هل تتخلى أوروبا الوسطى الما بعد شيوعية، شيئاً فشيئاً، عن النموذج الديموقراطي الليبرالي الغربي؟ برز هذا السؤال منذ تغيّر سياسة نظام رئيس الوزراء الهنغاري (المجري)، فيكتور أوربان، في 2010، وميله الى سياسات قومية متطرفة. وفي تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم، بلغ سدة السلطة في وارسو حزب « العدالة والقانون» المحافظ والقومي. وقبل أيام، في 5 آذار (مارس) الجاري، رجحت كفة اليمين القومي المتطرف في سلوفاكيا في الانتخابات الأخيرة، وانهارت الأحزاب التقليدية الديموقراطية المسيحية.
ويجمع بين بولندا وهنغاريا وسلوفاكيا إرث شيوعي مشترك، وهذه الدول الى الجمهورية التشيخية، مرتبطة بحلف غير رسمي يعرف بمجموعة «فيزغراد» (أو فيسغراد). وولدت هذه المجموعة في 1991، من أنقاض الشيوعية وسعت الى دعم عملية الاندماج في أوروبا. لكن هذا التحالف أفل إثر دخول عدد من الدول السوفياتية السابقة في الاتحاد الأوروبي في 2004. وسلوفاكيا، هي عضو في منطقة اليورو، وتؤول إليها رئاسة الاتحاد الأوروبي في الأول من تموز (يوليو) المقبل. ودبت أخيراً، الحياة في تحالف فيزغراد مجدداً.
وعلى خلاف ماضيه، صار جبهة رفض في قلب الاتحاد الأوروبي، والتزم موقفاً سلبياً من أزمة اللاجئين. وخطاب رئيس الوزراء السلوفاكي قومي، شأن خطاب نظيريه المجري والبولندي، على رغم أنه لا يبدي نزعات استبدادية.
ويسوغ مسؤولو هذه الدول لفظ توزيع اللاجئين على دول الاتحاد الأوروبي برفض استقبال مسلمين سيغيرون الهوية الدينية والثقافية والإتنية في المجتمعات المضيفة. وفي بودابست ووارسو وبراغ وبراتيسلافا، طعن هذا التسويغ في ثقافة الاتحاد الأوروبي الديموقراطية. ومن المبكر القول أن ثمة نموذجاً سياسياً غير ليبرالي برز في شرق أوروبا. فـ «صعود» نفوذ اليمين المتطرف ليس حكراً على دول أوروبا الوسطى، ولا إجماع على استقبال اللاجئين في الديموقراطيات الأوروبية الغربية الراسخة والقديمة. وفي بولندا، حاز حزب «العدالة والقانون» غالبية مطلقة في البرلمان، وهو مطلق اليد في الحكومة، في وقت لم يتزامن انهيار الأحزاب الديموقراطية المسيحية في سلوفاكيا مع بروز كتلة غالبية في البرلمان. وفي براغ وبراتيسلافا، السلطة التنفيذية منقسمة. فمواقف رئيس الوزراء والرئيس متباينة في مسائل اللاجئين وأوروبا.
وتجمع كذلك بين هذه الديموقراطيات الطرية العود، النزعة الى إعلاء شأن السيادة والمشاعر القومية، ومعارضة بروكسيل من جهة، واعتبار المساعدات المالية الأوروبية البنيوية، بديهية أو معطى ثابت، من جهة أخرى، ولفظ التعدد الثقافي والنأي عن القيم الديموقراطية الراسخة في غيرها من الدول الأوروبية. ومستوى العيش في هذه الدول أدنى من نظيره في الاتحاد الأوروبي، على رغم مرور 26 عاماً على الانعتاق من طوق الشيوعية. نقلا عن الحياة
* افتتاحية، عن «لوموند» الفرنسية، 8/3/2016، إعداد منال نحاس