك فى وضع التنظيم ثم حمايته بالقانون. اما الدور الاكبر للدولة فيكون فى حماية الحدين الأدنى والأقصى للأجر وضمان الحقوق التأمينية للإجراء فى القطاعين الأساسيين الآخرين، القطاع الخاص ثم القطاع التعاونى لتتقارب ظروف وشروط العمل فى كل القطاعات، القطاع الخاص والتعاونى وقطاع الدولة. وبذلك لا يهرب الأجراء من قطاعات ويتكالبون على أخرى بحثا عن الأمان الحياتي، لهم ولأسرهم من بعدهم. وإذا جئنا لسوق العمل فى مصر فسوف نجدهاسوقا «مبعثرة» غير منضبطة مما يجعل الوظيفة الحكومية أو تلك القريبة من الحكومة هى الأمل، ليس لتحقيق الدخل أو لتحقيق إنتاجية وبناء مجرى حياة فحسب، وهى قيم العمل الحقيقية الأصيلة، وإنما لمجرد الالتحاق بعمل واستمرارية هذا العمل والحصول على الدخل ثم المعاش الرسميين. أما الدخل الفعلى فيتحقق من أعمال أخرى يستطيع أن يقوم بها المواطن من ناتج الأمراض المزمنة التى يعانى منها القطاع الحكومى وكذلك من سوق العمل غير الرسمية.وتظهر سمات البعثرة حين نجد أن سوق العمل المصرية تضم قطاعا غير رسمى ربما يكبر القطاع الرسمى اقتصادا وعمالة بمراحل كبيرة. وهو عيب كبير للغاية. فى ستينيات القرن الماضى كانت مكاتب التشغيل التابعة لوزارة العمل تستقبل الآلاف من طلبات العمل، وفى نفس الوقت، فى حالة إجراء البحوث العملية لمقدمى الطلبات،كنا نجد عددا منهم يعمل ويتحصل على دخل من القطاع الخاص. إذن لماذا يتقدمون طالبين العمل من المكاتب الحكومية؟ كانوا يريدون العمل فى القطاع العام وليس فى الحكومة، لأنهم كانوا يسعون حينذاك،وباستمرار،للعمل فى القطاع المتميز فى علاقاته وحوافزه والضامن لحقوق العمل من إجازات وتأمينات ومعاشات وأرباح. وفى أحيان كثيرة كان القطاع الذى يستطيع، بقوةالقانون الصادر بالتأميم عامى 60 و1964, المشاركة فى توفير المساكن الشعبية التى امتنع عن تقديمها قطاع المقاولات الخاص. ويجب ألا ننسى أنه القطاع الذى قدم العمالة الماهرة لبلدان الخليج إبان حقبة النفط السبعينية من القرن الماضي. كان القطاع العام مدرسة حقيقية لتعليم فنون الإنتاج بتنوعها وتصديرها لبلدان النفط العربية طوال عقد زمنى كامل. كما أنه القطاع الذى استمر يحول الأقساط التأمينية إلى صندوق التأمينات بانتظام.

لو راجعنا البيانات والإحصائيات وراقبنا العلاقة بين التراجع النسبى للأعداد المتقدمين للعمل فى قطاع الدولة وبين تزايدها للالتحاق بالقطاع العام أو العكس، ثم حللنا السبب، بلا انحياز لتلك الأصوات التى تدعى فشل هذا القطاع دون أن تحيط التجربة بدراسات من كل جوانبها، وكذلك الانحياز لفكرة القطاع العام كفكرة مجردة نخلعها من سياقها وموقعها فى الدول النامية التى خرجت من فترة استعمارها وهى لا تملك الرأسمالية القوية الناضجة التى تستطيع بناء المجتمعات الحديثة فسوف نصل إلى الحل الأمثل. لا نريد مناطحة أفكار بأفكار قدر احتياجنا لمناطحة واقع اجتماعى بواقع اجتماعى آخر وتجربة اجتماعية بأخرى اجتماعية. فليس من المصادفات أن يوجد هذا القطاع فى الغالبية من تلك الدول الحديثة الاستقلال.

أعلم كما يعلم المئات مثلى من المواطنين الذين عاشوا تلك المرحلة، مرحلة القطاع العام، بحلوها وبمرها، باستحالة العودة الى تلك التجربة بحذافيرها. فلا المناخ العالمى ولا الاقليمى ولا الدستور المصرى سيسمح بتلك العودة فى مصر أو فى أى بلد شهد مثلها من دول تلك المرحلة التى هللنا لهاعندما رفرفت الأعلام الوطنية فى سماء العشرات منها، وهى المسماة بالدول النامية. فالمرحلة الحالية للرأسمالية العالمية، بشبكتها الاقتصادية، أقوى آلاف المرات من مرحلة الرأسمالية الاحتكارية التى سادت المجتمعات الغربية فى القرن الماضي. كما أن عالم القطب الواحد ليس فى الحقيقة حالة سياسية بحتة وإنما اقتصادية كذلك. غابت فى هذه المرحلة الجديدة التى نعيشها فكرة ازدواجية طريق النمو عندما كان نموذجا النمو أمامنا، إماالنموذج الرأسمالى أو الطريق الثانى الاشتراكيةس بكل مسمياتها مع احتفاظها بالأساس وهو، اتساع حدود تدخل الدولة فى قيادة التنمية الاقتصادية المتكاملة ومسئوليتها الكاملة لتوظيف وإسكان وتعليم المواطن. الآن بات لدينا بحكم الظروف القهرية نمط واحد للنمو، النمط الرأسمالي، بالمفهوم البسيط للغاية وهو انسحاب الدولة من عملية التنمية لتحقيق نمو اقتصادى فقط، ثم تضاؤل مسئولية هذه الدولة فى تحقيق النواحى الحياتية تجاه المواطن ومراقبة حقوقه. لقد حلت منظمات المجتمع المدنى وفى مقدمتها النقابات محل الدولة الحامية والحاضنة.

لذا علينا الآن أن نفكر معا لنعرف كيف نحمى استقلال الوطن وحقوق الشعب ونناطح الفقر والأمية ونحقق حياة أفضل للطبقات الفقيرة فى إطار هذا النمط من النمو وكيف نجعل القطاع الخاص جاذبا للعمالة المصرية بجانب القطاع الحكومي. ورأيى الشخصى أن مسئوليتنا فى هذه المرحلة هو تحقيق كل هذه الأهداف السابقة وبجانبها أو معها تطوير سوق العمل المصرية وعلاقاتها بحيث نصل بها إلى حالة سوق العمل اللائقة، لحماية حقوق طرفى الإنتاج بعدل معقول ومقبول. فسوق العمل «المبعثرة» تشكل خطورة للمستثمر الجاد، كما للعامل المنتج وكما للاقتصاد الكلى وللوطن.هذه «البعثرة» تجعل الملاذ الآمن للمواطن الساعى للعمل هو ذلك الجهاز «غير المبعثر» المسمى بجهاز الدولة «المترهل» الذى هو ناتج مشكلة سوق العمل غير المتوافقة مع طبيعة العصر، عصر المعلومات، كما أنه الجهاز الحكومي، الذى يوظف أكثر من ستة ملايين مواطن ومواطنة والذى صدر بشأنهم قانون الخدمة المدنية. علينا تحديد الهدف والبدء بالتدريج. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟