المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
د. نصر محمد عارف
د. نصر محمد عارف

المصالحة الاجتماعية…لماذا؟… وكيف؟

الإثنين 14/مارس/2016 - 11:28 ص

يبدو أننا أصبحنا مهووسين بالسياسة فى معناها الضيق والبرجماتي، مسكونين بالسلطة وكل ما يتعلق بها، متجاهلين للمجتمع، متناسين أنه هو الأصل، وهو الأساس للسياسة والسلطة والوجود كله، ومن ثم لم يكن من السهل أن يتم فهم واستيعاب المصالحة الاجتماعية بمعزل عن المصالحة السياسية، بل انه قد تم فهمها فى اطار معطيات ونتائج المصالحة السياسية، وقد نصحنى أستاذى الدكتور محمد السيد سليم أن ألقى مزيداً من الضوء أوضح به فكرة المصالحة الاجتماعية لانها قد تختلط عند العامة والخاصة بالمصالحة السياسية، أو تُفهم على أنها مقدمة للمصالحة السياسية أو طريقة ملتوية للوصول اليها، وهو ما يخرج عن القصد والغاية من هذه الدعوة؛ التى ترمى الى الوحدة فى الجبهة الداخلية المصرية؛ والتى تحتاجها مصر الآن أكثر من أى وقت مضي.

فقد تعرضت مصر ولأول مرة فى تاريخها الحديث الى حالة تشقق اجتماعي، خلقتها الآلة الدعائية على منصة اعتصام رابعة العدوية؛ التى استمرت تضخ فى العقل الجمعى المصرى لأكثر من أربعة وأربعين يوما؛ منها شهر رمضان كاملاً؛ بما له من قدسية فى نفوس المصريين تجعلهم يتفرغون له بكامل مشاعرهم وعواطفهم، هذه الآلة الدعائية شاركت فيها معظم رموز الحركات الاسلامية فى مصر على مدار الساعة، بحيث لم تتوقف الخطابة لحظة واحدة طوال هذه المدة، والمهم هنا التركيز على المحتوى الثقافى الذى تم ضخه فى قلوب وعقول البسطاء من المصريين، من أصحاب العواطف الدينية الجيَّاشة، والمعلومات الدينية القليلة، والعقليات البسيطة، فقد تم فى تلك الفترة الفاصلة فى التاريخ المصرى الحديث تمزيق المجتمع المصرى الى مجتمعين منفصلين، أحدهما يدافع عن الدين والمبادئ والقيم والشرعية، والآخر تخلى عن كل ذلك.

لا يخفى على ذى عقل أن قيادات تنظيم الاخوان كانت تستخدم اعتصام رابعة والنهضة لخلق حالة حسينية كربلائية يعيش عليها التنظيم نصف قرن قادم، كما عاش على حسينيات وكربلائيات صلاح نصر وحمزة البسيونى وسجون الستينيات نصف القرن الماضي، لذلك كان الاعتصامان فرصة لتوظيف خطاب دينى يعيد استخدام جميع المصادر الدينية التى كانت تستخدم فى التاريخ الاسلامى فى أوقات الحروب ضد الكفار؛ سواء من القرآن أو السنة أو الفقه أو التاريخ والعقيدة والشعر والمواعظ؛ كل تلك الحمولة الدينية تم توظيفها ضد الدولة المصرية ومؤسساتها، لذلك كان من السهل على قيادات تنظيم الاخوان، بعد ذلك، استخدام قواعدهم ضد الدولة المصرية واقناعهم بأن اسقاط هذه الدولة هو ثأر لدماء أطهر ناس فى مصر، يقصدون من مات منهم فى رابعة والنهضة.

ومن هنا جاءت الدعوة للمصالحة الاجتماعية لوضع نهاية لهذه الحالة الدعائية التى توشك بأن تخلق ثقافة سياسية معادية للدولة؛ تحملها أجيال من الشباب المنتمى للتنظيم الفاشل، أو المتعاطفين معه، أو الذين يحملون أحلاما رومانسية عن مثاليات الثورة … والمصالحة الاجتماعية موجهة الى المصريين كأفراد، وليس كجماعات أو تنظيمات أو أحزاب، تتعامل مع الفرد والأسرة فقط، ولا تتعامل مع مجموعات أو جماعات، وتهدف الى نزع كل الأسباب التى يعتمد عليها التنظيم الفاشل للهروب من المحاسبة من قواعده أو من المجتمع، ويصدّر من خلالها الأزمة للدولة، ويحملها المسئولية عن كل ما حدث؛ رغم أن هذا التنظيم هو المسئول الأول عن التضحية بدما البسطاء من الأتباع على مذبح الكرسى والسلطة والحكم الذى صار عندهم يكنى بالشرعية. ومن هنا فان المصالحة الاجتماعية بهذا المعنى تهدف الى تحرير كل البسطاء من غير المنضوين فى التنظيم؛ تحريرهم من استلاب تنظيم الاخوان لعقولهم، وتوظيفه لهم فى معركته السياسية مع الدولة، بحيث لا يبقى قابلاً للاستخدام من قِبل التنظيم الا أولئك الذين غُسِلت عقولُهم عبر عملية تربية طويلة داخل أطر التنظيم ومؤسساته، وهؤلاء ليسوا بالعدد الكبير فلا يتجاوزون نصف المليون من جميع الأعمار… وحتى هؤلاء سوف تنطبق عليهم عملية المصالحة الاجتماعية، ويندرجون فيها، لانهم جزء من الشعب المصري، ولا يستطيع أحد أن يفقدهم هذه الصفة، ومسئولية الدولة رعايتهم، وتحويلهم الى مواطنين يعملون لمصلحة بلدهم؛ حتى لو ظلوا بقية حياتهم فى صفوف المعارضة لكل الحكومات المقبلة؛ فهذا حقهم، وواجب من يختلف معهم أن يحفظ لهم حقهم فى الاختلاف، ماداموا لا يرتكبون فعلاً يجرمه القانون.

أما عن كيفية تحقيق المصالحة الاجتماعية فى مصر؛ فان هذا يتم من خلال نقل مفهوم العدالة الانتقالية الى المستوى الاجتماعي، بحيث تكون العدالة سريعة وناجزة طبقا لمفاهيم الشريعة الاسلامية والأعراف التاريخية العربية، وذلك من خلال دفع دية كل من قتل من جميع الخلفيات، وفى جميع المواقع، ما عدا أولئك الذين شاركوا فى قتل رجال الجيش والشرطة عن سبق اصرار وترصد، فهؤلاء محاربون مجرمون، وكل ما دون ذلك يدخل فى اطار هذه المصالحة وتنطبق عليه اجراءات العدالة الانتقالية فى تطبيقها الاجتماعى والعرفي. وهنا يتم استخدام الأموال المصادرة من تنظيم الاخوان والتى صرحت جهات مسئولة بأنها تبلغ خمسة مليارات جنيه، يتم استخدامها فى تخصيص ودائع مليونية فى البنك المركزي؛ يتم توزيع عائدها، وكأنها وقف أهلي، على ورثة المتوفى من الاخوان أو بسبب الأعمال الارهابية التى قام بها أتباع تنظيم الاخوان، ومن عاونهم وتعاطف معهم منذ أحداث الاتحادية 2012، أما ما قبل ذلك فيتم استخدام أموال الحزب الوطنى لنفس الغرض مع كل من قتل من يناير 2011 حتى أحداث الاتحادية 2012.

واذا ما تم التخلص من لعنات الدم التى علقت بمصر فى السنوات الخمس الماضية، وتمت مداواة جروح الفقراء والبسطاء الذين فقدوا عائلهم، وتم تطييب خواطر الثكالى والأرامل والأيتام، يتم بعد ذلك رفع الظلم عن كل مظلوم سواء من دخل السجن فى حالات الارباك التى سعت من خلالها الجماعات الارهابية الى اسقاط مصر، فسقط فى الطريق ضحايا أبرياء، فقدوا حريتهم أو فقدوا وظائفهم، فقد آن الأوان بعد أن استقرت الدولة المصرية، وخرجت من مرحلة الخطر، وأصبحت كل هذه التنظيمات مجرد جماعات صغيرة خارجة على القانون، ولم يعد خطرها يستوجب الحيطة والحذر والمحاسبة بالشبهة، الآن أصبح من الضرورى معالجة هذا الملف، لأن الظلم خطر على مستقبل مصر، فلابد من الخروج من حالة الانتقام، أو التشفى الى حالة العفو، ورفع الظلم وبناء مجتمع العدل.

بهذه النفسية، نفسية العفو، واعلاء قيمة العدل، واحترام كرامة الانسان؛ حتى وان كان خصماً أو عدواً، لابد من احترام كرامته، والفيصل فى خصومته أو عدائه هو القانون فقط، بحيث يصبح القانون هو الذى يحكم العلاقة بين الجميع سواء الذين يؤيدون الحكم أو يعارضونه، بهذا فقط تستطيع مصر أن تضع أقدامها على طريق المستقبل. نقلا عن الأهرام

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟