من المتوقع بعد أن تم تأجيل بيان الحكومة لأكثر من مرة أن يعرض قبل نهاية الشهر الحالى البيان النهائى للحكومة هذه المرة فى موعده كما أعلنت وعليه وبعد طول انتظار نأمل ان تخرج علينا الحكومة ببرنامج اقتصادى واجتماعى وسياسى للمرحلة القادمة يتناسب مع طموحات الشعب الذى انتظر كثيرا ليحصل على شىء من الحقوق ويحصد قدرا من العدالة الاجتماعية بعد خمس سنوات من المعاناة من صراعات سياسية وركود اقتصادى.
وعلى ذلك اريد ان اوضح للحكومة وهى بصدد عرضه على مجلس النواب, ان تنتبه فى توزيع منافع النفقات العامة فى مصر بين أفراد المجتمع، ان تفرق بين نوعين من النفقات العامة وهما النفقات التى تعطى منافع غير قابلة للانقسام (مثال الدفاع الوطني), والنفقات التى تعطي منافع قابلة للانقسام (مثل التعليم والصحة) لكى نحدد بالعدل حصة كل فرد من أفراد الشعب من النفقات العامة التى تعطى منافع قابلة للانقسام, حتى لا يحدث كما كان يحدث من قبل ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013 من عدم حصول كل افراد الشعب على حصتهم من النفقات العامة او من ثمار الناتج القومى. ونقصد هنا اولا النفقات التحويلية وهى تلك النوع من النفقات التى تعطى بلا مقابل، وعلى ذلك فإنها تدخل، على اختلاف أنواعها (تحويلات مباشرة وغير مباشرة) ضمن النفقات التى تعطى منافع قابلة للانقسام على أفراد الشعب. وحيث أن النفقات التحويلية تقسم من الناحية الفنية إلى ثلاثة أنواع وهي: النفقات التحويلية الاجتماعية، والاقتصادية ، والمالية (فوائد الدين العام واستهلاكه). سوف نناقش هنا كيفية توزيع منافع الأولى والثانية ونترك الثالثة إلى حديث آخر (حيث إنها ذات طبيعة فنية مختلفة ).
فتجد أولاً أن الاعانات الاجتماعية تنسب إلى الذين دفعت لهم ، وهم عادة من أصحاب الدخول المنخفضة والفقراء، مقابل أغراض معينة، ويمكن تقسيم هؤلاء المستفيدين إلى عدة فئات تبعاً لمستوى دخولهم. ثانياً؛ الاعانات الاقتصادية التى تعطى لبعض المشروعات بغرض رفع معدل ربحها لبعض الفئات الاجتماعية، تجرى هى الأخرى نسبتها تبعاً لحجم الانتاج الذى تقدم به هذه المشروعات. وهذا النوع الثانى من الاعانات الاقتصادية والتى تعطى للمشروعات وغرض تخفيض اسعارها (أو تثبتها) هى تحويلات غير مباشرة، وإن دفعت للمنتج ، إلا انها تشكل إعانة للمستهلك الذى يشترى السلع المعانة (اى المدعمة) بسعر يقل عن التكلفة ، وعلى ذلك فإن الإفادة من هذه الاعانات لا تحدث إلا فى حالات شراء السلع المعانة. ويمكن نسبتها إلى الكمية الكلية من السلع التى يشتريها الفرد محل تلك الاعانات الاقتصادية. ويوجد نوع ثالث من الاعانات الاقتصادية أيضاً، وهى ما تعرف بالإعانات المالية ، وهى تلك الاعانات التى تقدمها الدولة للمشروعات ذات النفع العام، والتى تكون فى حالة عجز بغرض تغطية, اى بعبارة اخرى تمويل هذا العجز. وينتج عن هذا النوع الثالث من الاعانات نفس الأثر الذى ترتب على النوع الثانى ، حيث ينتهى الأمر إلى تخفيض أثمان السلع المنتجة، ويصب ذلك فى صالح المشترى (اى المستهلك). وحيث إن المستهلك هوالذى يقوم بشراء هذه السلع, فذلك يؤكد أن الاعانات المالية هى الأخرى نوعاً من التحويلات غير المباشرة للمستهلكين ، إن أحسن تطبيقها. وفى العموم، تؤدى كل الاعانات التى تهدف إلى تخفيض أسعار المنتجات, الى تخفيض نفقات المعيشة والى تفادى ارتفاع الأجور وما يترتب عليه من حلقة التضخم المعيبة (ارتفاع أسعار ارتفاع أجور ارتفاع أسعار مرة أخرى). وعليه تكون الرقابة الحكومية لهذه الاعانات مطلوبة بشدة وحزم عند التطبيق فى الاسواق, حتى تنخفض الأثمان بقدر الاعانة، وإلا سوف تقسم الاعانة بين المنتج والمستهلك، وتشكل تحويلا مباشرا للمنتج وتحويل غير مباشر للمستهلك. وينتهى الأمر أن القسمة تفيد نفراً على حساب نفر آخر, لتفيد المنتج اكثر من المستهلك. وحيث أن القياس من الصعوبة بما كان، لذلك من الممكن أن نخص الاعانة التى تمنح للسلع الغذائية على أن نحدد نصيب كل فئة اجتماعية تبعاً لعدد الأفراد الداخلين فى هذه الفئة. وذلك لأن المواد الغذائية المعانة عادة ما تكون من السلع الضرورية التى تستهلكها كل الفئات محدودة الدخل، وكذلك الملابس المعانة تنسب لنفس الفئات لأنها ملابس شعبية او اقتصادية، وإن كان هذا الأمر لا يخلوا من الطعن عليه , لأن هذه السلع المدعمة متاحة للجميع والمنع لا يأتى إلا فى حدود ضيقة جداً.
وأخيراً ما تقدمه النفقات العامة الحقيقية من توزيع خدمات مجانية قابلة للانقسام، ومثل ذلك التعليم والعلاج بالمجان. ويمكن القول فيما يخص نفقات التعليم العالي: إن أصحاب الدخول المتوسطة وفوق المتوسطة والمرتفعة ، هم أكثر المستفيدين منهما. أما أصحاب الدخول المنخفضة فلا يستفيدون من هذا النوع من نفقات التعليم العالى، إلا فى حدود ضيقة. فى حين أن نفقات العلاج بالمجان، فنجد أن أصحاب الدخول المنخفضة والفقراء هم أكثر المستفيدين منها.
وبعد هذا التوضيح يظل السؤال المحير ، قسمة السلع المعانة او المدعمة على من؟ ومن هم أكثر المستفيدين فى مصر من السلع والخدمات العامة القابلة للانقسام (الأغنياء أم الفقراء)؟!. Krb uk hGivhl