المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. أحمد يوسف أحمد
د. أحمد يوسف أحمد

خصخصة السياسة المصرية

الخميس 10/مارس/2016 - 01:01 م

أرهقتنا الخصخصة فى الاقتصاد كثيراً وها هى تطل برأسها فى المجال السياسى ففى توقيتين متقاربين خرج علينا اثنان. من أبناء مصر بمبادرتين تتعلقان بقضايا كبرى أولاهما بما يسمى بالمصالحة الوطنية وبادر بها الدكتور سعد الدين إبراهيم والثانية بالعلاقات مع إسرائيل وتوظيفها فى خدمة المصالح الوطنية المصرية وفعلها النائب السابق توفيق عكاشة ، ولن يتسع هذا المقال للمبادرتين معاً ولذلك سوف يكتفى هذا المقال بمناقشة المبادرة الأولى على أن تُغطى الثانية فى مقال قادم.

تلح فكرة المصالحة بين النظام المصرى وخصومه من الإخوان كثيراً على الدكتور سعد الدين إبراهيم بهدف حقن دماء المصريين فهو يرى أن الصراع مع الإخوان يهدد بحرب أهلية لأنهم يمثلون قوة عددية ، فعددهم يقرب من أربعة ملايين شخص فضلاً عن ثقلهم النوعى، والمصالحة لديه حتمية فقد تعرض الإخوان للهجوم فى العهد الملكى ثم الناصرى والساداتى والمباركى وفى كل هذه العهود كانت هناك مصالحة صريحة أو ضمنية معهم ، وإذا كان المآل فى كل الأحوال هو المصالحة فلنسارع إليها حقناً لمزيد من الدماء.

وبموجب هذه المبادرة على النظام أن يراجع نظرته لجماعة الإخوان إذ لا يمكن أن يصف جماعة يصل عدد أفرادها إلى ثلاثة أو أربعة ملايين شخص بأنها إرهابية ، فكيف تبدأ المصالحة ؟ يقول الدكتور سعد أن البعض يطالب المعارضين بالمبادرة بتقديم تنازلات فكيف يتنازلون وهم لا يملكون شيئاً وبعضهم لاجئ فى الخارج والسلطة هى التى تملك كل شىء وهى من يجب أن تعلن عن أى شكل لإتمام المصالحة واستعدادها لذلك ، واستشهد فى هذا الصدد بالمصالحة بين الرسول عليه الصلاة والسلام وقريش بعد فتح مكة ، فإذا فعلها النظام هل يرضى الإخوان عنه ؟ يقول الدكتور سعد إن شيوخهم موافقون على المصالحة لأنهم يرون أنهم اقتربوا من الموت ويأملون عودة الجماعة كما كانت أما شبابهم فرافضون لها بعلة الأخذ بالثأر ويلاحظ أنه حتى الشيوخ لم يصدر عنهم صراحة أو ضمناً ما يفيد قبول المصالحة، أى أن كلاً من النظام والإخوان لم يطلب منه سعياً فى هذا الاتجاه ، ولأنه لا أحد من أطراف الصراع متحمس للمصالحة فقد قال الدكتور سعد «اتفقنا على إثارة موضوع المصالحة على المستوى الاجتماعى نظراً لأنه عندما تذكر المصالحة تعلن الحكومة والجهات الرسمية أن الأمر بيد الشعب» مشيراً إلى أنهم سوف ينظمون عدداً من الفعاليات خلال الفترة المقبلة لإثارة المصالحة مع الإخوان على المستوى الشعبى .

من حق الدكتور سعد بطبيعة الحال كمواطن مصرى ناهيك عن أن يكون عضواً بارزاً فى النخبة الأكاديمية المصرية أن يتقدم بأى مبادرة يراها لصالح الوطن ، غير أنه من واجبنا أن نناقش أفكاره من المنطلق نفسه، والملاحظة الأولى على مبادرته أنها تخلو تماماً من أى إشارة لعنف الإخوان وبالتالى فلو قرأ المبادرة باحث أو سياسى أجنبى سوف يتصور على الفور أن الإخوان ضحية لنظام جعلهم فى وضع بائس، ولست بحاجة إلى الإشارة إلى أن كل مصرى ربما باستثناء الأربعة ملايين الذين حسبهم الدكتور سعد بطريقة مبتكرة قد عايش بنفسه عنف الإخوان قولاً وفعلاً، ولكى تكون الأمور واضحة فإن هذا لا يعنى أن كل إخوانى يمارس العنف أو أن كل العنف مصدره الإخوان لكن المؤكد أن لدينا حصيلة وفيرة من عنفهم قولاً وفعلاً بالكلمة والصوت والصورة كما أن تزامن الزيادة الواضحة فى شدة العنف مع الإطاحة بحكمهم لا يحتاج دليلاً.
والقول الشهير لأحد قادتهم الذى بشرنا بأن عودة مرسى سوف تكون اللحظة التى ينتهى فيها عنف سيناء أو ذلك الذى وعدنا بحرق مصر مازال يدوى فى أسماعنا، وأعلم أن الكثيرين سوف يقولون مالك تتحدث فى البديهيات وردى بأن ذلك راجع لأن هناك من يتجاهلها، بل إن المبادرة لم تتجاهل عنف الإخوان فحسب وإنما ذهب الدكتور سعد إلى أن الإخوان قد تعرضوا لهجوم فى العهد الملكى ثم الناصرى والساداتى والمباركى، وفى كل هذه العهود كانت هناك مصالحة صريحة أو ضمنية مع الجماعة ، ويعنى هذا بوضوح أن الإخوان كانوا ضحية للعنف طيلة هذه العهود لكن النظم اضطرت إلى مصالحتهم فى النهاية.

وليسمح لى الدكتور سعد بأن أختلف معه جذرياً فى هذه المسألة فالإخوان لم يتعرضوا للهجوم فى العهود التى أشار إليها وإنما هم الذين بادروا به كأداة من أدوات حركتهم السياسية سواء انتقاماً ممن عاداهم أو للتعجيل بالوصول إلى السلطة، ولمجرد التذكير فإن الإخوان هم القوة السياسية الوحيدة فى مصر التى دأبت على توظيف العنف فى حركتها السياسية فلقد اصطدمت النظم الحاكمة بغيرهم لكن أحداً من تلك القوى لم يرفع سلاح العنف بشكل منهجى فى وجه النظام سواهم .

أما الملاحظة الثانية فهى عن الآلية التى استخدمها الدكتور سعد لطرح مبادرته فقد اختار أن يطرحها على مائدة عشاء جمعه بقيادات إخوانية فارة من مصر وبعض كبار الانتهازيين ورئيس سابق لدولة عربية يحمل عداءً شديداً لنظام ثورة يونيو، وكنت أتوقع منه وهو عالم الاجتماع الشهير ومدير لمركز بحثى معروف أن يبدأ بطرح فكرته بعد بلورتها على نخبة تناقشها وتضع الأمور فى نصابها، كما أننى كنت أنتظر منه وهو صاحب الإسهامات العديدة فى دراسات الرأى العام أن يحاول التأكد مما يقوله الكثيرون عن رفض هذا الرأى للمصالحة واستعداده للنظر فى الاعتذار عن الأخطاء ومراجعة النفس فإن تأكد لعله يعتقد أن الظروف الموضوعية لطرح مبادرته غير قائمة وأن تداعياتها لن تتجاوز سيل الشتائم المتبادلة التى لم نعد نتحمل المزيد منها، ولعله يقتنع أيضاً أن إنقاذ مصر ليس بالمصالحة مع الإخوان وإنما بالاستمرار فى مواجهة الإرهاب والإسراع فى تحقيق الديمقراطية وتعزيزها والاندفاع فى طريق تحقيق التنمية الحقيقية والمسارعة إلى مزيد من الخطوات الملحة لتحقيق العدالة الاجتماعية، أما التأسى بالرسول عليه الصلاة والسلام فهو فى غير موضعه فقد صفح عن كفار قريش ولم يتصالح معهم بعد أن نصره الله نصراً عزيزاً.

 نقلاً عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟